شهد الاقتصاد المصري تحولات كبيرة وخصوصا مع مرحلة الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي وتبني سياسات الاصلاح الاقتصادي والخصخصة منذ عقد السبعينات من القرن الماضي, وهي المرحلة التي أدت الى تقليص دور الدولة الاقتصادية واعطاء الدور الرئيسي للقطاع الخاص وتحرير التجارة الداخلية والخارجية وتحرير الخدمات والغاء القيود على انتقال رؤوس الاموال و خصخصة المنشات والمرافق العامة وما رافق ذلك من تزايد معدلات الفقر والبطالة وذلك بعد سنوات من موجة التأميم التي عرفتها مصر في الستينات على يد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وخلال الخمسة عقود السابقة تعرض الاقتصاد المصري للعديد من الأزمات الاقتصادية أهمها الأزمة الاقتصادية عام 1967 والتي اندلعت بعد هزيمة حزيران حيث فقدت مصر للمورد الطبيعي في سيناء المتمثل بالبترول واغلقت قناة السويس وانخفضت الاستثمارات والمعونات الاجنبية بشكل كبير وملحوظ, فجاءت الحلول لتلك المشكلة وكان الثمن الحقيقي لتلك الازمة هو التخلي عن القومية العربية وتبني الرئيس أنور السادات لسياسات الاصلاح والتكيف الاقتصادي والانصياع لشروط صندوق النقد الدولي المتمثل بتبني سياسات الخصخصة وبيع المال العام وتمليك الاجانب للمرافق العامة, وعانت مصر من أزمة اقتصادية عام1975 بسبب ارتفاع أسعار القمح عالميا ولجوء مصر للاقتراض من الخارج بفوائد باهضة وانتهت تلك الازمة بتدخل الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون بعودة تقديم المعونة الامريكية لمصر وتقدر اليوم ب 2.1 مليار دولار وتعد مصر الدولة الثانية من حيث حصولها على المعونة الامريكية بعد اسرائيل والتي تحصل على معونة سنوية بقيمة 3مليارات دولار.
ونتيجة للارتفاع الكبير بأسعار النفط بعد ثورة النفط التي اعلنتها الدول المصدرة للنفط عام 1973 حيث ارتفع سعر البرميل من 3 دولارات الى 12 دولار ثم الى 34 دولار سنة 1978 ورافق هذا الارتفاع ارتفاع في اسعار السلع والخدمات مما أدى لزيادة العجز في ميزان المدفوعات وزيادة الاقتراض من الخارج وارتفع حجم الديون الخارجية ولم تستطيع مصر الوفاء بالتزاماتها وعجزت عن السداد وحلت بها أزمة عام 1989 وتم حل تلك الازمة من خلال صندوق النقد الدولي وإعادة جدولة ديونها بنادي باريس.
وشهدت فترة التسعينات اتساع دائرة الخصخصة وتعويم للجنيه المصري حيث اعلنت الحكومة المصرية برئاسة عاطف عبيد بتاريخ 29-01-2003 عن تعويم الجنيه المصري حيث وصل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه قبل عملية التعويم 3.4 جنيها لكل دولار وارتفع بعد التعويم الى 5.5 جنيها لكل دولار واستقر عند مستوى 6.2 جنيها لكل دولار حتى يناير 2011 وأدت عملية التعويم الى خسائر اقتصادية كبيرة حيث ارتفاع رصيد الديون الخارجية والتي ارتفعت من 34.8 مليار دولار سنة 2012 الى 45 مليار دولار سنة 2013 بعد اقتراض 7 مليار من قطر ومليارين من ليبيا و 1.3 مليار من تركيا ومليارا من البنك الاسلامي. بالاضافة لارتفاع قيمة الدين الداخلي من 1310 مليار جنيها 2012 أي 85% من اجمالي الناتج المحلي الى 1553 مليار جنيها مرتفعا بنسبة 18 %, كذلك ارتفاع قيمة الواردات وتراجع الصادرات وزيادة خدمة اعباء الدين وارتفاع اسعار السلع المستوردة .
ويعتبر العام 2013 هو العام الأسوء للاقتصاد المصري حسب رأي العديد من الاقتصاديين المصريين وذلك بناء على التراجع والانخفاض الكبير للمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الكلية . حيث تراجعت الاحتياطي من العملات الصعبة بحدود 22 مليار دولار حيث بلغت في العام 2011 قرابة 36 مليار دولار وتراجعت الى 13.5 مليار دولار عام 2012 وارتفعت بسبب القروض الخارجية لتصل الى 16 مليار دولار حتى نهاية مايو 2013 وهي تكفي فقط لتغطية واردات 3شهور ومع تراجع الاحتياطي من العملات الصعبة يصبح الاقتصاد المصري على شفى الافلاس, وتراجع قيمة الجنيه المصري من 6.2 جنيها لكل دولار الى 7 جنيها للدولار الواحد في تعاملات البنوك و7.7جنيها للدولار في السوق السوداء أي بفارق 10% وصاحب ذلك اهدارا لقيمة الجنيه وضياعا لمدخرات الافراد في البنوك وبيعا لامال ومستقبل الاجيال القادمة حيث تدني مستويات معيشتهم .
وفي حال استمرار الاحتجاجات الشعبية الراهنة المطالبة بسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي سيزيد تدهور الجنيه وقد ينخفض بحدود 50% ويكون الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق السوداء بحدود 20% أي 8.4 دولار خلا ل عدة أسابيع بسبب امكانية لجوء المستوردين للسوق السوداء لشراء الدولار , يمكن القول _ بأن حالة الاستقطاب السياسي التي تعيشها مصر حاليا وخصوصا مع اندلاع احتجاجات تمرد وبدء ثورة 30 يونيو وانخفاض النمو الاقتصادي والذي تراجع ليصل الى 2% وارتفاع العجز وتدهور الوضع المالي وخسائر البورصة وانخفاض معدل الاستثمار الى 11% من اجمالي الناتج في الربع الاول من 2013 بعدما بلغ في العام 2011-2012 قرابة 16% من الناتج المحلي الاجمالي حيث لم يتجاوز حجم الاستثمار الاجنبي ال 180 مليون دولار للعام 2013 بعدما بلغ عام 2007 قرابة 13 مليار دولار و 2 مليار عام _ 2011-2012وكلها كفيلة بالضغط على الجنيه وإمكانية انخفاض الثقة به وتراجعه.
والى حد كبير يمكن اعتبار الوضع الاقتصادي بمصر بدرجة الكارثي والمأساوي حيث لا مجال للحديث عن حلول سريعة, كما ان الحديث عن تحقيق مستويات معقولة من التنمية الاقتصادية المستدامة فهذا يحتاج الى رفع معدل الاستثمارات الاجنبية المباشرة بحدود 20-30% من اجمالي الناتج وهذا لا يمكن تصوره بسبب تراجع معدل الطلب العام وتراجع حجم الاستثمارات نتيجة سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة المصرية وتبنيها لشروط صندوق النقد الدولي حيث الغاء الدعم عن بعض السلع الاساسية او تخفيضها ورفع الاسعار عن طريق فرض ضرائب غير مباشرة يتحملها الفقراء وذوي الدخول المنخفضة ورافق ذلك ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتزايد حدة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية ورغيف العيش والعدالة الاجتماعية والتي لا يمكن تحقيقها إلا عبر فرض ضرائب تصاعدية على الدخل و الضريبة العقارية .
بكلمة واحدة يمكن القول أن الاقتصاد المصري يحتاج لخطط اقتصادية رشيدة تستطيع تحقيق مستويات معقولة من التنمية الاقتصادية المستدامة وهذا لا يتم بالاعتماد على الاقتراض من الخارج والذي يعتبر انتقاصا للسيادة وتكريسا للتبعية, ولا يتم باتباع الخصخصة ولا بإصدار الصكوك الشعبية والتي تعتبر بيع المرافق العامة للأجانب ورهنا لقناة السويس. فالخصخصة لم تحد من المشكلات الاقتصادية القائمة بل عالعكس تراجعت المؤشرات الكلية وتفاقمت حدتها كزيادة العجز بالموازنات العامة والعجز في ميزان المدفوعات وارتفاع البطالة والتضخم, لذى يستحسن لمتخد القرار بمصر استقاق الدروس والاستفادة من بعض التجارب الاقتصادية الناجحة كتجربة روسيا وجنوب افريقيا والبرازيل ودول جنوب شرقي اسيا كتجربة مهانير محمد بماليزيا وتجربة سنغافورة ودول شرق اوروبا والتي مرت بمرحلة قريبة الى حد كبير بمصر حيث فترة انتقالية طويلة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت