ديمقر اطية قطر المزيفة

بقلم: صلاح صبحية


ما حدث في قطر من انتقال للسلطة من الأب إلى الابن بقرار من الأم وبتغطية أمريكية ، لم يكن نقلة نوعية في مضمونها وإن كانت نقلة نوعية في شكلها ، ففي الشكل أن يتنازل الأب عن كامل سلطته وبكامل إرادته للابن ، فإنّ هذا ليس سوى مظهر من مظاهر الديمقراطية المزيفة ، لأنه انتقالٌ للسلطة ضمن العائلة الواحدة ، فالأب الذي كان جاحداً بأبيه وأبعده عن مقاليد الحكم أراد أن يكون أباً حنوناً على ابنه فأورثه الحكم موهماً الجميع أنها إرادة أبوية ، كأنه يريد أن يكفـّر عن خطيئته مع أبيه بنقل السلطة إلى ابنه ، فأي ديمقراطية هذه تجعل حكم الوطن محصوراً بعائلة واحدة من كل عائلات الوطن ، لأنّ الديمقراطية الحقة هي انتقال الحكم بوسائل ديمقراطية إلى أي مواطن هو جدير بأن يكون حاكماً للبلاد ، وأهم وسائل الديمقراطية هي اختيار الشعب لحاكمه بطريقة تتيح لكافة أفراد الشعب حريّة اختيار حاكمهم ، أمّا أن يتنازل الحاكم المطلق عن الحكم المطلق لحاكم مطلق جديد فذلك يعني أعلى مراتب الدكتاتورية المطلقة في حكم البلاد الواقعة تحت استبداد الحكم المطلق ، وما حدث في دولة قطر هو انقلاب ٌ امريكي نفذته الزوجة على زوجها بابنها تحت حجة مرض الأب المشكوك فيها .
كما أنّ هذه الديمقراطية المزيفة تلقت تبريكات الديمقراطيات العربية المزيفة ، وهذا شيء طبيعي بأن يبارك السلطويون لبعضهم البعض بعبارات تبريك مزيفة تفخر بالانتقال الديمقراطي للحكم ، وكل الديمقراطيات العربية مزيفة ، سواء كان في الممالك أو في الإمارات أو في الجمهوريات ، فلا توجد ديمقراطية حقيقية في الوطن العربي ، لأنّ أساس الديمقراطية في أية دولة هو الحريّة السياسية ، والحريّة السياسية منتفية الوجود في العالم العربي بما فيها لبنان والكويت .
ولعلّ أمير قطر أراد أن يقول أن ما حدث للحكم في قطر هو شكل من أشكال الربيع العربي بقيادة حاكم عربي ، وخاصة أنّ هذا الحاكم العربي هو من دعم ويدعم كل أشكال الربيع العربي في دول الربيع العربي ، وكأنه يدعو الحكام العرب للتنازل عن كرسي الحكم لمن هو جدير بالتربع على كرسي الحكم وبدون إراقة دماء ويحافظوا على كرامتهم بهذا الأسلوب من الديمقراطية ، رسالة قطرية إلى الحكام العرب لا يمكن أن تفي بالغرض منها ، لأنّ هذه الرسالة جاءت متأخرة جداً وبعد أنهار من الدّم سالت في شوارع دول الربيع العربي كان وراءها الأمير الديمقراطي ، فقد كان يمكن لنا أن نفهم هذه الرسالة لو كانت قبل ثلاث سنوات ، أي قبل تدمير دول الربيع العربي ، وكان يمكن أن تكون نموذجاً يحتذى به رغم كل سلبياته ، إلا أنها جاءت كمشهد من مشاهد المسرحية التي نشاهدها على المسرح العربي ، فقد انتهت أدوار بعض شخصيات المسرحية وجيء بشخصيات أكثر حيوية ونشاطاً وذلك لجعل مشاهد المسرحية أكثر انسجاماً مع ما يتطلبه الوضع العربي .
وتبقى الولايات المتحدة الأمريكية هي مخرج المسرحية لتوحي لنا بأنّ ما حدث في قطر هو فعل ديمقراطي وسط قواعد عسكرية امريكية ، وكأني استذكر الشهيد ياسر عرفات يردد ( ديمقراطية غابة البنادق ) ، ليردد أمير قطر ديمقراطية غابة القواعد العسكرية الأمريكية ، وعلى جناح هذه الديمقراطية المزيفة تزحف القواعد العسكرية الأمريكية نحو الشمال لتستقر في الأردن ، تحت يافطة المناورات العسكرية المشتركة ، ولكي تكون وجهة هذه القواعد سورية الوطن ، سورية الأرض والشعب ، فالولايات المتحدة الأمريكية لا يعنيها من يحكم هذا البلد العربي أو ذاك بقدر ما يعنيها تحقيق مصالحها في كل مكان من هذا العالم ، ولا يعنيها إن كانت المعارضة السورية مسلحة أو غير مسلحة ، المهم أن تذهب سورية بكل مكوناتها إلى الجحيم ، فنجاح ديمقراطية القواعد العسكرية في قطر يجب أن لا يعني سوى شيءٌ واحد هو تجديد حيوية المسرحية الكبرى للانقضاض على بقايا الوطن العربي .

حمص في28/6/2013 صلاح صبحية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت