جو كي ري نا تن يا هوووو يدعوننا لندعم احتلالهم لنا

بقلم: حسني المشهور


في جلسة سمر وشاشة التلفاز مفتوحة بانتظار البرنامج الذي يشارك فيه محمـد عسـّاف ظهر على شريط الأخبار خبراً يقول : السيد جـون كيري يؤجل زيارته للمنطقة بضعة أيام ... وبدون مقدمات هـزج أحـد الحاضرين من الفتيـّان :

كيري رايح ... كيري جـاي ... عايزنا نـزرع سـكر وشـاي
بحكي ع دولـة ومن غير قـدس ... وللمستوطن بيبني دي لوكس

بهذه العفوية وحاسة الشـم السياسي القوية اختزل الفتى وصف الظاهر والباطن في مهمة السيد جون كيري !!!

لن ننظر بسوء نيّة إلى النوايا والأغراض في مهمة أو مبادرة السيد جون كيري لنتعرّف على حقيقة ما تخفيه بين المليارات الأربعة ... مع أن الواجب والتجربة يقضيان بأن نستحضر المزيد من سوء النيّة ونحن ننظر إلى كل خطوة يخطوها أي مسؤول في الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية ... وسننظر إليها بمقاييس المدرسة الأمريكية في التسويق والبيع والشراء للسلع ؛ والخدمات ؛ والأفكار ( مبادرة أو مهمة كيري تجمع الثلاث ) القائمة على الأساس النفعي للأنـا سواء كانت هذه الأنـا فرداً أو جماعة . إن كل ما سمعناه من السيد كيري لا يخرج عن جوهر النظرية النفعية القائم على أساس الترويج والعرض فقط للمزايا والفوائد المتوقعة لما تريد بيعه ؛ وعدم التعرض أو مناقشة سلبياته ودع الشاري يكتشف ذلك بنفسه بعد الشراء ؛ وحدد بدقة وتفصيل لحقوقك وشروطك والتزامات الآخر ؛ واجعل صياغة التزاماتك نحوه عائمة تحتمل التأويل قدر الإمكان !!!

السيد كيري جاء وغادر بعد أن عرض وروّج لمبادرته ... وتوسع في شرح مزايا ملياراتها الأربعة ... لدرجة جعلت خيال البعض يدفعهم لزيارة منطقة الأغوار ليراها من جديد ولكن بعيون السيد كيري هذه المرة ... ويكتشفوا كم كانوا جاهلين بمزايا مناخ الأغوار الذي يضمن ببعض من دولارات المليارات الأربعة انتاج قصب السكر والشـاي عالي الجودة ليحضّر الفلسطينيون منه شراباً يعدّلون به مزاجهم المعتدل أصلاً ... كما جعلت خيال البعض الآخر يدفعهم بالذهاب إلى غـزة ليروها من جديد وبعيون كيري أيضاً ؛ وينهمكون في تقدير حصة أطنان الحديد والإسمنت والحصمة من مليارات كيري الأربعة لبناء ما كان مبنيّاً في غزة ودمرته قنابل المدافع والطائرات التي أرسلتها بلاد السيد كيري للكيان الصهيوني ... شطح بهم خيالهم ولم يسألوا أنفسهم عن المسكوت عنه في مبادرة كيري ؛ ولا عن المغزى من بعض الكلمات التي مررها وهو يعرض لمبادرة المليارات الأربعة خصوصاً عندما ذكر رام الله والقدس تعبيراً عن الدولتين كما يراهما كيري ( أي أن الدولة الفلسطينية عاصمتها رام الله ... والقدس عاصمة لدولة أخرى ) !!!

سيصل السيد كيري إلى منطقتنا بعد تأخير عن الموعد المحدد بضعة أيام لأسباب روتينية كما قيل ... رغم أنه قيل أن السبب متعلق بتنسيق مع البريطانيين لتشريع يضمن المزيد من التدمير والتقسيم في بلادنا العربية ؛ ومزيد من المعونة المالية والعسكرية للكيان الصهيوني ... والأهم من ذلك أن السيد كيري سيصل هذه المرة ليس لشرح خطوات ستتخذها بلاده ... بل ليبلغنا أن لا جديد لديه سوى تلك المليارات الأربعة ؛ فقـد كبح جماحه نتنياهو بقرارات الاستيطان الجديدة ؛ وتسريبات التراجع عن تصريح ( مجرد تصريح ) القبول بدولتين ... وسيغتنم السيد كيري الفرصة ليرى أين وصل خيال الذين ابتاعوا مبادرته في تهيئة المسرح لتفعيل الهدف غير المعلن من مبادرة ملياراته الأربعة !!!

إن خلاصة ما صدح به الفتي تقول بأن السيد كيري لا يحمل شيئاً غير الذي حمله من قبل ... وهو في هذه الأيام أعجز من أن يحمل غيره لأن بلاده مشغولة بترتيباتها لتقليل الخسائر في منطقتنا أمام القوى الجديدة ... وأن الذي يحمله كيري هـو ذات الشيء الذي حملته قبل ذلك الآنسة كوندا ... والسيدة كلينتون ... وتفاوض عليه سراً وعلناً بعض المستجدين ممن جلسوا على كراسي الحكم ؛ والمُبَشَّرين بالجلوس على كراسي أخرى ... إنه لا شيء مع السيد كيري غير الدولة ذات الحدود المؤقتة ... والمبادرة التي يتمشور بها رايـح جـاي هي ذاتها التي صاغها شارون وورثها نتنياهو أي أنهم يريدوننا ببضعة دولارات أن نـدعـم احتلالهم لنـا ... وأن نشاركهم في تنفيذ سياساتهم ضـدنا !!!

وفي كل الأحوال فإن بلاد السيد كيري تعرف ... والكيان الصهيوني يعرف ... ونحن أيضاً نعرف المغزى من نشر نتائج الدراسة التي أعدتها ( 16 ) مؤسسة أمنية أمريكية بعنوان : شرق أوسط بدون إسرائيل ... وما هو المغزى من تصريح كيسنجر بعدها حول إسرائيل التي لن تكون موجودة بعد العام 2022 ، أي أن الدور والوظيفة لهذا الكيان يتآكلان وبتسارع ... ولأنه بحجم الدور والوظيفة يتم استقطاب المال واشكال الدعم فلن نستغرب أن تصبح قيمة وأهمية أربيل كردستان مثلاً للأمريكان وحلف الناتو أكبر بكثير من قيمة الكيان الصهيوني !!!

وأخيراً نقول لمن ينتظرون زراعة الشاي في الأغوار ... أن الشاي احياناً قـد لا يـَعـْدِل مزاج الكثيرين !!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت