اختلفت الآراء وتعددت التحليلات حول الحكومة الفلسطينية الجديدة التي ترأسها د. رامي الحمد الله بتكليف من السيد الرئيس محمود عباس " أبو مازن " .
فيما رحبت الغالبية العظمى بها وبرئيسها الذي نحترمه ونقدره ، وتعددت تطلعات الشعب الفلسطيني ، وتنوعت آمال وأمنيات المواطنين كلٌ فيما يخصه ويهمه .
وكثيرون هم الذين كتبوا في هذا الصدد ، وأنا هنا وبحكم تخصصي واهتماماتي لا أريد أن أكتب عن أحلام الأسرى في سجون الاحتلال وآمالهم المشروعة نحو الحرية والكرامة ، وإنما آثرت أن يُبرزَ عنوان مقالتي هذه آلام الأسرى المحررين وتطلعاتهم من الحكومة الفلسطينية الجديدة .
أن آلام الأسرى المحررين فظيعة ، وتطلعاتهم عظيمة ، وتأثيرات السجن مؤلمة وطويلة المدى ، وألمهم ليس ألماً آنياً أو موسمياً، حتى ننتصر له لحظياً أو في المواسم والمناسبات ، بل هو ألمٌ يومي ودائم يمتد إلى ما بعد الخروج من السجن من خلال الآثار والأمراض التي يرثوها عن السجون والتعذيب والإهمال الطبي .
وما يفاقم من آلامهم ، مرارة الحياة ، وقسوة الظروف ، وسوء الأوضاع الاقتصادية ، واستشراء البطالة ، أو محدودية الدخل وعدم القدرة على توفير متطلبات الحياة الأساسية للأسرة ..!
ان الأسرى المحررين بمختلف فئاتهم العمرية والجنسية ، رجال ونساء ، أطفال وفتيات ، شبان وشيبة ، بحاجة إلى جملة من الاحتياجات تساعدهم في الارتقاء بمستواهم التعليمي وقدراتهم المهنية ، وإيجاد فرص عمل و مصدر رزق ثابت لهم ، والاندماج والتكيف بالمجتمع ، وتوفر لهم الأمن الصحي والوظيفي والاجتماعي والدعم المادي وتكفل لهم ولأسرهم حياة كريمة تليق بتضحياتهم وتتناسب وحجم معاناتهم خلال سنوات أسرهم .
إننا لا نتحدث هنا عن مئات وآلاف من المحررين ، وإنما نتحدث عن عشرات ومئات الآلاف من المحررين ، وهي نسبة مرتفعة جداً في المجتمع الفلسطيني ، بحكم واقع الاحتلال والاعتقالات المتواصلة والمستمرة .
ولا شك بأن السلطة الوطنية الفلسطينية تعتبر الداعم الأكبر لهم من خلال مجموعة من الخدمات التي تقدمها لهم ، كما وأنها تعتبر أكبر مشغل للأسرى المحررين ، ولكن قدراتها وإمكانياتها ( لا ) تسمح لها ، و ( لا ) تساعدها في استيعاب الآلاف المتزايدة يوميا من الأسرى المحررين ، فيما وبكل الأحوال هي مطالبة دوماً بتحسين وتطوير خدماتها المقدمة لهم في إطار مسؤولياتها الوطنية تجاههم وتجاه ذويهم بما يساعدهم في التغلب على صعاب الحياة ويكفل لهم حياة كريمة .
واليوم وبعدما أدت الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة د.رامي الحمد الله الذي نقدره ونحترمه اليمين القانونية أمام السيد الرئيس " محمود عباس " فإن الأسرى المحررين يتطلعون إلى تحقيق الكثير من تطلعاتهم وآمالهم ولعل أبرزها وأهمها في المرحلة الراهنة :
أولا : الشروع الفوري في صرف الاستحقاقات المالية ( منحة الحياة الكريمة ) للأسرى المحررين ممن أمضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال ومثلما صرف لمحرري صفقة " شاليط " الأخيرة وعلى قاعدة العدل والمساواة فيما بين المحررين ، واستنادا لقرار مجلس الوزراء الفلسطيني السابق برئاسة د.سلام فياض في جلسته المنعقدة بمدينة رام الله بتاريخ 26-12-2012م ، ووفقا لما ورد في القرار المذكور من مواد ونصوص وشروط قانونية.
ثانيا : الإسراع في انجاز وإقرار اللائحة التنفيذية الخاصة بتطبيق قانون الأسرى والمحررين المعدل والمقر من قبل مجلس الوزراء الفلسطيني السابق والمصادق عليه من قبل السيد الرئيس " محمود عباس " رئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وذلك في يناير الماضي .
ان التأخير في انجاز اللائحة التنفيذية وعدم إقرارها تُفقد " القانون " من مضمونه ، وتُبقيه دون ترجمة فعلية ، فيما ينتظر الأسرى المحررين على أحر من الجمر تطبيق القانون الذي طال انتظار إقراره والمصادقة عليه لما سيحدثه من تغيير ايجابي ونوعي على واقعهم وأوضاعهم .
حيث أن " القانون " يُعتبر نظاماً متكاملاً تضمن حلولاً لكثير من القضايا العالقة ، ووضع أساساً ايجابياً لإنصاف آلاف الأسرى المحررين لا سيما ممن أمضوا أكثر من خمس سنوات و يتقاضون رواتب محدودة ( الراتب المقطوع ) ، فيما لم يستثنِ المبعدين وممن فرضت عليهم الإقامة الجبرية من قبل سلطات الاحتلال ، وهذا نتاج جهد شاق وطويل وتراكمي من قبل وزارة الأسرى والمحررين ، ووزيرها الأول السيد هشام عبد الرازق ، ووزيرها الحالي السيد / عيسى قراقع .
وفي الختام نؤكد على أن الأسرى المحررين يتطلعون إلى تغيير جوهري في واقعهم وفي آليات التعامل معهم وسرعة انجاز معاملاتهم ، وفي طبيعة ومستوى الخدمات المقدمة لهم ..
وثقتنا عالية وكبيرة بالحكومة الفلسطينية الجديدة ورئيسها د.رامي الحمد الله ، ونأمل أن تحمل الأيام القليلة القادمة انفراجاً في موضوع صرف ( منحة الحياة الكريمة ) ، وأن تحمل الأسابيع القادمة بشرى خير تتمثل في إيجاد معالجة حقيقية وجادة لقانون الأسرى والمحررين تقود إلى تطبيقه ضمن موازنة العام القادم .
عبد الناصر عوني فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في دولة فلسطين
عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت