لم يدر في خلد الرئيس المصري محمد مرسي، ولا في خلد كل قيادات الإخوان المسلمين، انه يمكن أن يخرج أبناء الشعب المصري بكل هذا الزخم الجماهيري، في محاولة منهم لإنهاء هيمنة الحركة على حكم مصر، وتحويلها إلى إمارة إسلامية ضمن المخطط الإخواني في السيطرة على العالم العربي وإعلان دولة الخلافة التي يطمحون منذ ما يقارب قرن من الزمان.
لم ينطلق شباب مصر في ثورتهم ضد طغيان وفساد حسني مبارك ونظامه من اجل تغيير شخص الرئيس، أو الإتيان برئيس مكانه يحكم البلاد بطريقة لا تختلف كثيرا عنه، أو من اجل تعميق الطائفية والانحدار بالبلاد إلى منحدرات وانقسامات لن تقود إلا إلى مزيد من الانحطاط والتخلف.
الجماهير المصرية التي خرجت ثائرة على النظام السابق، كانت تبحث عن التغيير، وعن تفعيل دور مصر العربي، واستعادة أمجاد هذا البلد الذي تم تغييبه منذ استلم أنور السادات السلطة، فتحول البلد إلى "عزبة" للصهاينة والأمريكيين، وصارت "أم الدنيا" مجرد تابع ذليل تدور في الفلك الأمريكي، ولم يعد الدور المصري مؤثرا أو فاعلا على أي صعيد.
منذ قامت الثورة في قلنا إن هذا الحدث هو الأبرز والاهم والأعظم منذ عقود، هذا الحدث هو الذي سيقود العالم العربي نحو الحرية والديمقراطية وكذلك الإسلام السياسي إلى الهاوية، وستكون ثورة مصر هي بداية النهاية لكل هذه الحركات التي اعتقدت انها قوب قوسين او أدنى من السيطرة على المنطقة، كما وقلنا ان الذي خلع مبارك لن يتردد في الخروج الى الشارع وخلع أي كان إذا ما حاول توجيه الثورة باتجاه "مآلات" مجهولة او غريبة عن الثورة.
لم نجزع عندما نجح مرسي وإخوانه المسلمين، لان مقتلهم هو بوصولهم الى السلطة، حيث هؤلاء لا يعترفون بالآخر، بغض النظر عمن يكون هذا الآخر، قومي،علماني، ليبرالي، فهؤلاء لا يؤمنون إلا بجماعتهم، وهم يكفرون الجميع بما في ذلك الجماعات الإسلامية الأخرى، وعليه كنا ندعو إلى وصولهم إلى السلطة التي ستقرر مصيرهم، وها هو في مصر يتقرر بأسرع مما توقعنا وغيرنا.
ليس غريبا ولا مستهجنا ان يخرج ملايين المصريين إلى الشوارع بعد ان "فاض الكيل" بهم، فبعد عام على استلام الإخوان للسلطة لم يحدث أي تقدم في أي مجال من المجالات في مصر، وكان الحاكم الجديد ينتقل من فشل الى آخر، وصار التخبط في الحكم هو سيد الموقف، كما تبدت للعيان ألاعيب الاخوان منذ اكتشف الشعب طرقهم الملتوية في الكذب والتدليس، وكيفية تحويل الدولة المصرية إلى مجرد "مزرعة" اخوانية من خلال الاستيلاء على المناصب واستبعاد كل من هو ليس إخوانيا.
لقد اعتقد الإخوان ان نجاحهم جاء نتيجة لرغبة الجماهير التي صوتت لهم في الانتخابات، علما بان هذا كان وهما جليا، لان الخيارات أمام الناخب كانت محدودة، حيث كان الخيار بين أمرين أحلاهما مر "شفيق أو مرسي".
قد يدعي البعض ان مجيء مرسي كان ديمقراطيا ولا يجوز بالتالي الثورة عليه، ولكن هذه الفرضية غير مقبولة في ظل التحولات التي يقودها مرسي باتجاه الديكتاتورية، وهو على أية حال ليس الأول الذي يأتي بطريقة ديمقراطية ويتحول الى طاغية، وخير مثال على ذلك الزعيم النازي هتلر الذي أتت به الديمقراطية وقاد العالم نحو حرب يعلم الجميع الثمن الذي دفعه العالم نتيجة "جنونه".
كما ان المواقف السياسية التي اتبعها مرسي تتنافى وطموحات شعب مصر الذي ثار على مبارك، وكانت تلك المواقف تؤشر على ضحالة في الخبرة السياسية للرجل وانصياعه لقيادة حركة الإخوان كما يشير الكثير من الخبراء والسياسيين.
التقديرات بحسب المراقبين تقول بأن أعداد المحتجين ضد مرسي تفوق كثيرا تلك التي كانت ضد مبارك، وهذا يشير إلى مستوى الاحتقان في الشارع، خاصة بعد الإجراءات والمراسيم العديدة التي تم اتخاذها، والتي كانت تشي بأن الرجل لا يقوم بإدارة الدولة كرئيس وإنما يتعامل مع الوطن كجزء من حركة الإخوان، هذا عدا عن التدخلات التي لا تتوقف من قادة الحركة في صناعة السياسة المصرية، وفي مقدمة هؤلاء خيرت الشاطر الذي لم يتوقف عن الحركة من خلف الكواليس.
ما يجري في مصر، إنما دليل على ان شعلة الثورة ما زالت متقدة، وان الجماهير التي أطاحت بمبارك قادرة على الإطاحة بمرسي إذا ما استمر بسياساته التي قسمت البلد ومزقت الوحدة الوطنية، والجماهير ستكون العين الساهرة التي تحمي الثورة والوطن من أي طغاة مستقبليين، وعلى مرسي ومن سيأتي بعده ان يفهم ان المعادلة أصبحت "الجماهير هي المعلم، وهي حامية الوطن" وهي القادرة على تعديل المسار والسير قدما، وما عدا ذلك فالجماهير ستبقى في الميدان.
1-7-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت