قمح أبوالحصين ... ذكاء البدوى وفطنة الفلاح .

بقلم: منيب حمودة


( ابو الحصين اسم منطقة زراعية تقع شرق جباليا بالقرب من خط الهدنة لعام 1948 )
ابو جميل يملك قطعة أرض فى منطقة أبو الحصين تبعد عن خط الهدنة حوالى ثلاثمائة متر , بعد العدوان الأخير على غزة ( المعروف عربيا حجارة السجيل واسرائيليا عامود السحاب )
تم السماح للمزارعين بالتوجه لأراضيهم وفلاحتها بموجب اتفاق الهدنة .تعانق ابوجميل والأرض فى أول لقاءبعد ما يزيد عن عشر سنوات ,جلس على طينها ,تيمم بترابها وصلى الظهر مفترشا عشبها وعوسجها ومرارها وخرشوفها ,سعادة وهناء وفرحة لا يعادلها شئ من حطام الدنيا .
أن تلتقى الأرض والتراب والعشب وتفترش الطين بعد طول غياب وعذابات شوق يعجزالقلم عن وصفها ويتلعثم اللسان عن وصفها !!؟؟

بعد تجهيزالارض قام ابوجميل ببذرها بالقمح , وبعد كل صلاةفجر يحمل زوادته على عربته ويصطحب الحاجة ام جميل الى حقله ,
اعتاد ابوجميل على تلاوة ورده من القرآن والتسبيح والتكبير وهوفى طريقه الى حقله ,ما أن ينتهى حتى يبدأ ترانيم الدعاء ( اللهم ارحم شهدائنا -اللهم اشفى جرحانا - وفك قيد اسرانا - اللهم عليك باليهود وكل من والاهم - اللهم انصر عبادك - وحرر أقصانا )

يراقب ابوجميل بيدره ,تعلو السيقان تمتلئ السنابل تنضج ,
شئ ما - يعكر الاجواء والحدود , يعود بنى صهيون لعادتهم , نقض العهود والمواثيق , مضايقة المزارعين ,صليات من الرشاش المثبت على البرج العسكرى ,
توغلات محدودة , صلية من رشاش ال 500 تطيح بحمار ابو جميل , يتكور ويتكوم على بساط ذهبى من القمح البلدى الفلسطينى ! ( حمار ابوجميل يفتدى صاحبه وينغرس فى الأرض ذكرى وعبرة وموعظة لتجارالانقسام )

انتهى الدرس , وفترة الهدوءمضت ,ما العمل ؟! حان موعد الحصاد .
العبد فى التفكير والرب فى التدبير . تقول أم جميل :
يعتلى ابوجميل التلة المواجهة لحقله , يتأمل يغسل بصره عن بعد وهو يشاهد سنابله وبيدره , يتأوه ,يتألم , يتحصر, يغضب , يصرخ فى داخله , يغيب ويغيب ويغيب تعود الذكرى ويتقدم شريط الاحداث , الأب , الجد , الحاجة , الجيران أبو وضاح وابو خليل ونعجات ام هانى وفرس ابوغالى .
الله الله الله ساق الله على العريشة وموقد النار وشواء الذرة والسلطة البلدية وعمال الميه وتوتة ابومصطفى .

والله هيتك سارح بعيد يا أبوجميل , صار لى خمس دقايق واقف ولا أنت هان ولا داريبى ولا شايفنى . هذا ما قاله سالم : لأبوجميل
حيران يا خوى يا سالم كيف بدى أحصد القمح قدام الرشاش اليهودى !!؟؟
وأنت عارف شو صار فى الحمار طخوه وقتلوه .

يقول سالم : صباح باكر اسرح بالغنم وأرعاهم حول أرضك , هذا دورى وشغلى ومهمتى ,
فهم أبوجميل مغزى الكلام ومعانيه , مشاغلة جنود الاحتلال بالغنم من ناحية ,ومن ناحية أخرى يقوم أبوجميل وعياله بحصاد القمح بالمناجل بأقصى سرعة ,
ونقله الى أرض ابوجابر البعيدة عن الحدود , ثلاثة أيام على هذا النحو تعادل ثلاثة قرون ؟؟!!
خوف , ترقب , أمل ,دعاء , رجاء , سؤال ؟؟ هل يساوى طن قمح هذا العذاب ,هذا الشقاء ؟هذا الخوف ؟ وهل حياة أبوجميل وعياله رخيسة الى هذا الحد ؟؟!!
حاشا لله لكنها الأرض العرض جذر الصراع وعنوان الحروب وبوصلتها .
يعود ابوجميل منتصرا مزهوا مفتخرا , يعود ومعه غلته من القمح البلدى الفلسطينى ,
المروى من بركات السماء .
أبوجميل - يا خوى يا سالم القمح لنا أما القش ( التبن ) لغنماتك حلال عليهن .
تفتقد أم جميل الحمار , يا ما وصلنا للأرض , وياما حرثنا عليه , وياما حملنا على ظهره .
أبوجميل - راح من غير خبر ومن غير سيرة !!!
ليش التلفزيون والراديو والجريدة ما جابوا خبر طخ حمارنا ؟؟؟!!!
يمكن فى حمير أفضل من حمير شو بدرينى !! يا عمى حمارى طخوه على الحدود .



مرت بسلام الحمدلله ,

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت