وأنا هنا لا أريد أن أورد الروايات التي قرأت عنها في المواقع الالكترونية , أو التي سمعت عنها من ألسنة ممن لم ترد أسماؤهم في قائمة المقبولين للحج , بل أورد تجربتي الشخصية , فمنذ أربع سنوات وأنا وزوجتي نتقدم كل عام من أجل الحصول على قرعة الحج , وفي العام الأول تم الرفض ولم يكن لنا حظ في القرعة , وقبلنا بذلك لأنه أول عام نسجل فيه , على الرغم أنني كنت حينها في الستين وزوجتي في الخمسين , وكنا نريد أن نسافر في رحلة الحج للديار المقدسة ونحن بشيء من صحتنا , وفي العام التالي تكررت التجربة مرة ثانية , ولكن هذه المرة بعد أصبت أنا وزوجتي بالمرض الخبيث ( السرطان ) , وهذه مشيئة الله , التي نحمد الله عليها , وندعوه أن تكون في ميزان حسناتنا , واستبشرنا خيرا رغم مرضنا , بعد أن أعلنت وزارة الأوقاف أن مرضى السرطان ستكون لهم الأولوية في السفر للحج , وذهبنا إلى قسم الأورام بمستشفى الشفاء ’ لاستخراج شهادة طبية بأنني وزوجتي نعاني من مرض السرطان , وأرفقنا الشهادتين بصور جواز السفر والرسوم , لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن ( القرعة) , ورضينا بما لم يكتبه الله لنا , وبما لم تقسمه لنا هذه القُرعة " بضم القاف " والتي يبدو أنها ( قرعَة ) بــ" فتح القاف ", وإلا كيف تنطبق علينا الشروط في السن والمرض والتسجيل , وبالمرض المشترك الذي أصاب الزوج والزوجة , وقمنا بمراجعة دائرة اللحج والعمرة في وزارة الأوقاف , فكان الجواب أن هناك آلاف المرضى , وأن هناك قائمة احتياطية سيتم الاعلان عنها لاحقا , ولكن القرعة لم تنصفنا ايضا في قائمة الاحتياط , على حد قول المسؤولين في أوقاف غزة .
وفي العام الماضي قمنا للمرة الثالثة بالتسجيل للحج , وأرفقنا الشهادات الطبية اللازمة التي تثبت إصابتنا أنا وزوجتي بالمرض الخبيث , وأننا نعالج بالكيماوي والإشعاع في مستشفيات اسرائيل والقدس , وللمرة الثالثة لم تخرج أسماؤنا ضمن قوائم الحجاج , وقد عرض على بعض الأصدقاء الاتصال بوزارة الأوقاف برام الله من أجل تسجيلنا ضمن قافلة الحجاج من هناك , وكدت أن أفعلها , غير أن زوجتي رفضت وقالت لن أذهب للحج بالواسطة , ونحن الذين ندين ونستنكر كل من يذهب للحج بالواسطة , ولم يكتب لنا النصيب – كما يقال – في هذه الأحوال .
وفي هذا العام تفاقم المرض عندي – ولا داعي للشرح – وأصبحت غير قادر على أداء مناسك الحج , لكن زوجتي تقدمت للمرة الرابعة رفقة بعض صديقاتها , وهي متيقنة أن القرعة ستنصفها , وأن الحظ سيكون حليفها , بعد أربع سنوات من التسجيل , وهي التي تتمتع بكل المواصفات المطلوبة ( سنوات التسجيل , والمرض الخبيث , والسن الكبير ) , لكن صدمتها كانت كبيرة , مما يؤكد أن ما يجري لا علاقة له بالقرعة , وأن هناك قوائم يتم ترتيبها بالمعرفة والواسطة , ويتم وضع مئات الأسماء خارج إطار القرعة .
طبعا بعد أن حرمت أنا تماما من السفر للحج بسبب حالتي الصحية , وحرمت زوجتي بفعل القُرعة ( القَرعة ) أو ( الكوسا ) على رأي إخوتنا في مصر , فإنه لم يبق لي سوى الدعاء على من حرمني من أداء هذه الفريضة , أما زوجتي فإنها ستتقدم العام القادم , لعل أن يكتب لها الحج بعد خمس سنوات , وأدعو الله أن يمدها بالصحة والعافية لتؤدي مناسك الحج العام القادم , وحتى لا تحرم مثلي .
أما الجديد المبتكر هذا العام من وزارة الأوقاف في غزة , فهو اشتراط وضع ألف دينار في البنك عن كل حاج قبل ثلاثة أشهر من قرعة الحج , وقبلنا بذلك كون المبلغ سيكون من ضمن تكاليف الحج , على الرغم من العلم أن المبالغ الضخمة التي جمعت بالملايين , وضعت لاستثمارها في البنوك , وكانت المفاجأة الأكبر بعد إعلان نتائج القرعة , أن وزارة الأوقاف ستحتفظ بمبلغ 100 دينار من المبلغ الذي تم دفعه , كشرط لاستمرار التسجيل , حيث لاقى هذا الشرط امتعاضا لدى كل المسجلين , واعتبره البعض محاولة من وزارة الأوقاف في غزة لاستثمار هذه الأموال التي تقدر بمليون وأربعمائة ألف دينار ( 2 مليون دولار ) استثمارا حراما لا يجوز أن تقدم عليه وزارة , هي وزارة الأوقاف الاسلامية .
لعل ما تقدم في هذا المقال يكون محل تحقيق فيما يجري من تزوير في قرعة الحج كل عام , ويتم من خلالها حرمان مئات المرضى , الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر , لعل القرعة في الأعوام المقبلة تكون أكثر شفافية وإنصافا . كما أننا نطالب وزارة الأوقاف بالتراجع عن قرارها حجز المئة دينار من كل حاج , لأن هناك الكثير منهم بحاجة إليها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن في قطاع غزة , وأن شرط إبقاء هذه الأموال لدى وزارة الأوقاف هو شرط مجحف وخارج عن القانون والعرف , فالأسماء المسجلة منذ سنوات ليست بحاجة لحجز جزء مما دفعته , فنحن نعيش عصر " الكمبيوتر " والأسماء محفوظة , ,ان من لديه الأقدمية , ويتمتع بالمواصفات والشروط من سن كبير ومرض , هم الأحق في أداء مناسك الحج قبل أن يفوتني قطار الحج كما فاتني للمرة الرابعة على التوالي .
وأخيرا هذه كلمة حقق كتبتها بكل ألم , والحق أحق أن يقال , والله من وراء القصد , واطلب من كل من يقرأ هذا المقال , أن يدعو لي بالشفاء , حنى أتمكن من أداء مناسك الحج في سنوات مقبلة , وهذا ليس على الله بكثير.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت