من يوقد الشموع في عتمة الليل الحالك الطويل ، بعد أن تاهت البوصلة عن مسارها المحدّد في هوجاء العاصفة التي تنبيء بحتمية الكوارث القادمة وسط موسم الرثاء الخريفي الذي تتساقط أوراقه واحدة تلو الأخرى غير أبهةٍ لحسابات الرغائب الإنسانية ، حيث يفتقد الربّان الإستثنائي القادر على العبور نحو شاطىء الأمان ويستطيع النجاة من غرقٍ يكاد يكون محتوم وفق أنماط المعالجات البدائية ، لم يعد يجدي الإبحار بأشرعةٍ باليةٍ لإنقاذ ماتبقى من خطر الطوفان عبر سفينة نوح التي ابحرت غير مرة الى مرافيء بلا عنوان ثم عادت إلى نقطة البداية، هناك يتربّص القراصنة القدامى أحفاد "الكابتن مورغان" عند ممرات الخلجان الدافئة أو المحيطات المتجمّدة لاقتناص الغنيمة الثمينة دون عناء،لذلك لايمكن قطاف ثمارحقل الوهم جراء الرحلات المكوكية التي تستنزف بقايا الوطن المثقل بالأزمات المزمنة والفرعية المتوالدة وبالتالي التعويل على كبح جماح الغطرسة العنصرية التي استوطنت سلوك الغزاة المدججين بأحدث ماأنتجته وسائل التكنولوجيا التدميرية لأغراض التجارب على أشلاء البشر "الأغيار" المصنّفين من الدرجة الثالثة أو مابعدها على مقياس نظرية "توماس مالتوس"التي يتبناها مجلسي الشيوخ والكونغرس الأمريكيين الخاضعين لنفوذ الطغمة الخفيّة المتحكّمة بمجريات الأمور، ثمّـة سبل أخرى للبقاء يعرفها جميع الناس صالحة لكل زمان ومكان كانت وتبقى ناجعة للخلاص من كوابيس العبودية ومصادرة حياة الأخرين غيرالممرات الإجبارية ولعبة الوقت الضائع وتعويذة الإنحناء للريح حيث تميل ، لغة أثبتت جدارتها بنجاحٍ منقطع النظيرعلى مر العصور صنعتها سواعد الشعوب التّواقة للحرية من ملح الأرض وعرق أجساد ابنائها، لغة لا يفهم سواها أولئك اللصوص القادمين من كل حدب وصوب طواغيت العصرالحديث .
هنا على أرض الأنبياء المقدّسة ينشرشـذّاذ الأفاق اتباع أبرهة الجدد فساد الزمن الرديء ويقيمون شعائر الهذيان للبحث عن خرافة الهيكل المزعوم على انقاض التاريخ خطوةً تلو خطوه ينبشون جذور الأزل فلم يجدوا سوى الخيبة وأشياء تدحض الرواية المسبوكة في أوكار الجريمة المستمرّة لكنهم عازمون على قلب الحقيقة الناصعة نتيجة الخذلان الجمعي المنشغل بالبحث عن حماية رأسه من رياح التغيير ماجعل الطريق ممّهدة أمامهم دون عقبات تذكر عدا حجارة السجّيل التي يتقن فنّها أطفال أرض الرباط ، بينما يصاب العالم المتحضّر المفترض بالعمى والصمم واللامبالاة في أحسن الأحوال واضعاً خلف ظهره كل القيم الإنسانية والقانون والقرارات الدولية عند تعلق الأمر بالأخرين المحسوبين على هوامش الإهتمامات ، أمام جبروت مزامير الموت القادم من أروقة البيت الأبيض وشركاؤه العجائز الذين يحلقون في فلك التبعية ، لقد تجاوز غلاة الإئتلاف المتطرف المدى بالكشف عن وجوههم الحقيقية حين يتباهون جهاراً نهاراً يؤكدون لمن لازال يراهن على ملهاة الوعود المفتوحة البرّاقة الخادعة بقولهم لامكان لكم هنا سوى فتات البقايا النّتـنة التي لانحتاج اليها كي تقيموا عليها شـتات إمبراطوريتكم أو إمارتكم بل كلاهما معاً سيّان طالما تستجيب لأحلام أطماعنا التوسعية وتوفير الهدوء الذي لم يسبق له مثيل خلال عقود من الزمن، ويوظّف بأقصى الطاقات سياسة الأمر الواقع تتسارع به وتائرالبناء الإستعماري الإستيطاني السرطاني الزاحف بكل الإتجاهات ثم يصنّفونه مع سبق الإصرار بالكتل الكبرى للمقايضة بما لايملكون ، إن الوقت أخذ بالنفاذ فإما الصحوة من سبات أهل الكهف أو الذوبان في أتون الجحيم يومها لاينفع الندم والبكاء على أطلال العدالة المذبـوحة بأيدي أصحابها ، ربما تكون الصرخة مجرد صدى لايسمعها أحد في زمان غاب عنه المعتصم بالله حين انتخته أحدى الحرائر "وامعتصماه" فما كان منه إلا إعداد العدّة تلبية للنداء ، لكن ذلك لن يتكرر مرة اخرى بعد أن اختنقت الأصوات وبحّت الحناجر ودقّت نواقيس الخطر وهي تصدح "واقدساه" ولا من مجيب حتى أضحت أدراج الجامعة العربية مكدّسة بأوراق القمم العربية ذات الصلة بصناديق الدعم للقدس الأسيرة وإعانة أهلها على الصمود والتشبث بالأرض ، قرارات ومناشدات لاتساوي ثمن الحبر الذي كتبت به في الوقت الذي ينفقون الأموال الطائلة بلا حساب على تغذية تفتيت الأوطان وصبّ الزيت على نارالنعرات المذهبية والطائفية المشبوهة التي ستمتدّ أوارها كي تحرق الأخضر واليابس خدمة للمشاريع الشيطانية وسعياً وراء نيل الرضا وإثبات حسن السلوك عند سادتهم لقاء الحفاظ على مقاعدهم الوثيرة الزائلة عاجلاً أم أجلاً .
تلفظ أبجديات الحروف أنفاسها من قاموس الوطن الجريح المسيّج بجدران العزل العنصري الذي لم يألف من قبل مشاهد قابيل وهابيل استحضرها عنوةً اللاهثين وراء سراب السلطة التي لم يملكوا من أمرها شيئا ، سوى الفوز بسراديب المنفعة على حساب القضية الكبرى المخضّبة بدماء أنبل بني البشر ودموع الأمهات الثكالى وأولئك الذين رهنواحياتهم مقابل حرية شعبهم ولازالوا يخوضون صراع البقاء أمام قسوة الجلاد وجبروته ،فهل يتحمّل الجسد المريض التقطيع فوق التصنيف الرسمي المدوّن باتفاقيات التسويات السياسية ؟ في حين يختطف القلب أمام مرأى الجميع إما عن طريق البروفات التجريبية وهي أشبه ماتكون بالمناورات العسكرية لمهاجمة الهدف المنشود ، أو إظهار الخرائط التصويرية لإقامة نصب "هبل" على انقاض المسجد الحرام واقتحام باحاته بحماية تامة من جيش الإحتلال مقدمة لتقسيمه على غرار ماحصل للحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل فضلا عن إحاطة المكان بالكنس الحاخامية ، لايستطيع عاقل التنبؤ بعد أن وصلت المأساة الذروة عن الوسيلة التي يمكن أن تستنهض الإرادات المستلبة في وجه الطغيان وتعيد للشعوب ألقها المفقود على أرصفة الإستبداد والحرمان .
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت