على كيري الاعتراف بفشله

بقلم: غازي السعدي


تعرض الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، لضغوط هائلة من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، تذكر بالضغوط التي تعرض لها الرئيس الراحل "ياسر عرفات"، لجره للمشاركة في قمة "كامب ديفيد عام 2000"، قبل إتمام استحقاقات اتفاق اوسلو، فجريدة "يديعوت احرونوت 30-5-2013" ذكرت أن هذه الضغوط التي مورست على "أبو مازن"، من قبل وزير الخارجية الأميركية "جون كيري"، سترغمه على العودة إلى طاولة المفاوضات، لكنه سيعمل على تفجيرها مستقبلاً، فدخوله المفاوضات إنما لتجاوز الضغوط التي يتعرض لها في الأزمة الحالية، في الوقت الذي لا توجه ضغوط مماثلة من قبل "كيري" على رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"، وحسب قول نائب وزير الخارجية الإسرائيلي "زئيف الكين"، الذي التقى المبعوث الروسي الخاص بالشرق الأوسط "سيرغي فيرشتين" أن موسكو أيضاً تدعو الفلسطينيين- على حد قوله- للعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة.
الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي في البحر الميت، الذي عقد مؤخراً، أصر على ثوابته الأربعة لحل القضية الفلسطينية وهي: رفض الحلول المرحلية، رفض الدولة ذات الحدود المؤقتة، وإقامة الدولة على حدود 1967، رفض الحلول الاقتصادية التي تتجاهل الحلول السياسية، عدم تغييب حق العودة وإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين، فالرئيس الفلسطيني يرى بأن فرص حل الصراع على أساس الدولتين لشعبين، أخذت بالنفاد بل وأغلقت جميع نوافذها، فبعد خمس جولات لوزير الخارجية الأميركية خلال الشهور الثلاثة الماضية، انتهت تفاهمات "كيري" إلى طريق مسدود، وذلك بفعل استمرار أعمال الاستيطان، بل والتوسع الاستيطاني في القدس وفي الضفة الغربية، مع أن "كيري" أعلن في أعقاب جولته الأخيرة مع "نتنياهو" و "أبو مازن"، أن جولته كانت إيجابية وبناءة جداً، مع أنه لا جديد في هذه الجولة سوى التمديد لثلاثة أشهر أخرى، في محاولة للوصول إلى نتائج، وإيجاد إطار لاستئناف المفاوضات، فهو لا يريد الاعتراف بالفشل، فـ "نتنياهو" الذي سأله "كيري" ما إذا كان مستعداً لتجميد الاستيطان قبل الشروع بالمفاوضات مع الفلسطينيين، التزم الصمت دون إجابة، وبالنسبة لإطلاق سراح أسرى فقد رفض ذلك قبل العودة إلى طاولة المفاوضات، وكما ذكرت جريدة "معاريف 24-5-2013"، أن الإصرار الفلسطيني، هو الذي حمل "كيري" على توجيه السؤال لـ "نتنياهو" حول تجميد الاستيطان، فحكومة "نتنياهو" تواصل سياستها الاستيطانية، المعلنة وغير المعلنة، وكان آخرها شرعنة أربع بؤر استيطانية غير شرعية حسب القوانين الإسرائيلية، أعطاها صفة الشرعية، والإعلان عن بناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة، فما الداعي للعودة إلى طاولة المفاوضات؟
إن الأدلة أكثر من كثيرة، على عدم وجود نوايا إسرائيلية أصلاً للسلام، بل أنها أغلقت كل نوافذ السلام، فماذا قال "شمعون بيرس" رئيس الدولة أي المواطن رقم (1) في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي في البحر الميت، حتى تثير انتقادات وحملة إسرائيلية ضد ما جاء في خطابه؟ "بيرس" دعا لاستغلال هذه الفرصة للتوصل إلى السلام، على أساس دولتين لشعبين،على أساس حدود عام 1967 ووقف الاستيطان، وقال أن السلام هو الخيار الواضح، ومن الضروري عدم إضاعة هذه الفرصة، لأن دون ذلك سيسود الإحباط الجانبين، معرباً عن اعتقاده بأن فرص السلام ممكنة، وتصب في مصلحة الجميع، وهناك من يمكن التفاوض معه، ألا وهو السلطة الفلسطينية، وللاتفاق على حل الدولتين، دولة إسرائيل، ودولة فلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب، تتمتعان بحسن الجوار، وتعاون اقتصادي لتبعث برسالة إلى الأجيال القادمة.
إن ذكر "بيرس" لحدود عام 1967، ووقف البناء الاستيطاني، وأن هناك طرقا للتفاوض معه بذكره السلطة الفلسطينية، وبحل الدولتين، ودون ذكره ليهودية الدولة، فهذه النقاط وغيرها مرفوضة من قبل القيادة الحاكمة في إسرائيل، فمن الذين انتقدوا خطاب "بيرس"، الوزير "نفتالي بينت الذي قال بأن معظم الإسرائيليين يعارضون الانسحاب إلى حدود عام 1967، وأن الرأي العام الإسرائيلي يؤمن أن السلام لن يتحقق إلا بالقوة، وليس بالتنازلات، أما الوزير "عوزي لنداو"، فقد وصف العودة إلى حدود عام 1967، بمثابة حدود معسكرات "أوشفيتس"، في إشارة إلى المعسكرات النازية، والوزير "يوفال شتاينتس" قال: لم أكن أعرف أن "بيرس" يتحدث باسم الحكومة، فمكانة الرئيس في إسرائيل محترمة، بيد أن القرارات السياسية من اختصاصات الحكومة، وليس من رئيس الدولة، ونائب وزير الدفاع دانون قال: أن التزامنا البناء في الضفة واضح، ولا رجعة فيه وسيتواصل، ونفتخر بأن السياسة الاستيطانية، تمثل رأي الأغلبية الإسرائيلية، والنائب الليكودي "موشيه فيغلين" قال أن: أرض إسرائيل والقدس ومنطقة المسجد الأقصى، تعتبر بالنسبة لنا، خطاً أحمر، لا نستطيع التنازل عنها، أو المرور مر الكرام عليه، فهذا غيض من فيض على ردود الفعل الإسرائيلية، وبعد كل ذلك، يتحدثون عن السلام، فالسلام الذي يريدونه ابتلاع الأراضي الفلسطينية، والتخلص من الكثافة للمواطنين الفلسطينيين، فقد أظهر استطلاع للرأي نشرته نتائجه بي-بي-سي البريطانية، والتي تجريه المحطة سنوياً، شمل (26) ألف شخص، من (25) دولة، أن إسرائيل في هذا الاستطلاع، والاستطلاعات السابقة، تأتي في أسفل القائمة الأقل شعبية في العالم.
إن خطة "كيري" التي أطلقها لترميم الاقتصاد الفلسطيني، هي نفس الخطة التي طرحها "نتنياهو" في ولايته السابقة، والرئيس الفلسطيني كان أول الرافضين لها، وهذه الخطة لا يمكن أن تكون بديلاً عن الحل السياسي، بل أنها تؤجج الصراع وليس حله، ففي المؤتمر الصحفي الذي عقده "كيري" في مطار بن غوريون، حاول أن يشرح لماذا يوظف معظم ساعاته في الشهرين الأخيرين، في محاولة يعترف أنها شبه بائسة، لاستئناف المسيرة السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، وكان جوابه، بأن هذه مسألة تقلق كل العالم، وطلب من "نتنياهو" و"عباس"، رداً خلال أسبوعين حول استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة، وامتناع الطرفين عن الإدلاء بتصريحات استفزازية، وخطوات استفزازية، مثل امتناع الفلسطينيين التحريض ضد إسرائيل، وامتناع إسرائيل القيام بخطوات كبناء مكثف في المستوطنات، وتسويغ بؤر استيطانية، أو هدم منازل فلسطينية، والسؤال: لماذا ستستأنف المفاوضات من نقطة الصفر؟ ولماذا القفز عن الاتفاقات الموقعة من قبل الطرفين؟ والقفز عن اتفاقات اوسلو وبيانات اللجنة الرباعية، وعن خارطة الطريق، وعن المرجعيات المعروفة، فإسرائيل أغلقت وتغلق جميع فرص السلام، وعلى "كيري" الذي فشل في مهمته، اللجوء إلى طريق آخر، ألا وهو إحالة الموضوع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى مجلس الأمن الدولي، ليتخذ القرارات، وفقاً للقانون الدولي، والقرارات الدولية السابقة إذا كانت أميركا معنية بتحقيق السلام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت