حول مؤتمر علماء الأمة في القاهرة

بقلم: محمد سليمان


كم هو جميل أن يتداعى علماء الأمة دفاعا عنها وعما قد يمسها من أخطار ويحيط بها من مؤامرات ‘ولكن الأجمل أن يفعل علماء الأمة هذا وهم في منأى عن أن يكونوا جسرا تعبر من خلاله مشاريع مشبوهة أو أن يكونوا أداة هدامة في أيدي سماسرة السياسة ومثيري الحروب والانقسام بين أبناء الأمة الإسلامية .

أقول هذا إشارة إلى ذلك الاجتماع الذي عقده علماء الأمة في القاهرة بتاريخ 4/شعبان/1434ه الموافق 13/6/2013م وأدانوا من خلاله التدخل الإيراني وحزب الله فيما يدور في سوريا الحبيبة ‘ داعيين الأمة إلى الجهاد على الأرض السورية و الدفاع عن الشعب السوري بالنفس و المال ؛ متجاهلين أو جاهلين أن الصراع في سوريا تجاوز موضوع المطالبة بالإصلاح و الحقوق الإنسانية و تحقيق الديموقراطية إلى كونه مؤامرة دولية و إقليمية على هذا الجزء من الوطن العربي لما يمثله من مركزية في الصراع الحضاري الذي يواجه إسرائيل و مشروعها التوسعي .
ومنطق الغرب في هذه الظروف إذا كانت بعض القوى العربية و الإسلامية قد خرجت من هذا الصراع الحضاري من خلال بعض الإتفاقيات و المعاهدات ؛ فلتخرج سوريا –اليوم – بتدمير جيشها و تحطيم مقدراتها من خلال حرب إستنزافية لا تخفى خيوطها و معالمها على كل من يعرف طبيعة الصراع الدائر في الشرق الأوسط .

وفي الوقت الذي نقف فيه مؤيدين للشعوب في نضالها من أجل الحرية والكرامة فإننا نأسف لكثير من مواقف العلماء التي غالبا ما تكون خدمة لمشاريع سياسية وأغراض رخيصة لا تخدم إلا أعداء الأمة ممن يتربصون بها الدوائر .

واذا كانت الدعوة الى الاصلاح تسوجب كل هذه الدماء و الإقتتال بين أبناء الوطن الواحد فما هي الفتنة يا ترى ؟! التي طالما حذرنا السادة العلماء من الوقوع في براثنها و خاصة عندما يكون أحدهم منسجما مع النظام الذي يهواه فيقول (( إمام غشوم خير من فتنة تدوم )) .
أليس من حقنا أن نسأل السادة العلماء عن رأيهم في طبيعة أنظمة الحكم في البلاد التي يقيمون فيها ....هل تعرف حقوق الإنسان وهل تمارس الديموقراطية و هل وصل حكامها إلى سدة الحكم عن طريق الإنتخابات و الإختيار الحر للأمة ؟

أليس من حقنا أن نتساءل أين كان علماء الأمة عندما قامت أمريكا ومن معها بغزو أفغانستان وتدمريها وتجويع أبناءها وتشريدهم ؟

أين كان علماء الأمة عندما قامت أمريكا بغزو العراق وزرع الفتنة بين أبناءها ورهن مقدراتها ومدخولها القومي للغرب الكافر ؟

ألم تنطلق الطائرات التي ضربت العراق من أراضٍ تسكنونها أيها السادة العلماء ؟ألم تضرب العراق بمساعدة الكثير من الحكام الذين تؤيدونهم وتعملون وفق توجيهاتهم
والأهم أين علماء الأمة مما يجري في فلسطين من تهويد للقدس وتغيير لمعالمها وتهجير أبناءها؟

أين علماء الأمة من إخواننا الأسري الفلسطينيين في سجون المحتل الظالم ؟ ماذا قدم لهم علماء الأمة ؟ وهل بإمكانهم أن يجتمعوا اجتماعا آخر كالذي اجتمعوه في القاهرة؟

لماذا لم نسمع من السادة العلماء نداء حول فلسطين وما تعيشه من ظروف مأساوية على الجبهتين الداخلية و الخارجية ؟
أم هناك من يريد إنحراف البوصلة عن وجهتها الحقيقية ‘ مستغلا طيبة و شجاعة العلماء و معتقدا أنهم الأكثر تأثيرا في عاطفة الأمة.

أن أحدا من العلماء الصادقين لا يمكن أن يقف ضد حرية الشعوب وكرامتها ولا يمكن له أن يساند الظلم والظالمين ؛ ولكن يجب ألا نكون أغبياء بحيث نفقد القدرة الواعية التي تمكننا من التفريق بين الثورة من اجل الحرية وبين الفتنة التي تمزق وحدة الأمة وتمكن العدو من تقوية قبضته وتحقيق أهدافه .

وإذا كانت اللهجة واللغة التي تحدث بها علماء الأمة في اجتماعهم في القاهرة بهذا الوضوح وبهذا الحزم ؛فأين هم مما يجري علي الساحة الفلسطينية من انقسام بين أبناءها؟
لماذا لا نري اللغة الحازمة والبيان الواضح- الذي سمعناه منهم حول سوريا- فيما يجري ويحدث علي ارض فلسطين مركز الصراع الحقيقي بين الإسلام والغرب ؟
فما الذي قدمه السادة العلماء من مواقف لرأب الصدع الفلسطيني وإعادة اللحمة الاجتماعية إلى أبناء هذا الوطن الحبيب ؛ ليتمكنوا من الوقوف والتصدي للمشروع الصهيوني وهم الذين يعلمون قبل غيرهم أن الأمم القوية لا تهزم من خارجها وإنما تبدأ الهزيمة من الداخل حيث التفكك و الإنقسام و عدم الثقة بين أبناء الوطن الواحد.

إننا لم نر اجتماعا عاجلا لعلماء الأمة متصفا بالجدية والحزم - كالذي رأيناه منهم في القاهرة- من أجل تأسيس جبهة قوية تعمل علي تحرير فلسطين .

نعم.... لم نر منهم اجتماعا جادا يعمل علي الاستفادة من القوة الكامنة في الأمتين العربية والإسلامية من اجل فلسطين .

طالما تجرأ العلماء وعلا صوتهم في تجريم و تحريم التدخل في الشؤون السورية فلماذا لا يجرمون من تقاعس عن تحرير فلسطين ودعم نضالها المشروع ؟


أيها السادة العلماء:-
إن الأمة تثق بكم وتحبكم وهي على استعداد أن تلتف حولكم بشرط أن تتحروا من هيمنة الحكام والأمراء و بشرط ألا تكون مواقفكم محكومة بدوافع سياسية و حزبية . فعظمة العلماء تكمن في استقلال آراءهم و حرصهم على مصلحة الأمة .
عظمة العلماء تكمن في تعليمهم للأمة سبل الخير و الرشاد و تحقيق منافع الدنيا و الآخرة ؛ لأنهم اذا ربطوا مواقفهم بسياسات و مشاريع مشبوهة . سوف تأتي مواقفهم متناقضة تتحكم فيها الأهواء الحزبية و المصالح الضيقة و يقعوا من حيث لا يعلمون في مخططات تستهدف وحدة الأمة و مستقبلها الآمن .
و إلا ما الذي يجعل البعض منهم يؤيد ثورة هنا و يعارض ثورة هناك ؟ وينادي بإصلاح هنا ويسكت عن فساد هناك ؟

أليس بعض العلماء هم الذين يمدحون - أحيانا كثيرة - من يستحق الذم ويذمون من يستحق المدح وما ذلك إلا بتوجيه من حاكم أو إرضاء له.
كيف يصدق الناس بعض العلماء ممن يتحدثون من تحت عباءة حكام ظلمة لا يقلون ظلما و لا بشاعة- وفق رؤيتهم- عمن ينادون بمواجهتهم و الثورة عليهم ؟
إن الأمة متشوقة لأن ترى علمائها مستقلين في آراءهم ومواقفهم بعيدين عن الارتباط بأنظمة سياسية يروجون لها علي حساب العلم والدين .

وأخيرا أيها السادة العلماء:-
نرجوكم أعطوا العلم هيبته ارتفعوا وتساموا ولا تهينوا أنفسكم و لا تسمحوا لها أن تكون مطية لأغراض رخيصة أو مشاريع مشبوهة ‘ وقد ذكركم الله بمثال ما ينبغي أن يغيب عنكم و هو قوله تعالى :(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ )

هذا نداء القران لكم لا تتبعوا أهوائكم ....ولا تتبعوا أحزابكم ....ولا تزينوا أعمال حكامكم ....استقلوا في مواقفكم.... كونوا للأمة الأمل المشرق الذي يعين على نجاتها و النهوض بها .
أنتم ملاذ الأمة..... أنتم أجل من الملوك مهابة ..... أنتم الذين يخشونكم الحكام الظلمة والطغاة المتجبرون ..... وكل ذلك عندما تنحازون إلى أمتكم و شعوبكم و تنطلقون في مواقفكم من رؤية شرعية بعيدة عن الهوى و التقلبات السياسية.
وختام القول …. إني لأربأ بكم أن يصدق فيكم قول الشاعر الجرجاني رحمه الله عندما قال في قصيدة له يلوم من خلالها العلماء الذين أهانوا أنفسهم باتباعهم الهوى و الأطماع :

ولم اقض حق العلم ان كان كلما
بدا طمع صيرته لي سلما
ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي
لأخدم من لاقيت لكن لاخدما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظموه في النفوس تعظما
ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا
محياه بالأطماع حتى تجهما


محمد سليمان
دراسات شرعية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت