قادتني عفويتي أمس لسماع أغنية الست أم كلثوم " الأطلال " ، ورغبت تحضير كوب من القهوة لشربه مع الأغنية . في اللحظة التي كنت أسأل فيها عن مكان " القهوة " ، بدأت أم كلثوم تردد "يا فؤادي لا تسل أين الهوى" ، بالنتيجة استدليت على مكان "القهوة" ، وما أن وجدته حتى سألت الوالدة التي كانت تبدوا تبحث عن شيء ما إذا ما لها في القهوة وأم كثوم , وذهبت للغرفة المجاورة بالشقة المجاورة حيث ابن أخي الطالب في الثانوية العامة الذي يجهز للامتحانات لعرض القهوة عليه دون ام كلثوم ..! ،عدت إلى جوار أمي و أخذنا نسمع سويا ما تشدو به أم كلثوم و كانت تغني بصوت خافت و كأنها تخاف أن يسمعها أحد " اسقني وأشرب على أطلاله ، فأخذت كوبين من القهوة لى ولوالدتي ، وعندها ذهبت لمتابعة قراءة بعض التقارير عن رغبة البعض في الدول العربية بإسقاط النظام " في تلك اللحظة كانت صوت أم كلثوم يرتفع لتقول "كيف ذاك الحب أمسى خبرا وحديثا من أحاديث الهوى" .
أنهيت المقال وانتقلت لمتابعة خبر قديم جداً يتحدث عن ضرورة تحمل الشعب لقرارات رفع الدعم نظرا للأزمة التي تمر بها الميزانية ، في هذه اللحظة كانت الست قد وصلت لمقطع " إنني أعطيت ما استبقيت شيئا " ، وددت التعليق على الموضوع ولكن الموقع كان يشير إلى حجب التعليقات احتجاجا على قانون المطبوعات والنشر ، وقتها كانت الست تصرخ "آه من قيدك أدمى معصمي" .
قمت بالتنقل بين المواضيع والمقالات والمواقع وقد أثارني خبر يقول "إيران تقدم استعدادها بدعم النظام السوري وتدعو البعض بحذوها " ، في هذه اللحظة كانت الست قد وصلت لمقطع " كم بنينا من خيال حولنا "
تابعت بحثي وتنقلي بين المواقع والمواضيع بحثا عن الأخبار، كان أغلبها مؤلم .. مخزي ... محزن ... مفجع ... يرمي بظلاله علي نحو الملل والتعاسة بسبب الانحطاط السياسي والعربدة الدولية والانقسام ، وبلحظة فقدت فيها انتباهي ، قامت يدي بشكل عفوي "برمي" كوب القهوة فأوقعته متهشماً أرضاً على أنغام ترديد الست " يا حبيبي كل شيء بقضاء ... ما بأيدينا خلقنا تعساء" .
رغم الغضب ورغم كوب القهوة المتهشم والذي أراح نفسي ، إلا أني ضحكت من أعماق قلبي على أثر نكتة قرأتها حول تعريف حرية الرأي " كم انتم محظوظين أيها الكتاب لديكم حرية في التعبير عن أرائكم دون خوف " بينما كانت الست تردد في نفس اللحظة مقطعها الأخير " فإن الحظ شاء .... فإن الحظ شاء " .
ضحكت مرة أخرى ومن أعماق قلبي ... فقد تبين لي أن حياتنا في كافة أحوالها ليست إلا أطلال ... أطلال لا أكثر والقادم من حياتنا أيضا سيصبح يوما من الأيام أطلال ,وأطلال حياتنا لابد وان يكون مشرقا لا أطلال خربة , ذهبت وأخذت معها الأجيال دون تاريخ وأخذت معها التاريخ لتزوره و تعيده للأجيال القادمة بنوع من الثورة الكاذبة ,و تبقي أمي هي الأم الحانية هي الحقائق التي لا يمكن أن تصبح أطلال أو تزور أو يسرق تاريخها احد , أو يقال عنها أنها فرقت بين أولادها أو أحبت هذا عن ذاك فأمي كالأرض الفلسطينية هي أمي و أم كل العالم الحقيقي الذي لا يتستر وراء الأكاذيب , فنظرت إلى أمي فوجدتها تقارب النعاس فأخذت بيدها إلى فراشها وقرأت لها سورة الملك حتى غفت ونامت وأخذت أطرافي وعدت لأبحث عن عنوان لمقالة جديدة اكتبها .
د.هشام صدقي ابويونس
عضو الأمانة العامة لشبكة كتاب الرأي العرب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت