دولة الإسلام والدعاة

بقلم: رمزي نادر


نولد مسلمين بالفطرة وتؤثر الحياة في أفكارنا ومعتقداتنا وما نؤمن انه صائب أو خاطئ فتتراكم في أذهاننا صور عن كثير من الممارسات و الأفعال منذ سنواتنا الأولى التي قد تكون صورة ايجابية أو سلبية تقديرا ذاتي للموقف الذي عايشناه مع هذه الصورة ويبقى تعديل أو تصحيح أو تثبيت أو حذف هذه الصورة على عاتق المجتمع الذي نعيش فيه ونؤثر ونتأثر معه .

نشطت في الآونة الأخيرة دعوات من اجل إحياء الدولة الإسلامية فمن منا لا يرغب بإعادة إحياء مجد الدولة الإسلامية تلك الدولة التي مثلت حلم لكل مسلم ومسلمة مهما كانت درجة تدينه أو عقيدته ولكن أنا اجزم أن الصور التي يرغب أن يراها الناس هي ليست صورة دولة الحجاج الباطشة ولا اقلل من قدره أو قيمته لا سمح الله ولا دولة العثمانيين التي ارتبطت في أواخر أيامها بصورة الظلم والاستبداد في ذهنية أجدادنا وعلى من لا يعرف أو لا يصدق استقصاء حكاوي أهلنا الشعبية عن الفلاح الفلسطيني الذي كان يحرم من قمحه ويخبز من مخلفات خيول الأتراك , إن حلم الدولة الإسلامية مرتبط بعقيدة أبو بكر السليمة وشدة علي على الأعداء ولينه مع المسلمين وبطولات حمزة وصلاح الدين وازدهار هارون الرشيد وعدل الفاروق وابن عبد العزيز عمر, الدولة التي قال فيها أمير المؤمنين ابن الخطاب أصابت امرأة واخطأ عمر الدولة التي أكل فيها ابن الخطاب اقل مما يأكله العامة حتى حال لونه إلى السواد وأقيم فيها الحد على ابنه وعطلت الحدود عندما جاع الناس الدولة التي امن فيها النصراني واليهودي على نفسه وماله تلك هي الدولة التي نحلم بها ونتمنى وجودها وتلك هي الدولة الإسلامية و غيرها سراب وادعاء .

يميل بعض دعاة التطرف الفكري الديني إلى تجهيل المجتمع نسبة إلى الجاهلية الأولى على اعتبار أن المجتمع يعيش جاهلية ثانية ومنهم من اثر الانعزال عن المجتمع وعدم الانخراط فيه كي لا تفسد عقيدته وهناك اقل تطرف من وصف المجتمع بالفاسق أو الفاسد على أي حال من الأحوال تكونت لدى هؤلاء نظرة سلبية للمجتمع وصلت عند بعضهم إلى حالة من الكره والغضب والأخطر أن هؤلاء لم يستطيعوا فصل هذه الحالة عما اعتبروه العقيدة قد يظن البعض أن هؤلاء هم وحدهم يتحملون المسئولية عن المغالاة والتطرف الذي انعكس على المجتمع في كثير من الأحيان ولكن هذا شيء غير منطقي وغير حقيقي فايضا المجتمع ونخبه ومثقفيه وأجهزة الدولة تتحمل المسئولية عما وصل إليه هؤلاء وأوصلوا إليه المجتمع .

من منا يستطيع أن ينكر أن المجتمع قد وصل إلى حالة من الانفلات الأخلاقي والتسيب في كثير من المفاهيم التي أصبح فيها خلط واضح بين الحرية والخروج عن الأعراف والتقاليد والدين , لكن الفكر المنحرف أوصلنا إلى ترك المجتمع ومعاداته ومحاولة جره إلى مربع فكر كل جماعة لديها سيطرة ولو بالقوة مبتعدين عن جوهر الدين للتمسك بقشوره ومحاولة تفسير النصوص والشواهد فيه على حسب ما يخدم غاياتنا ومصالحنا ووجهات نظرنا وفرضها على المجتمع والأخطر أن هناك من يأخذ على عاتقه الحكم على المجتمع وهو كل ما يملكه من علم آيتان من القرءان و حديث ضعيف السند .

ولعل اخطر ما أصاب الدين وادخله في موضع كان من المفترض أن يتم الابتعاد عنه وتجنيبه له هو إغراق الدين في السياسة رغم أن الدين وفق عقيدتنا هو لصيق بحياة الفرد المسلم والحكم على كل تصرفاته ولكن أليس من المنطق انه كان يتوجب على دعاة الدولة الإسلامية إقامة الدين في الأنفس ومن ثم إقامته بين الناس ,والسؤال الكبير كيف ستقام الدولة الإسلامية في مجتمع جاهل وهل يعتقد البعض أن فرض الدين على الناس بحد السيف سيمكننا من إقامة دولتنا الإسلامية وإلا فليفسر لي احدهم كيف أن رجل في الصف الأول من المسجد يحرم أخواته حقهن في الميراث وآخر يعق والديه وأخر يتجرا على الدم الحرام وما هي دوافع الجرائم المتفشية في المجتمع .

كيف أصبح فجأة خطباء الدين الذين من المفترض أن يشرحوا لنا أمور ديننا ويعلمونا العقيدة الصحيحة ا خطباء سياسيين من الدرجة الأولى بصبغة دينية وهل هذا ما ستقوم به الدولة الإسلامية التشريح المجتمعي على أساس حزبي وفصائلي ومن أعطى هؤلاء الحق في تشريح وتفصيل المجتمع أيها الأئمة الأجلاء والعلماء الأفاضل لدينا المئات يغذونا بالفكر السياسي وان عملية التنظير اللفظي أصبحت عقيمة فالمجتمع أصبح يحتاج إلى التنظير العملي القائم على ما يلمسه من خدمات وسلوك فالأولى لكم أن تقوموا برسالتكم الحقيقية وهي إصلاح عقيدة الناس المرتجفة بسبب الجهل بالدين والمساهمة في تنظيم سير المجتمع على أساس أن الدين المعاملة وتوضيح الحلال والحرام وقواعد السلوك الحسنة والحقوق وحدود المجتمع وإزالة اللغط عن المفاهيم الخاطئة والغامضة والتنبيه للعادات والتقاليد التي تتعارض مع الدين فنحن نحتاج إلى بناء العقيدة السليمة وإقامتها قبل إقامة الدولة الإسلامية وان دولة إسلامية تعتمد على المظهر الإسلامي فقط وتستخدم الدين كسلطة وسيف مسلط على رقاب العباد لن يكتب لها النجاة والاستمرار وستكون نقمة على الدين لا نعمة فيه .

الدين الإسلامي سلوك مارسه النبي (ص) وصحابته بعده قولا وفعلا فبنيت دولة الإسلام على الحب والتسامح أكثر مما بنيت على حد السيف فأكثر الأمصار التي فتحت بالسيف لم يدخل أهلها الإسلام غصبا وإنما رضاء واقتداء من خلال السلوك الحسن والمعاملات الإسلامية العادلة والطيبة ولم يميز المسلمين أنفسهم بشيء عن أهل تلك البلاد ولم يتعالى أمرائهم وقادتهم .

رمزي نادر

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت