تدمير الأوطان من تحت الرايات المذهبية
لدينا في العالم الإسلامي تياران مذهبيان عنيفان، يقدم كل واحد منهما مذهبه وأتباعه على الإسلام وعلى عموم البشر بمن فيهم المسلمون. بهذه المواصفات الأيديولوجية التي يبرران بها أفعالهما، هما تياران سياسيان ولا يربطهما بالإسلام سوى الاسم. الدين الإسلامي الوسطي المنصوص عليه في القرآن الكريم لا دخل له في المذاهب العنفية وهو براء من التطرف والآثام والجرائم التي ترتكب باسمه وبذرائع الدفاع عنه.
لدينا إذاً التيار الشيعي السياسي العنيف الذي يحلم بإمبراطورية عالمية شيعية تكون عاصمتها طهران، ولدينا تيار المذهب السني السلفي الذي يحلم بإمبراطورية الخلافة الإسلامية الكبرى ولم يحدد عاصمته بعد.
لن يدرك أي واحد من التيارين ما يتغياه ويصبو إليه وسوف ينتهي كل واحد منهما بالفشل، ولكن للأسف بعد أن يجر على نفسه وعلى أتباعه وعلى عموم المسلمين أفدح الأضرار. وجه الحماقة في أدبيات وأحلام المذهبين كليهما واضح، ولكن الحماقة أعيت منذ الأزل من يداويها. أصحاب المذهب الحالم بالإمبراطورية الشيعية الفارسية يحتمون بروسيا والصين، وهم يعرفون أن أكبر كوابيس روسيا والصين قيام إمبراطورية مذهبية فارسية تمتد من جبال زاغروس حتى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، لتتحكم بهذه المنطقة الإستراتيجية المكتنزة بالثروات.
الآخرون، أصحاب المشروع السني الحالم بإمبراطورية الخلافة الإسلامية الكبرى يحتمون بأمريكا والغرب، وهم يعرفون أكثر من غيرهم، احتكاكاً ومعاناة استحالة قيام مثل هذه الإمبراطورية ما دام في الغرب عرق ينبض. هذه مسائل محسومة عند مراكز القوى الحقيقية في العالم.
الحالمون المذهبيون عليهم أن يتحملوا الدماء والمجاعات والخوف وخراب الديار، حتى يأتي اليوم الذي يعترفون فيه بالهزيمة الحضارية والعلمية والأخلاقية ويعودون لوسطية دينهم الجامع.
الحلم الضخم المتجاوز لحدود المعقول بإمبراطورية الخلافة الإسلامية الكبرى، قد يستطيع الحالم به أن يتعلل بإغراءات العدد الهائل من المسلمين السنة وبالرقعة الجغرافية الضخمة التي يسكنونها على كوكب الأرض، وعلى خداع النفس بأن العنف والإرهاب سوف يستنهض الماضي ويصب في صالح إمبراطورية إسلامية شاملة.
هذا الحلم الضخم ينقصه إدراك التخلف الفكري والحقوقي والعلمي والتقني وحتى الديني الشرعي الذي تعيش فيه هذه الجموع الهائلة من المسلمين. بعد التمحيص، لو كان لهذا الحالم بعض الإدراك للواقع لن يجد سوى مئات الملايين من البشر المنهكين والمنتهكين في أوطانهم ذاتها، وباسم المذاهب التي ينتمون إليها، وذلك واقع لا يقره الإسلام الوسطي.
لكن ماذا عن الطرف المذهبي العنيف الآخر ذلك الطرف الغبي الذي يحلم بإمبراطورية شيعية تخضع لتوجيهات المرشد الأعلى في طهران؟. العرب الشيعة في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والكويت واليمن والسعودية، وأخص بالتحديد منهم أولئك الذين يوالون الأحزاب الشيعية المحرضة والمحركة للجرائم والانتهاكات ضد المكون العربي السني في بلدانهم، هل فكروا ولو لوهلة قصيرة فيما يخبئ لهم الغد نتيجة الدخول في عداء قومي ومذهبي وجغرافي مع كل تلك البحور الهائلة من السنة العرب وغير العرب من حولهم؟.
أراهن أي شيعي عربي حركي، بعد أن يقسم بكل ما هو مقدس عنده، أن يعبر عن اقتناعه بتمتع المكون السني في أي بلد إسلامي بظروف معيشية وحقوقية تختلف في سوئها وبؤسها عن ظروف المكون الشيعي. الجميع يعيش نفس درجات الفقر والبؤس والقهر الاجتماعي. لهذا السبب بدأت الجماهير تطالب في كل مكان بالتغيير والاحتجاجات الصاخبة. الفرق هو أن مرجعية العربي السني (في العالم الافتراضي) متوفرة من داخل تكوينه الوطني والقومي والجغرافي، بعكس الذي يبحث عن مرجعيته في إمبراطورية فارسية. على أي شيعي متحزب لإحدى الحركات العنفية أن يجتهد قليلاً ويحاول الاطلاع على الأحوال المعيشية لعموم أهل السنة وعموم أهل التشيع في بلده، حيث يسكن ويعيش، ثم يقارن. عليه أن يقتنع عياناً لا سماعاً إما بوجود أو انعدام فروقات جوهرية في درجات البؤس والفقر، قبل أن يصدق الساسة الخونة المتاجرين بعواطفه المذهبية.
رغم قتامة الحاضر فالأرجح أن المأساة القادمة سوف تكون أشد قتامة وفظاعة، وبالذات للعرب الشيعة الموالين لإيران.
مرة أخرى، قيام إمبراطورية شيعية فارسية أو إمبراطورية خلافة إسلامية سنية مجرد أحلام. البديل الوحيد هو النظر إلى الأمام وعدم الالتفات إلى الخلف.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت