بين النكبة عام 1948 م والنكسة عام 1967م فاصل زمني عمره تسع عشرة عاماً كانت كافية لحشد الطاقات وإعداد الجيوش العربية من أجل استرداد الحقوق المسلوبة في فلسطين التي تشكل القضية المركزية للأمة ، غير أن كارثة جديدة وهزيمة نكراء لحقت بالنظام الرسمي العربي الذي خسر أراضٍ عربية أخرى على جبهات المواجهة في شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة ، والجولان والأردن أدّت بالنتيجة الى إحتلال ماتبقّى من الأراضي الفلسطينية التاريخية الضفة الغربية حيث تضم مدينة القدس وقطاع غزة،أما اليوم فيكون قد مضى على هذه الذكرى الأليمة ست واربعون عاماً بالتمام والكمال تضاف على عمر النكبة ولم يتمكن النظام الرسمي العربي من تحرير الأرض وردّ نكسة الهزيمة بالإنتصار، بغض النظر عن نتائج حرب تشرين التحريكية التي أثبتت قدرة المقاتل العربي على تخطي النظرية الأمنية الإسرائيلية لكنّها أنتجت اتفاقيات كامب ديفيد وملحقاتها وسلخت مصر عن محيطها العربي مقابل إعادة أراضي سيناء والتخلي عن قطاع غزة الذي كان تحت الوصاية المصرية، وأيضاً توقيع اتفاقية فصل القوات في الجولان اقتضى بموجبه إعادة مدينة القنيطرة "عاصمة الجولان" المحتّل مدمرّةً بشكل كامل ولم يتم إعمارها حتى يومنا الحاضر، وظلّت شاهدةً على همجية العدوان وحقده الدفين .
الفلسطينيون الذين اختاروا البقاء بالقرب من وطنهم ذاقوا طعم الأمرّين مرارة تهجير النكبة الأولى على أمل العودة السريعة ،ونزوح المرة الثانية منكفئين إلى داخل الدول التي لجأوا اليها حيث أوتهم الخيام مرة أخرى ويبدو أن القدر شاء لهم استمرار مأساتهم طالما لم تنتفي الأسباب التي أجبرتهم على مغادرة وطن الأباء والأجداد ، إما تحت وطأة التهديد بالقتل والمجازر التي اقترفتها العصابات الصهيونية لمن أثر البقاء ،أو الإنصياع لأوامرالجيوش العربية خشية إعاقة خططها العسكرية والمحصلة كانت التشرد إلى حيث اللامكان ،غير أن النكسة الحزيرانية أوقدت المشاعر لدى الشعب الفلسطيني كما العربي بالإنخراط الواسع في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة ضمن انطلاقة عارمة بعد أن فقدت الجماهيرالثقة بأنظمة الحكم في استعادة الأراضي العربية المحتلة وخاضت الثورة أولى معاركها المشرفة في الكرامة عام 1968 . حزيران لهذا العام يحمل في طياته تعقيدات الأزمات الناشئة في الأقطار العربية التي لازالت مفاعيلها مستمرّة ولا يبدو للعيان مؤشرات انفراجات قادمة على المدى المنظور بالرغم من انجاز المرحلة الأولى المنشودة للشعوب في بعض الدول إذ استطاعت الخلاص من أنظمة الحكم الشمولية المستبدّة ،مايعني أنها تحتاج إلى المزيد من الحراك الشعبي الممنهج الضاغط لتصويب مسار الثورات نحواستكمال اهدافها الوطنية الديمقراطية ثم الإنتقال إلى مرحلة البناء المجتمعي الجديد الذي يقوم على أساس المساواة والعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص، وهذا لن يكون بأدوات قديمة أو مصطنعة متخلفة عن ركب الطموحات الجماهيرية التي تريد أن تلامس أفضليات التغيير بالمقارنة مع ألاوضاع التي سادت عقود من الحرمان والقهر وفقدان الأمل بالمستقبل ، إن غياب قوى قادرة على التصدي لمهمات المرحلة الراهنة ستطيل من عمر الأزمات المتفاقمة على كافة الأصعدة وسيكون التخبط السياسي والإقتصادي والهاجس الأمني غير المستقّر فضلا عن التدخلات الخارجية ، سـمة بارزة لمرحلة قد تطول وفقاً للتفاعلات والعوامل الخاصة بكل بلدٍ يكون لها تداعيات خطيرة يصعب التخلص من نتائجها بسهولة ، لذلك ينبغي أن يتحول الإنجاز الهّام نحوالتغيير الحقيقي إلى حالة حوار بنّاء بين مختلف القوى الثورية والوطنية والديمقراطية يتمخّض عنه خارطة طريق وطنية للخروج من الفوضى الهدّامة وليست الخلاقة التي بشّر بها الساسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية لتدمير مقوّمات الدولة الوطنية المستقلة ودخول المنطقة في حالة صراع مذهبي وطائفي يقضي على إمكانية التعايش بين مختلف مكونات النسيج الأجتماعي تحت راية الوطن الواحد كي تبقيها أسيرة التخلف والتبعية بما يضمن مصالحها الحيوية وسيطرتها على ثروات ومقدرات المنطقة غير أبهةٍ بدماء الأبرياء ومشاهد القتل والدمار واستمرار النزيف الداخلي مهما طال الزمن .
حزيران الفلسطيني المثقل بأعباء الإحتلال الذي يستثمر أقصى الجهود لترسيخ سياسة الأمر الواقع من خلال مصادرة ماتبقى من الأراضي وهدم بيوت المواطنين في القدس ومحيطها وتهويدها على وجه الخصوص لعزلها عن بيئتها ، تتجدد النكبات كلما واجهت دولة ما شأناً داخلياً يدفع الفلسطيني اللاجيء حياته وممتلكاته أثمان الصراعات بين مختلف الأطراف لا لسبب سوى اعلانه المسبق بالحيادية التامة وكبت مشاعره تجاه القضايا الحساسة إسوة بباقي البشر الذين يحق لهم ابداء ارائهم بالأوضاع السائدة ، ومع ذلك يبقى عرضة للتجاذبات للزج به في أتون الحروب الداخلية أو الرحيل إلى قارعة الطريق نحو المجهول حتى أضحى التساؤل مشروعاً عن الأهداف الكامنة من وراء استهداف الإنسان الفلسطيني ودفعه باتجاه الهجرة قد يكون مقدمة لتصفية قضية عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها وفق قرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة ،أيضاً يواجه المشروع الوطني الفلسطيني تحديات مصيرية في ظل انحياز الإدارة الأمريكية الفاضح والحامي لمخططات الإحتلال من خلال تنصيب نفسه حكما وخصماً حصرياً في ذات الوقت لرعاية مايسمى عملية " السلام" التي لن تتحقق في ظل حكومات المستوطنين اليمينية المتطرفة ، لقدماطلت الإدارات الأمريكية طوال عقدين من المفاوضات الفاشلة ولم تحقق سوى توفير الوقت اللازم للمحتلّين لتسريع وتائر الإستيطان الإستعماري وتنفيذ مخططاتهم العنصرية التي تحول من إمكانية تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة لذلك لايرجى من جولات وزير الخارجية الأمريكي القادم الى المنطقة للمرة الخامسة على التوالي حسب الموعد النهائي المحدد بناء على طلبه أي شيء جديد عدا عن تبنيه المشروع الإقتصادي ذو المنشأ الصهيوني والضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بالعودة إلى المفاوضات مقابل حزمة تسهيلات يتحدثون عنها هي من أبجديات حقوق المواطن وليس منّةً من أحد أو الطلب لتمديد المهلة المتفق عليها، أمام هذا الواقع الصعب والأليم تبقى الدعوة المكررّة المتجددّة لإنهاء الأنقسام لها الأولوية على ماعداها ليس بالأقوال حسب إنما بالأفعال على أرض الواقع لأن الشعب الفلسطيني قدضاق ذرعاً ولن يصمت طويلاً بعد أن أحكم الطوق من كافة جوانبه السياسية والإقتصادية وارتفاع الأسعار وازدياد معدل البطالة والفقر وهجرة الشباب الطوعي للبحث عن فرص العمل فالوقت أخذ بالنفاذ وعلى الجميع تدارك الموقف قبل حدوث مالا تحمد عقباه ، شعبنا في مخيمات اللجوء ينتظرمعالجات حقيقية لأوضاعهم المأساوية وتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته لإيجاد حلول ناجعة تتخطى عبارات القلق والأمل الزائف من حق شعبنا العودة الى أرضه ودياره ، النكبة والنكسة زائلة مهما طال الزمن ومنها البداية ومنها النهاية .......
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت