لقد شكل الإنقسام الداخلي الفلسطيني الانتكاسة الحقيقية والكبرى لشعبنا الفلسطيني ، ليكون أهم حدث مزق الشعب الفلسطيني وتمثيله السياسي والوطني بعد نكبة فلسطين الكُبرى عام 1948م ، ونكسة العرب عام 1967م ، هذا الإنقسام إلي ألقى بظلاله على كافة مناحي الحياة الفلسطينية ، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ، وساهم فعلياً في ما لم تستطيع إسرائيل فعله وذلك من خلال فصل الضفة الفلسطينية عن قطاع غزة ، حتى لو كان هذا الفصل ليس كاملاً ، لكنه حصل بالفعل ونحن نعيشه واقعاً ملموساً .
لقد ساهمت الفصائل الفلسطينية بمجملها على تعميق حالة الانقسام ، واتساع فجوته دون مراعاة لما أحدثه من خلل في البنية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للمواطن الفلسطيني ، فإلى جانب تشتت القرار السياسي الفلسطيني ، كان المواطن العادي الغير منتمى لأي فصيل سياسي أكثر الفئات دفعاً للثمن ، كونه لم يحصل على أي منفعة أو وظيفة من كلاً الطرفين ، بل وزادت حالة البطالة والفقر في قطاع غزة نتيجة الحصار المفروض عليه إلى أعلى معدلات وفق إحصائيات المؤسسات الدولية والفلسطينية .
أما الموظفين الحكوميين المسجلين على ملاك وزارات وأجهزة السلطة الوطنية ، فقد كانوا من أهم الفئات الاجتماعية تضرراً نتيجة الانقسام السياسي ، فقد جاء قرار السلطة الوطنية والرئيس أبو مازن ، برغم ما عليه من ملاحظات ، جاء ملزماً للعدد الأكبر من هؤلاء الموظفين ، والتزم معظمهم بهذا القرار وامتنعوا عن العمل ضمن مؤسسات وأجهزة حكومة حماس بقطاع غزة .
القرار تم اتخاذه ، والموظفين جلسوا في بيوتهم ، وأصبحوا عبارة عن جيش من المتقاعدين الين ينتظرون الراتب آخر الشهر ، برغم أن العدد الأكبر منهم بحاجة لهذا الراتب ، لكنهم غير راضين عن الحالة التي يعيشونها منذ أكثر من ست سنوات ، على أمل أن تتم المصالحة ويتوحد القرار والمؤسسات ويعود الجميع لعمله في إطار مشروع النهضة وإعادة بناء المؤسسات التي ستكون نواه للدولة الفلسطينية .
ولعلى أتطرق لشريحة هامة من فئة الموظفين ، وهي منتسبي الأجهزة الأمنية الفلسطينية ، هذه الفئة التي شكلت المنظومة الأمنية التي عملت في حماية شعبنا ، وتطبيق القانون وتفعيل مؤسسات الشرطة والأجهزة الأخرى التي كانت من أساسيات مؤسسات الدولة ، ومعظمهم ضباط خريجين من كليات شرطية في مصر والأردن والإمارات وغيرها من الكليات الأمنية والشرطية ، وأكثرهم أصبح له ثقافة شرطية وأمنية وعسكرية نتيجة تلقيهم عشرات الدورات الداخلية والخارجية ، ومنه دورات تخصصية متميزة .
هذه الشريحة تعتبر اليوم صاحبة انتكاسة كبيرة ، فهم تدربوا وتعلموا لخدمة وطنهم ، بغض النظر عن الملاحظات السلبية وأداء بعض قادة الأجهزة الأمنية ، الذين شوهوا هذه الأجهزة نتيجة فسادهم ونزواتهم وأطماعهم الشخصية ، لكن الحقيقة أن الأجهزة الأمنية بمعظم ضباطها هم فلسطينيين الولاء والأداء ، وكانوا يؤدون واجباتهم بكل شرف وأمانة .
اليوم ونتيجة حالة الانقسام ، وحالة الانتظار لسنوات على أمل المصالحة ، تعرض الكثير من ضباط وكوادر الأجهزة الأمنية وموظفي السلطة بشكل عام إلى مشكلات ، منها مشكلات صحية ، ونفسيه ، ومالية ، واجتماعية ، فقد هدد الانقسام حياتهم ، وحولها إلى جحيم لا يُطاق ، فكيف لضابط اعتاد أن يكون الساعة الثامنة صباحاً في مكتبه ، أصبح اليوم جليس الشوارع أو دائم النوم في المنزل ، أرهقه التفكير ، ومرت عليه السنوات كالجحيم ، فأصبح لا يطيق أولاده ، وسريع الغضب والانفعال ، ومنهم من أثر ذلك على حياته الزوجية ، فقرر التخلص من زوجته بالطلاق ، إلــــخ من المشكلات التي لا يمكن حصرها .
سوف يحاسب التاريخ كُل من هدم الحلم الفلسطيني ، وسوف نرى في المستقبل حالات العجز المرضي والنفسي بالآلاف في صفوف الكوادر الوظيفية التي كانت تعطي بكل أمانة ، وكانوا يسهرون على خدمة وطنهم ومواطنيهم .
&&&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي – غــزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت