وماذا بعد... ياجماعة

بقلم: أكرم أبو عمرو


ربما يعجز القلم عن تصوير ما نشاهده على شاشات التلفاز من مشاهد ، إن دلت على شيء فإنها تدل على عظمة هذا الشعب ، شعب مصر العظيم ، هذا الشعب الذي وصفه العالم المصري الكبير الراحل جمال حمدان في كتابه شخصية مصر ، بشعب هو نتاج تركيبة امتزج فيها التاريخ بالبيئة الجغرافية هوائها ومائها وأرضها ، شعب استطاع أن يمتص عبر تاريخه الطويل كل الصدمات التي تعرض لها وبقى حيا لم تتغير شخصيته بل تجذرت وأصبحت مربوطة بأرضه لا يحيد عنها ، ما أروع هذه اللحظات التي نعيشها ونحن بعيدون بأجسامنا عن مصر ولكننا قريبون بقلوبنا ، ساعات تشعرنا بالسعادة تارة ويختلجنا الخوف تارة أخرى ، سعداء لأننا نرى إرادة الشعوب التي لا تقهر ، فالشعب قوة ، طوفان هادر لا يستطع احد الوقوف أمامه إلا الله سبحانه ، شعب أراد الحياة فاستجاب لقدرها ، وخوف حقيقي من أن تتحول هذه السعادة إلى حزن لا سمح الله حيث نتمنى أن تمر بسلام دون إراقة دماء من أي جهة ، دون تدمير للممتلكات والمرافق ، دون التعرض للدولة وهيبتها ومكانتها لان مصر تعني لنا وللعرب أجمعين الشيء الكثير .
ونحن نتابع ما يجري على ارض مصر ، نتابع كل الأطراف لنجد أن جماعة الإخوان المسلمين ما زالوا وكأنهم يعيشون في معزل عما يجري ، إذ ما زال خطابهم مستمرا عن الشرعية وصناديق الانتخابات ، وعن الدين والتكفير ، يبدو أنهم لا يرون ولا يريدون رؤية الشارع المصري الحقيقي الذي خرج كالبركان بقذف حممه في كل الاتجاهات ، ليعلن وبكل الغضب عن فشل تجربة استمر الإعداد لها خمس وثمانون عاما مضت منذ ناسيس حركة الإخوان المسلمين عام 1928 ، بعد أن فشلت في إدارة البلاد وأي بلاد إنها مصر اكبر دولة عربية ، لم يستفيدوا من تجارب الشعوب ، حيث استمروا بالعمل لصالح الحزب الواحد والنظر إلى من خالفهم بالرأي على أنهم أعداء ، هذه مصيبتهم عدم الإيمان والاعتراف بالآخر ، لم يستمعوا إلى نصائح الأصدقاء والأقارب وأبناء الوطن الواحد .
اليوم يخرج أبناء هذا الوطن ومنهم الكثير ممن أيدوا الجماعة بكل قوة آملين التغيير إلى الأفضل ، ولكن هذا التغيير لم يأت ، لقد استشعرت ما يجري في هذه الأيام عندما كنت في زيارتي الأخيرة لمصر وأنا أسير في الشارع وفي الأسواق وفي أماكن مختلفة لم اسمع إلا كلمات الرفض للنظام ، لم اسمع إلا الرغبة في التغيير ، لم اسمع كلمة واحدة مؤيدة للنظام علما أن من كنت اسمعهم هم من الناس البسطاء عامة الناس باعة وسائقين ومارة ، لهذا توقعت هذا الحدث الكبير ، حمى الله مصر ، وحمى الله شعبها الأبي ، والمهم الآن ونحن في انتظار نتائج هذه الثورة العارمة والتي بدأت ملامحها في الظهور حيث لا مناص من تلبية رغبة الشعب فهو صاحب الشرعية بل هو الشرعية بحد ذاتها .
في ظل هذه الأحداث وما سيترتب عنها من نتائج ثمة دروس مستفادة يمكننا الإشارة إليها وربما يقول البعض أنها استعجال في الحكم ، وأقول لا بل هذا ما سيحدث وأول هذه الدروس، هو أن جماعة الإخوان المسلمين تراجعت إلى الوراء عشرات السنين وربما إلى نقطة الصفر لأنها أثبتت وبعد مرور خمس وثمانين عاما على نشأتها أنها لم تنضج ومنيت بالفشل الذر يع في التعاطي بالسياسة والحكم بممارساتها الخاطئة في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والقضائية والسياسية والعلاقات الدولية ، فكان خسرانها للجماهير التي وقفت إلى جانبها يوما ، وما ما نراه من جموع حاشدة رافضة حكم الأخوان إلا دليل على ذلك .
الدرس الثاني، هو أن هذا الفشل لم يقتصر على جماعة الإخوان في مصر بل في جميع أنحاء العالم ، وسوف يصاحب جميع التنظيمات والفصائل التي انبثقت عن جماعة الإخوان فيما بعد.
الدرس الثالث، هو أن عهد استبداد الشعوب بالقهر والظلم والفساد والإفساد قد انتهى ، وان إرادة الشعوب لا تلين ولن تقهر ، لقد ازداد الشعوب وعيا وإدراكا ولا يمكن التلاعب بمشاعرها وأفكارها خاصة بعد إن أصبح العالم قرية صغيرة .
والدرس الرابع، هو أن التآمر من وراء الكواليس مع أعداء الشعوب مقابل مبالغ من المال أو مواقف من التأييد لقهر الشعوب وامتصاص مواردها ومقدراتها قد انتهى أيضا ، فالشعوب الحية لن تقبل العيش إلا بعزة وكرامة .
والدرس الخامس، هو أن ما يجري على ارض مصر سينعكس فورا على الدول العربية وشعوبها وأول هذه الشعوب هو الشعب الفلسطيني وقضيته لذلك ترى ان ما يجري على ارض مصر أصبح شغل الفلسطيني الشاغل الذي يتسمر معظمه أمام شاشات التلفاز مشاهدا ومراقبا وداعيا لمصر وشعبها بالسلامة ، كيف لا وان مصر وشعبها ارتبطوا بقضيتنا منذ البداية ، وكم امتزج الدم الفلسطيني والدم المصري على ارض غزة وسيناء ومصر وحتى فلسطين المحتلة عام 1948، كيف لا والعلاقة بين الشعب الفلسطيني والشعب المصري علاقة وطيدة على مختلف النواحي
إننا وإذ ننتظر انتصار الشعب المصري بتحقيق مطالبه العادلة نأمل من أبناء جماعة الإخوان العود إلى صفوف شعبهم الذي عاني كثيرا عبر الزمن ، عودوا إلى ديننا الإسلامي الحنيف دين المحبة والإخوة ، دين العدل والسلام ، دين فيه كل المسلم على المسلم حرام ، فكلكم شعب واحد ودين واحد وأبناء وطن واحد.

أكرم أبو عمرو
3/7/2013
غزة – فلسطين

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت