مدينة القدس تتعرض لهجمة صهيونية شرسة تستهدف تهويدها ومحو طابعها الديمغرافي العربي وتضييق الخناق على مواطنيها بهدم منازل المقدسيين ومصادرة بعضها الآخر وبناء الوحدات السكنية للمستوطنين في قلب المدينة وأحياءها العربية وافراغها من سكانها المقدسيين عبر سحب هوياتهم وإبعاد نواب المجلس التشريعي والوزراء والشخصيات الوطنية والدينية عن المدينة وأحياءها، ناهيك عن استمرار اقتحامات المستوطنين للقدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية.
فالفلسطينيون اعتادوا على استخدام لغة الاستجداء بالدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي لتقديم يد العون ومدهم بالمال تارة والسلاح تارة اخرى رغم وعينا الجيد ان الدول العربية والاسلامية لا تقدم شيئاً ولا تؤخر إلا بعد استشارة الولايات المتحدة الأمريكية ورضاها عن ذلك، بينما تبقى التقديمات في سجل الوعودات دون تنفيذ على أرض الواقع. فالقمم العربية والإسلامية أكبر شاهد على ذلك.
فبالرجوع الى القمة العربية في سرت الليبية عام 2010 والتي أقرت بزيادة الدعم الإضافي المقرر في قمة بيروت 2002 لصندوقي الأقصى والقدس إلى 500 مليون دولار والتي لم يصل إلى مدينة القدس دولاراً واحداً سوى سيل من الفتاوى والتناقضات حول تحريم زيارة القدس لغير الفلسطينيين إضافة الى التنازلات العربية المجانية والمؤلمة لصالح الاحتلال الاسرائيلي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني كما رأينا في مجموعة الدول العربية في واشنطن التي قبلت بتبادلية الأراضي في حدود 1967 في اطار حل القضية الفلسطينية والتي رفضتها إسرائيل قلباً وقالباً دون الضغط لإجبار إسرائيل على وقف التهويد والاستيطان في القدس المحتلة عبر استخدامها لغة المصالح والمقاطعة.
ان مؤتمر انشاء شبكة أمان اسلامية لدعم فلسطين ومؤتمر المانحين لدعم مدينة القدس التي اقرته منظمة المؤتمر الاسلامي والذي أعلن خلاله الرئيس الأذري "جمهورية أذربيجان" عن استعداده لإنشاء مشاريع بمدينة القدس، يذكرنا بقرارات القمم العربية، وبخاصة قمة بيروت (2002)، وشرم الشيخ (2003)، وقمة تونس (2004)، وقمة الجزائر (2005)، وقمة السودان (2006) وقمة الرياض (2007)، وقمة دمشق (2008) وقمة الدوحة (2009)، وقمة سرت (2010)، وقمة بغداد (2012) والبيانات الصادرة عن اجتماعات اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية بتاريخ 12/11/2009، و2/3/2010، و10/3/2010، و26/3/2010، و1/5/2010، و8/10/2010، و15/12/2010، و28/5/2011، و14/7/2011، و23/8/2011، و30/10/2011، و2/6/2012، و22/7/2012، و9/12/2012... الخ، والتي لم تنفذ منها شيء. فقمة بيروت أقرت مبادرة السلام العربية والتي رفضتها إسرائيل بأفعالها على الأرض عبر اجتياح مدن الضفة الغربية وإقامة السور الواقي وقصف غزة وبعدها اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
على ما يبدو ان القيادي في حركة حماس خليل الحية في تصريحاته الأخيرة لصحيفة فلسطين يوم 10 حزيران 2013 الذي دعا فيها الأمتين العربية والاسلامية الى دعم الفلسطينيين مادياً وسياسياً واقامة المشاريع التي تؤمن صمود المقدسيين وعلى وجوب المقاومة لدى الفلسطينيين، لم يعرف أن تلك الدول العربية والاسلامية تصدر الوعود والفتاوى والأقوال بالجملة ولكن المعضلة الأساسية تكمن بالأفعال عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
فحجم الهجمة الشرسة التي تتعرض لها مدينة القدس والاقتحامات اليومية وللأسف نحن الفلسطينيون أصحاب الديار منشغولون في استقبال الوفود العربية والاسلامية والدولية وفي لقاءات عبثية طويلة الأمد واصبحنا نعشق الشاشات أكثر من عشقنا لفلسطين وهمومها. إن القدس يا سادة بحاجة الى همم وطاقات واستراتيجيات وليس إلى شعارات رنانة سرعان ما تذوب بعد انتهاء مناسبة أو فعالية هنا وهناك. ان مدينة القدس تنادي وتستصرخ ليلاً نهاراً ولا أحد يسمع النداء إلا أهلها الذين يعانون الامرين في القتل والأسر والتشريد.
ومن اللافت أن مسيرة القدس العالمية التي شاركت فيها العديد من الدول، بل وشارك في غزة شخصيات لأكثر من 20 دولة بالتزامن مع الذكرى السادسة والأربعين لهزيمة الجيوش العربية في حزيران 1967 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس وقطاع غزة واجزاء من الدول العربية. فغزة خرجت بمسيرة إلى مداخل بيت حانون على اعتبار انها الأقرب إلى القدس، بينما الدول العربية لا تزال تعيش في نوم وسبات عميقين في سيل فتاوى التحريم.
فالقدس يا سادة بحاجة الى استراتيجية وطنية جديدة لدعم صمود أهلها بالمال والمناصرة والتصدي لمشاريع تهويدها وصون عروبتها بما في ذلك توحيد المرجعية الوطنية الخاصة بالمدينة والدعوة الى أوسع حملة عربية وإسلامية ودولية في وجه المؤامرة الإسرائيلية ومعها الأمريكية التي أغرقت مدينة القدس في مفاوضات عقيمة بدءاً من أوسلو والتي وصلت جميعها إلى طريق مسدود ونفق مظلم وصولاً الى تصريحات مسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير، ان القيادة الفلسطينية أخطأت بالاعتراف بإسرائيل دون معرفة حدودها.
وللأسف المقاومة في الضفة الغربية مقتصرة على الشعبية منها التي تنظمها الأحزاب اليسارية وبعض المتضامنين، بينما الوجه الآخر من الوطن في غزة، المقاومة فيها ممنوعة. فالمقاومة بقيت أسيرة المهرجانات والمناسبات الوطنية ومنها الفصائلية، دون الاتفاق على آلية النضال الوطني ضد الاحتلال وكيفيته رغم أن العدوان والتهويد يتواصلان في الضفة والقدس وغزة دون حراك فلسطيني أو عربي أو دولي، ناهيك عن ذلك خروج بعض رجال الدين بدعواتهم الى تحريم زيارة مدينة القدس بحجة أنها تحت الاحتلال بل وأدهى من ذلك بالدعوات للجهاد وشد الرحال الى مدن سورية ودون وضع استراتيجية وطنية للقدس.
فالاستيطان والتهويد يتغولان في مدينة القدس وباقي فلسطين بالتزامن مع استراتيجية القمم العربية والاسلامية ودفع الأموال وفتح شهية الفتاوى والتي لم تصل الى القدس وفلسطين بعد. فمدينة القدس بحاجة الى حشد أنصار الشعب الفلسطيني الحقيقيين لمقاطعة إسرائيل وأمريكا ومصالحهما في المنطقة العربية والتصدي للتهويد بتحريك الهمم والطاقات عبر استراتيجية المقاومة بكل أشكالها ووقف المفاوضات واللقاءات العبثية مع الاحتلال وانهاء الانقسام العبثي. فعناصر استراتيجية المقاومة الجديدة هي المقاومة المسلحة، والحركة الشعبية في الميادين، وهجوم دبلوماسي وسياسي، وحشد التأييد الدولي والاقليمي والعربي (عبر حركة اللاجئين وتطويرها في معارك الدفاع عن حق العودة)، واستراتيجية اقتصادية واجتماعية.
• صحفي وكاتب فلسطيني- قطاع غزة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت