سقوط حكم الإخوان صفعة للأمريكان

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس


منذ عقدين ونيف من الزمن، حلت الأحادية القطبية الأمريكية مكان الثنائية القطبية التي سادت النظام الدولي خلال مرحلة الحرب الباردة، ومنذ ذلك الوقت سعت الولايات المتحدة إلى تأبيد سيطرتها وهيمنتها على مقدرات السياسة الدولية، وقامت بإعادة تشكيل لكثير من النظم الإقليمية، بما يتوافق واستمرار هذه السيطرة والهيمنة التي تحقق مصالحها الاستراتيجية على المدى الطويل، ومن هنا جاء سعيها إلى إجراء عملية التغيير في العالم العربي، وقد حثت الدول العربية للعمل على ذلك سراً وجهراً، ولكن الكثير من هذه الدول لم تبادر إلى ذلك واكتفت بإجراءات تحديثية شكلية لا تمس واقعها المتكلس الذي يخدم الفئة المستفيدة من النظام دون النظر إلى مصالح السواد الأعظم من جماهيرها من الطبقات الوسطى وما دون الوسطى، فتعاظمت المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها إلى أن وصلت هذه الدول إلى حالة الانفجار، وقد سارعت الولايات المتحدة والغرب عامة إلى دعم هذه الانفجارات بوسائل شتى مستخدمة نفوذها الثقيل للاسراع في إتمام عملية تغيير تتوافق وهوى السياسات الأمريكية، وقد رأت الولايات المتحدة في ((حركة الإخوان المسلمين)) ونسخها المختلفة في الدول العربية ((حصان الرهان)) الأمريكي الغربي الفائز في عملية التغيير المزمع إجراءها، لقاء إلتزامها بمجموعة من الالتزامات يتصدرها: أولاً: مواجهة الإسلام الجهادي ((الإرهاب الإسلامي)) الذي اكتوت به أمريكا وبعض دول الغرب.
ثانياً: المحافظة على أمن إسرائيل، والإلتزام بالاتفاقات الموقعة بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني.
ثالثاً: المحافظة على العلاقة الاقتصادية القائمة بين الدول العربية ومراكز الرأسمالية العالمية وتعزيزها وإضفاء النكهة الإسلامية على الرأسمالية العربية هذه المرة بدلاً من النكهة الليبرالية.
لقد جرى التغيير في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن، ومعركة التغيير في سوريا تدور رحاها دون حسم أكيد لصالح أي طرف لغاية الآن، إلا أن الوضع العربي قد ازداد سوءاً عما كان عليه قبل بدء عملية التغيير، اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، حيث استحوذت الحركات الإسلاموية السياسوية وفي مقدمتها ((حركة الإخوان المسلمين)) على نصيب الأسد من كعكة السلطة الجديدة، نموذج تونس، ومصر، وبدلاً من الانشغال في مواجهة مشاكل المجتمع التي دفعت الملايين إلى المظاهرات والميادين للمطالبة بالتغيير وإسقاط النظم السابقة، انشغلت هذه القوى وفي مقدمتها الإخوان المسلمين فيما يعرف لديها ومثبت في أدبياتها بــ ((جهاد التمكين)) أي التمكن من السلطة منفردة، تفرغ شهوتها الجامحة في الإنقضاض على مؤسسات الدولة والمجتمع، تنفيذاً لرؤاها السياسوية في أخونة المجتمع والدولة، في ظل غياب كامل بل وإسقاط كامل لمفهوم الدولة المدنية العصرية الوطنية والقومية، بل سعت إلى تفكيك كافة المفاصل والمؤسسات التي ورثتها عن النظم السابقة، ليس انتقاماً من تلك النظم، وإنما انتقاماً من الدولة العصرية ومؤسساتها المدنية، والعسكرية، والأمنية والقضائية والاقتصادية، والاجتماعية التي لابد من الاجهاز عليها وإحلال مؤسسات إخوانية وبعناصر إخوانية مكانها، ومن هنا مثل ((الإقصاء الوظيفي)) والمهني لكادرات الدولة سياسة لدى الإخوان، تشغلهم عن أي هم آخر من هموم المجتمع، حتى الأمن القومي لم يعطى ما يستحق لأنهم لا يؤمنون بهذا المفهوم لا وطنياً ولا قومياً، كل ذلك يجري تحت شعار ((الإسلام هو الحل)) وهكذا تتم أسلمة وأخونة مفاصل الحياة وقد كانت النتيجة أن تفاقمت الأزمات المعيشية والسياسية والأمنية إلى حد لم تستطع معه الجماهير الشعبية السكوت عليه، وقد أدركت الجماهير مدى الخدعة التي وقعت فيها من خلال الشعارات التضليلية التي ترفعها حركة الإخوان لتحشيد الأصوات التي توصلها إلى مراكز القرار والسلطة، ومن ثم تقوم بتنفيذ برامجها ورؤاها الخاصة بعيداً عن متطلبات التغيير ومطالب المتظاهرين والمنتفضين والمعتصمين في الميادين من أجل التغيير، ومن هنا بعد سنة على حكم الإخوان المسلمين لمصر كانت كافية لتقديم كل هذه الدلالات الخطيرة على مستقبل الشعب المصري وليكشف كل ذي عقل وبصيرة أن قيادة الإخوان المسلمين لن تأخذ بيد مصر نحو ما يطمح إليه الشعب المصري في مواجهة المشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية المتفاقمة، واستعادة دور مصر الوطني والقومي والقاري والدولي بما يليق بمصر ومكانتها التاريخية والاستراتيجية.
إن خروج الشعب المصري اليوم بكافة ألوانه السياسية إلى شوارع مصر وميادينها مطالباً بوقف سياسة الأخونة للدولة والمجتمع ورحيل الرئيس الإخواني عن رأس السلطة، يأتي رداً سياسياً ثورياً جماهيرياً طبيعياً سلمياً على تلك السياسات التي مارستها وأفصحت عنها حركة الإخوان من خلال أدائها على مدى سنة خلت على انتخاب أول رئيس مصري من حركة الإخوان، وبذلك تكون حركة الإخوان المسلمين قد ضيعت الفرصة التي انتظرتها منذ ثمانية عقود، وسيمثل سقوط الرئيس الإخواني وسقوط سياسات الإخوان المسلمين وفي الدولة العربية الكبرى مصر سقوطاً سياسياً تاريخياً لحركة عملت ثمانين عاماً من أجل أن تصل إلى السلطة، وإذا بها تقف معاكسة لطموح المجتمع والدولة في التغيير والتحديث وتحقيق الأمن والنماء والإزدهار والرفاه، وهذا السقوط لحركة الإخوان في مصر سينعكس عليها في بقيت الأقطار العربية وفي مقدمتها فلسطين، ويمثل أيضاً لطمة قوية للسياسة الخارجية الأمريكية التي اعتبرت أن حركة الإخوان هي حصان رهانها الفائز في عملية التغيير الجارية في الدول العربية وفق الإلتزامات التي تعهدت بتنفيذها حركة الإخوان عند الوصول إلى السلطة لقاء استمرار الدعم الأمريكي والغربي الذي يمكنها من السلطة ومن تنفيذ برنامجها في أخونة الدولة والمجتمع في الدولة العربية ...!!!

د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض 02/07/2013م الموافق 23/08/1434هـ

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت