اللاجئين الفلسطينيين ..حقائق تاريخية "من باع الأرض" حلقة (1)

بقلم: هشام أبو يونس

اللاجئين الفلسطينيين ..حقائق تاريخية "من باع الأرض"
حلقة (1)
إن قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق عودتهم تعتبر من اعقد حلقات الصراع و التي خلقتها إسرائيل عندما قامت بتهجير أكثر من مليون فلسطيني بالقوة الجبرية وتحت القتل و الدمار و حرق المزارع و البيارات كما و تعتبر أساسية ومفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ومهما عصف المفكرين السياسيين بفكرهم لإيجاد حلول للقضية ما بين التوطين في مكان الإقامة والتعويض أو الانتقال إلى بلد ثالث للسكن الدائم أو العودة إلى حضن الدولة الفلسطينية العتيدة لن يجدوا حلا إلا العودة، كما وان حقيقة العودة لا يمكن لأي احد العمل عكسها ولا يمكن لاى من قيادات الشعب الفلسطينيان يفرط بأي "أنش" من تراب هذا البلد رغم المناكفات السياسية الداخلية , فالجميع يعلم علم اليقين أن هذه القيادة التاريخية جعلت وتجعل وستجعل طال الزمن أم قصر قضية اللاجئين من سلم أولوياتها المفصلية في كفاح الجيل الطويل.
مع يقينني الشخصي بأن قضية فلسطين لا تفارق وجدان وعقل وذاكرة الشعوب العربية ونخبها السياسية. وخاصة الجزائر والأردن ، ومصر ولبنان والشعب السوري الواقع تحت أدوات القمع النظامية المستأسدة. والذين أصبحوا لاجئين هم أيضا بفعل الحرب الطاحنة على الأرض , فإذا عدنا لرزنامة التاريخ الماضي أي منذ اتفاقية كامب ديفيد الأولى بين الحكومة المصرية و إسرائيل ، نجد أن نغمة سمجة أخذت تتكرر كلما تصاعدت الخلافات بين الدول العربية بشأن الموقف من الدولة الصهيونية ومن تفاصيل الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث يبدأ الحديث الدعائي وترديد الأكاذيب بالتصريح أو بالإيحاء، أن الفلسطينيين هم الذين باعوا أرضهم لليهود الذين أقاموا عليها دولة إسرائيل، مع الإشارة من باب "الكرم" وإيجاد المبررات إلى أن ذلك تم تحت تهديد المذابح, و التدمير و القتل . .
الحقيقة أن الكثيرين ممن يتحدثون عن أسطورة بيع الفلسطينيين لأرضهم لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث للوصول إلى الحقيقة، لأن الحقيقة، في الغالب لا تعنيهم في شيء، وما يعنيهم هو خوض مبارزات سياسية كنوع من النفاق للحكومة، وهي غالبا لا تحتاج هذا النفاق ولا تحترمه، لأنه في النهاية يضر بفرص استعادة التعاون والتماسك العربي، ويضر بالموقف العربي وفي القلب منه موقف مصر من القضية الفلسطينية. وكل هذا يدفعنا لمحاولة الوصول إلى الحقيقة في هذه القضية من كل المصادر العربية والدولية وحتى الإسرائيلية، وذلك لأن الحقيقة وحدها، هي المطلوبة لحسم الموقف من هذه الادعاءات.
وبداية لابد من الإشارة إلى أنه عندما كانت البلدان العربية خاضعة لنير الاحتلال العثماني الذي يعد سببا رئيسيا في تخلف البلدان العربية وبالذات مصر وبلدان الشام، فإن الأوربيين والأتراك أصبح لهم الحق في تملك الأراضي الزراعية وغير الزراعية في البلدان العربية التي تحتلها تركيا العثمانية بعد صدور الفرمان العثماني الذي يعطيهم هذا الحق في عام 1876. ونتيجة انتشار المرابين الأوروبيين وبصفة خاصة اليهود في البلدان العربية الخاضعة لنير الاحتلال العثماني (التركي)، فإن رهن الأراضي الزراعية ثم بيعها للأجانب بعد الفشل في سداد الديون، قد توسع بشكل غير عادي نتيجة الإنفاق الترفي السفيه لجانب مهم من طبقة كبار الملاك الزراعيين، و نتيجة لظروف بالغة الصعوبة كان الفلاحون الصغار والمتوسطون يعيشون فيها و كانت تضطرهم للاقتراض أو رهن أراضيهم تحت وطأة اضطراب أحوال الزراعة بشكل تابع للطقس أو لمستوى الفيضان أو الجفاف، و نتيجة للضرائب المفروضة عليهم، أو اضطراب أسعار ,و نتيجة ذلك فإن مصر كبرى الدول العربية، بلغت فيها ملكيات الأجانب من الأراضي الزراعية نحو 713.1 ألف فدان في عام 1917، وهي توازي نحو 3 ملايين دونم (الدونم هو وحدة مساحة الأرض في فلسطين والأردن ويساوي 1000 متر مربع). كما كان هناك في مصر في عام 1930 نحو 3.4 مليون فدان، أي نحو 14.3 مليون دونم، مرهونة للبنوك العقارية والزراعية وبنوك الأراضي، وكان جانبا كبيرا منها مرهونا للأجانب، ولولا أن قانون الخمسة أفدنة الذي صدر عام 1913 كان يحظر الحجز على الملكيات الزراعية التي تقل عن 5 أفدنة، وعلى أراضي الوقف أيضا، لكان جانبا كبيرا من أرض مصر قد خضع للحجز والبيع. ولم تنتهي هذه الدائرة الجهنمية من نهب الأجانب لمصر في هذا المجال إلا بصدور قانون تحريم بيع الأراضي الزراعية للأجانب عام 1951، ثم استقلال مصر الحقيقي في عام 1952.
وفي كل الأحوال فإن أي بلد خاضع لاحتلال أجنبي ولا يوجد به قانون لمنع بيع الأراضي للأجانب، يمكن أن يتعرض لاستنزاف أرضه إذا عرض الأجانب من أجل شراء هذه الأرض، أسعارا عالية بدرجة مبالغ فيها تتجاوز كثيرا أي عائد يمكن أن تدره الأرض, وفي هذه الحالة يكون الهدف من عملية الشراء، هو الوجود والسيطرة, لكن حتى في هذه الحالة فإن عمليات بيع الأرض يكون لها سقف لا تتجاوزه، لأنه عندما يتزايد وجود الأجانب ويستشعر سكان البلد أن ملكيتهم لبلدهم مهددة، فإن عمليات البيع تتوقف لأسباب سياسية-اجتماعية، وتتحول إلى قضية وطنية.
وكل ما سبق يعد مقدمة ضرورية لدراسة ما حدث في فلسطين المحتلة، ولنعرف هل ما حدث في فلسطين كان حالة خاصة، وهل أقيمت دولة إسرائيل على أراض اشترتها، أم على أراض اغتصبتها؟ وإذا كانت قد اشترت أي أراض فمن الذي باعها لها؟


انتظرونا في الحلقة القادمة

د. هشام صدقي ابويونس
عضو الأمانة العامة لشبكة كتاب ا لرأي العرب

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت