نحن ووكالة (الأونروا)

بقلم: علي بدوان


” إن زيارة الوزير الكندي لـ "إسرائيل" وتصريحات الرئيس "الإسرائيلي" شيمون بيرس تذهب باتجاه المساعي الأميركية "الإسرائيلية" لإنهاء وشطب عمل وكالة الأونروا، سعياً وراء إنهاء المعاني والرمزية التي تَحمِلُها ووأد قضية اللاجئين الفلسطينيين والتي تُشكل لب القضية الفلسطينية، فأكثر من (70%) من أبناء الشعب الفلسطيني هم من اللاجئين الذين تم اقتلاعهم من فوق ترابهم الوطني في فلسطين المحتلة عام 1948 ”.

# # #

تُشير العديد من المعطيات المتوفرة بأن مصيراً جديداً تُحاول الولايات المتحدة و"إسرائيل" صناعته ورسمه لإنهاء عمل وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين العرب في الشرق الأدنى والمعروفة تحت مسمى وكالة (الأونروا)، وإحالتها للتقاعد، وتحويل مهام عملها للدول المضيفة للاجئن الفلسطينيين (سوريا، لبنان، الأردن) إضافة للسلطة الفلسطينية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ففي منتصف نيسان/إبريل 2013 الماضي كان وزير الخارجية الكندي (جون بيرد) في فلسطين المحتلة، في زيارة خاصة، قِيلَ بأن الأساسي فيها كان البحث بإمكانية استيعاب كندا لنحو مائتي ألف لاجئ فلسطيني جلهم من فلسطيني سوريا، وقد اجتمع مع عدد كبير من المسؤولين "الإسرائيليين"، كان من بينهم أيضاً الرئيس "الإسرائيلي" شيمون بيريس الذي قال للصحافيين في ختام لقائه مع الوزير الكندي "إن كندا تستطيع المساهمة بشكل كبير في عملية السلام، وخاصة في حل قضية اللاجئين، فكندا أبدت في الماضي ترحيباً باستيعاب نحو 521 ألف لاجئ فلسطيني على أراضيها، يمنحون الجنسية الكندية ويعيشون فيها إلى الأبد، فهي بذلك تنقذ هؤلاء اللاجئين من معاناتهم الرهيبة في مخيمات اللاجئين وتساعد على إنجاح الحل الواقعي لقضية اللاجئين بألا يعودوا إلى إسرائيل".

فزيارة الوزير الكندي المشار إليها أعلاه ليست بريئة، وكان عنوانها الأساسي متعلقاً بموضوع اللاجئين الفلسطينيين، خاصة منهم فلسطينيو سوريا، وهو أمرٌ تم الكشف عنه من قبل الصحافة "الإسرائيلية" ولم يكن موضوعاً مخفياً أو مخبئاً عن أعين المتابعين والمراقبين ووسائل الإعلام، بل تم الإفصاح عنه بوضوح حتى من قبل القادة "الإسرائيليين" الذين إلتقاهم الوزير الكندي.

إن زيارة الوزير الكندي لـ "إسرائيل" وتصريحات الرئيس "الإسرائيلي" شيمون بيرس تذهب باتجاه المساعي الأميركية "الإسرائيلية" لإنهاء وشطب عمل وكالة الأونروا، سعياً وراء إنهاء المعاني والرمزية التي تَحمِلُها ووأد قضية اللاجئين الفلسطينيين والتي تُشكل لب القضية الفلسطينية، فأكثر من (70%) من أبناء الشعب الفلسطيني هم من اللاجئين الذين تم اقتلاعهم من فوق ترابهم الوطني في فلسطين المحتلة عام 1948 إبان النكبة الكبرى وقد توزعوا بعد النكبة في خمسة مناطق رئيسية (لبنان، الأردن، سوريا، الضفة الغربية، قطاع غزة) بشكل رئيسي.

كما علينا في هذا الجانب أن نورد عدداً من المعطيات المهمة التي تؤكد بأن مخاطر إنهاء عمل الوكالة جاثمة، ففي ظاهرة خطيرة، تحدث ولأول مرة منذ تأسيس الوكالة عام 1949، قامت الوكالة قبل عام مضى بشطب أسماء (168940) لاجئ فلسطيني مسجل في سجلاتها (فقد تم شطب إسم 19219 لاجئ من لبنان، ومن سوريا 9024 لاجئ، ومن الأردن 19886 لاجئ، ومن غزة 211 لاجئ، ومن الضفة 121023 لاجئ) وقد تراجعت الوكالة عن ذلك بعد الحملة السياسية والدبلوماسية التي تم فيها مواجهة بعض الأطراف المتنفذة والتي تأتمر بأوامر أميركية خارج نطاق مرجعية الوكالة المتمثلة بالمم المتحدة. فشطب أعداد من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين بسجلات الوكالة أمرٌ يحمل دلالاته الخطيرة، ويصب في مسار تخليص وإنهاء عمل الوكالة، وقد تم التصدي له من قبل عموم المؤسسات والهيئات الفلسطينية المعنية في الشتات والتابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وعموم القوى والفصائل الفلسطينية بعد أن تم فضحه.

وكان قد قُدم مشروع قانون لمجلس الشيوخ الأميركي من قبل السيناتور الجمهوري (مارك كيرك) الذي يعتبر أحد المؤيدين المركزيين لـ "إسرائيل" في واشنطن والذي طالب الإدارة الأميركية بتحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين وتفسير ارتفاع عددهم من (750) ألف لاجئ في عام 1950 إلى خمسة ملايين لاجئ اليوم على الرغم من وفاة عدد كبير من هؤلاء الذين هجروا من ديارهم. لكن وبعض حملة سياسية عربية وفلسطينية ناحجة عادت الخارجية الأميركية وقالت "إن الولايات المتحدة تعترف بوجود خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، وأنها تتبنى قرار الأونروا بشأن حق أنسال اللاجئين بمكانة لاجئ" وأن "هذا التعديل يعتبر تدخلاً في موضوع يجب أن يتم حله في المفاوضات".

كما كان مجلس الشيوخ الأميركي قبل عدة أشهر قد إتخذ قراراً يقضى بإعادة النظر في حجم التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة لوكالة (الأونروا) والتي تؤكد في تعريف نفسها "إنها ستواصل العمل على تقديم المساعدات للاجئين حتى إيجاد حل لقضيتهم". فقد صادقت لجنة الميزانيات في مجلس الشيوخ الأميركي بتاريخ (26/05/2012)، على تعديل صغير في قانون المساعدات الخارجية وتقليص الدعم الأميركي للأونروا، فالولايات المتحدة تقوم سنوياً بتحويل مبلغ (250) مليون دولار للأونروا، وهو مبلغ لم يعد يكفي ولم يعد يفي حتى مع وجود الأموال المُقدمة للوكالة من باقي الدول خصوصاً منها الدول الكبرى كالمجموعة الأوروبية واليابان. وبالاستخلاصات الأخيرة، إن وكالة الأونروا تتعرض لهجوم سياسي خفي من وراء الكواليس في أروقة الدبلوماسية السرية تقوده الولايات المتحدة والدولة الصهيونية بشكل رئيسي، من أجل إنهاء عملها وإحالتها على التقاعد وتحويل مهام عملها للدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين (الأردن، سوريا، ولبنان، السلطة الوطنية الفلسطينية). فالشح المتتالي في مصادرها المالية بات يكبح برامج عملها، ولم تعد تنفعها الهبات المالية المتواضعة التي تقدمها لها المجموعة الدولية. فالعجز يتزايد، وحاجات اللاجئين الفلسطينيين في تزايد خصوصاً في لبنان وسوريا وقطاع غزة.

فطريق إنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين يبدأ من إنهاء عمل وكالة الأونروا، والدفع باتجاه إيجاد حلول التوطين والتهجير للاجئين الفلسطينيين طبقاً لما صرح به الرئيس "الإسرائيلي" شيمون بيرس أثناء لقائه في زيارة العمل التي قام بها الوزير الكندي (جون بيرد) في نيسان/إبريل الماضي، وهو ما يفترض دوراً عربياً متماسكاً داخل المجموعة الدولية والأمم المتحدة من أجل الدفاع عن استمرار عمل وكالة الأونروا، وربط إنهاء عملها بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً بالعودة إلى أرض وطنهم في فلسطين طبقاً لقرار إنشاء الوكالة عام 1949.


صحيفة الوطن العمانية

تاريخ الخميس 6/6/2013

بقلم علي بدوان

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت