خطاب مرسي والنفق المظلم

بقلم: وسام زغبر


خطاب رئيس الجمهورية المصري محمد مرسي الأخير، بعد مرور عام على توليه للرئاسة في مصر كان استعطافياً واظهر استخفافه بالشعب المصري في عدم تطرقه للقضايا الرئيسة التي انطلقت لأجلها ثورة 25 يناير 2011 المتمثلة في الحرية والعدالة الاجتماعية وتوفير العيش والخبز.
إن خطاب مرسي يوم الأربعاء 26 يونيو/حزيران 2013 والذي أستغرق أكثر من ساعتين ونصف الساعة لم يأت بجديد للشعب المصري ولم يتحدث عن انجازات حكمه لمدة عام بل وجه الاتهامات إلى شخصيات وقضاة وإعلاميين وفلول النظام السابق دون وضع خطة مستقبلية وفي إطار زمني للخروج من أزمة مصر بعد وصول حزب الحرية والعدالة التابع لحركة الإخوان المسلمين إلى السلطة.
على ما يبدو ان خطاب مرسي الذي وجهه لعموم المصريين كان أقرب إلى خطبة جمعة أو اجتماع حزبي أو كلمة وزير في حكومة وليس خطاب رئيس جمهورية أو رجل دولة بحجم مصر، بغياب الصفوف القيادية الأولى في حركة الإخوان المسلمين أمثال محمد بديع وخيرت الشاطر، إضافة إلى عدم حضور شيخ الأزهر وبابا الأقباط وأقطاب المعارضة في مصر.
فرئيس الجمهورية المصرية ظهر على خطابه الارتياب والخوف وكأن خطراً يلاحقه لعله يكون في الأيام الاخيرة في رئاسته للجمهورية المصرية، وكان يتحدث تارة "انا مواطن في مصر" وتارة أخرى يقول " أنا الرئيس".
إن خطاب مرسي هو خداع للرأي العام المصري في محاولة لاسترضاء فئات معينة من الشعب من الفقراء والشباب والقوات المسلحة دون وضع رؤية لأزمات مصر التي خلقها وصول حركة الإخوان المسلمين الى السلطة في مصر، كمشاكل المحروقات وانقطاع الكهرباء والجنود المصريين المختطفين، دون ان يكشف عن مصير الجنود الذين قتلوا في شهر رمضان الماضي.
اللافت في خطاب مرسي الذي انتهى من إلقائه وأمتد إلى ما بعد منتصف الليل، كان التصفيق في كل كلمة أو عبارة يرددها أو يوجه الاتهامات الى القضاء والإعلام والفلول، فكان المصفقون أشبه بمحاميي الشيطان رغم ان محمد مرسي لم يقدم شيئاً عن انجازاته خلال عام على تسلمه مقاليد السلطة بل تجاوز ذلك في حديثه عن اخفاقات الآخرين بالأسماء.
ان الرئيس المصري تحدث في خطابه عن ديون مصر خلال عهد عبد الناصر والسادات ومبارك مما يظهر تعارض واضح مع البيانات الاقتصادية الرسمية، دون أن يعلن كشف حساب الديون خلال العام الأول من عهده. وقال مرسي أن "جمال عبد الناصر تولى السلطة وكانت لمصر 350 مليون جنيه استرليني عند بريطانيا بينما مصر مديونية بـ 2 مليار دولار، وبجمع الديون العسكرية تصبح 5 مليار دولار، كما استلم الرئيس الراحل محمد أنور السادات المديونية بزيادة بمقدار 21 مليار دولار، واستلم النظام البائد الظالم الحكم وزادت المديونية إلى 50 مليار دولار ، 15 منهم، وتم إعفاء مصر من نادي باريس بسبب حرب الخليج وأصبح دين مصر 35 مليار دولار، إضافة لـ 177 مليار دولار دين داخلي، لكي يكون الإجمالي للمديونية 212 مليار دولار قبل 30 يونيو 2012". ولم يعلن الرئيس أن الديون الخارجية والداخلية ارتفعت بشدة خلال العام الأول من عهده، لتتجاوز مستويات الأمان طبقًا لعدد من المحللين. وتشير الأرقام إلى تسلم الرئيس محمد مرسي مقاليد الحكم بينما تبلغ الديون الخارجية نحو 34.8 مليار دولار، فيما تجاوزت الديون مع نهاية العام الأول من الفترة الرئاسية لمرسي إلى نحو 45 مليار دولار، بسبب الحصول على نحو 7 مليارات دولار من قطر، وملياري دولار من ليبيا، ونحو 1.3 مليار دولار من تركيا، ومليار دولار من البنك الإسلامي. فيما ارتفعت الديون الداخلية لمصر من 1310 مليار جنيه بما يوازي 85% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام المالي 2011- 2012، عند استلام الدكتور مرسي الحكم، فارتفع إلى 1553 مليار جنيه في العام المالي 2012- 2013.
في حين ان مرسي تحدث عن الدولة المصرية أنها دعمت خلال العام الماضي 20 سلعة في حين تشير الأرقام الرسمية إلى تراجع دعم عدد من السلع والخدمات الحكومية خلال هذا العام، مع عدم إضافة أي سلع جديدة بمنظومة الدعم. وطبقًا لمشروع الموازنة العامة الجديدة للدولة، فقد تراجع دعم المواد البترولية من 120 مليار جنيه في الموازنة المعدلة للعام الماضي، إلى نحو 100 مليار جنيه خلال العام الجاري. كما استهدف مشروع الموازنة توفير نحو 36.3 مليار جنيه من بند دعم المواد البترولية، إذ أنه سيتم تطبيق منظومة توزيع السولار بالبطاقات الذكية على كافة القطاعات مع الإبقاء على الدعم دون تغيير لتوفير 24 مليار جنيه. كما سيتم تطبيق منظومة توزيع البنزين بالبطاقات الذكية بدءً من يوليو القادم، لتوفير 9.7 مليار جنيه، واستكمال توزيع الغاز بالبطاقات على الأسر المستحقة لتوفير 2.6 مليار جنيه. كما تراجع دعم إسكان محدودي الدخل من 700 مليون جنيه خلال العام الماضي إلى نحو 300 مليون جنيه خلال العام الجاري.
وفي حديثه عن معاش الضمان الاجتماعي، قال مرسي انه ارتفع من 200 جنيه إلى 400 جنيه خلال العام المالي الماضي. ويشير مشروع الموازنة العامة الجديدة للدولة عن عام 2013 - 2014، إلى أن إجمالي مخصصات معاش الضمان الاجتماعي بلغ 3.2 مليار جنيه، ويستفيد منه 1.6 مليون أسرة. فنصيب كل أسرة من معاش الضمان الاجتماعي يبلغ 2000 جنيه سنويًا، أي 168 جنيه شهريًا.
وما ذكره الرئيس مرسي عن النظام السابق واصفاً اياهم بالفلول وهذا لا يجوز لرئيس جمهورية أن يتحدث بهكذا لغة، حيث قال، الواحد بيشوف حاجات غريبة .. ناس بتتكلم كأنها من الثوار.. هو مكرم محمد أحمد كان من الثوار؟ نقابة الصحفيين ثارت عليه وطلعته بره واختارت حد تاني وبعد سنتين في وجود الرئيس الطيب بيقول أنا من الثوار. حديث مرسي بذكرني في حديث الفنان المصري عادل الإمام بفيلم طيور الظلام: "البلد دى اللى يشوفها من فوق غير اللى يشوفها من تحت"، وفيلم البداية لحمدي أحمد اللي قال وقتها: "أستاذ .. هو أنت لا مؤاخذة لا مؤاخذة يعني في الكلمة .. - اللهم احفظنا - ديموقراطي ؟! "
فلغة الرئيس مرسي في خطابه استخفاف بمشاعر المصريين بل واستهتار بالشعب المصري الذي سيخرج يوم 30 يونيو طلباً للحرية والعدالة الاجتماعية والاصلاح الديمقراطي والمساواة في المواطنة والدولة المدنية الديمقراطية وليست الدولة الفاشية الدينية، بل ان مرسي فشل مرة اخرى فشلاً ذريعاً في خطابه ولم يقدم للمصريين شيئاً ما قدمه الرؤساء السابقين في مصر.
مرسي في خطابه لم يتطرق إلى المشاكل الداخلية والخارجية التي تواجه مصر، كذلك لم يتطرق إلى أوضاع المصريين في العالم العربي وهذا ما اطلقه في خطابه قبل عشرة أيام في مؤتمر نصر سوريا باستاد القاهرة بدعوات الجهاد في سوريا، وصمته أمام الدعوات التي اطلقت لقتل الشيعة ووصفهم بالكفار واستباحة ممتلكاتهم وأعراضهم. فهو المسؤول عن قتل 4 مواطنين مصريين من المذهب الشيعي، وعن حياة أكثر من 30 ألف مواطن من شيعة مصر، ورغم ذلك لم يدين مقتل الشيعة الأربع بينما أدان مقتل السفير الأمريكي في بنغازي في أيلول 2012.
لم يتحدث الرئيس المصري في خطابه عن قضايا سيناء وقضايا الخطف الجارية فيها وقتل الجنود المصريين على الحدود، ولم يتحدث عن الخطر المهدد لمصر وهو سد النهضة في اثيوبيا واثاره على مصر ومخاوف انهيار الاقتصاد المصري، ولم يتطرق أيضاً إلى إسرائيل وخطرها على مصر. فكل ما يهمه أخونة الدولة المصرية دون تغيير أو تحسين لمؤسساتها والنظر في كيفية إدارة البلاد والخروج من أزمتها والذي بدا واضحاً في اتخاذ عدد من القرارات الغير مدروسة والتي تهدف الى الهيمنة على مؤسسات الدولة كما جرى في تعيين المحافظين الغير مختصين ومن بينهم محافظ الأقصر.
ان النظم السياسية والأمنية في العالم العربي فجرت الثورات والانقسامات، والتيارات الإسلامية قد فشلت حقاً في إدارة الأزمة بل استخدمت الثورة وسيلة للسيطرة على السلطة كما هو الحال في مصر وتونس، بل زادوا بلدانهم أزمات جديدة دون أفق حل، وسلكوا خطى النيوليبرالية المتوحشة في استلاب السلطة ولم يحققوا المطالب الشعبية العادلة في الحرية والعيش والحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية.
فما تشهده الدولة المصرية بعد عام على تولي الإخوان المسلمين مقاليد السلطة سوى مزيد من الانقسامات والاخفاقات والشروخات الافقية والعمودية مما يهدد أمن مصر ويدفعها إلى الهاوية والحرب الأهلية وانهيار كافة مكوناتها جراء فشل الإخوان المسلمين في إدارة السلطة وتأزمها، ولكن الشعوب والقوى الثورية لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تسمح بتحويل الثورات إلى انقلابات فوقية في تغيير الأفراد بدلاً عن انجاز مهمات الثورات في التغيير الشامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والدفاعي الوطني والقومي.
• كاتب صحافي فلسطيني- قطاع غزة/ فلسطين

29/6/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت