نهاية حقبة الإخوان

بقلم: راسم عبيدات


..... شهد الثلاثون من الشهر الماضي منازلة كبرى،إنتصر فيها الشعب والجماهير المصرية بإمتياز،حيث ان الحشود الجماهيرية التي خرجت الى الشوارع،كانت اكبر حشد ليس في تاريخ مصر،بل في تاريخ كل الثورات الشعبية ليس على المستوى العربي،بل وعلى المستوى العالمي،تلك الحشود لم تكن لتقنع المتعطشين للسلطة من المتأسلمين الجدد(الإخوان المسلمين)،بأن ممارساتهم وسياساتهم وبرامجهم ورؤيتهم القاصرة وفكرهم الإقصائي والإنغلاقي وجهلهم الإداري وعماهم السياسي قادت الجماهير الى الخروج عليهم،في زمن قياسي،فهم اثناء وجودهم في المعارضة،كانوا يختبئون خلف شعارات المقاومة والمدافع عن حقوق الجماهير والمعبر عن همومها ونبضها،وساعدهم في ذلك الإتكاء على اخطاء وممارسات النظام السابق،وكانت الجماهير منخدعة بهم ومصدقة بأنهم نساك وصلاح ومتدينين،وبأنهم يريدون الخير والصلاح لمصر ولشعبها،ولكن منذ صعودهم إلى السلطة كشروا عن انيابهم،وبدأت تتكشف حقيقتهم وتنحرق اوراقهم حيث لم يروا غير الإخوان من مكونات ومركبات المجتمع المصري،ودخلوا في صراع وصدام مع كل تلك المكونات والمركبات،بما فيهم أقرب حلفائهم من الإسلاميين(السلفيين)،ونفس اللغة الخشبية وعبارات النظام السابق التي رفعت في وجه الشعب المصري اعادوا رفعها في وجه الجماهير الثائرة والمطالبة برحيلهم،فلول،بلطجية،كفرة،خونة،ماجورين،متأمرين...الخ،ولم يكتفوا بذلك بل جندوا محيطهم العربي والإقليمي،من اجل دعمهم ومساندتهم من خلال التظاهرات والمسيرات الداعمة لهم.
الأزمة كشفت عن عمق التعاون والتنسيق،ما بين الإخوان وامريكا،ولذلك وجدنا التردد الأمريكي في الدعوة والطلب من الرئيس التنحي عن السلطة،حيث تحدث الأمريكان عن ان الرئيس منتخب ديمقراطياً،وفي حالة مبارك دعمت أمريكا المجلس العسكري المتعطش للسلطة والحكم،من اجل تنحية مبارك،والمسألة هنا مختلفة،فالإخوان لهم دور إقليمي ومساعد قوي لأمريكا،في الحرب التي تشن على سوريا،وكذلك لعب الإخوان دوراً بارزاً في نسج علاقات وتقديم ضمانات امنية لإسرائيل،لم تكن موجودة حتى في عهد مبارك البائد،وايضا تصرفت الجماهير الشعبية بحكمة عالية،من حيث عدم اللجوء الى العنف،وبما قد يدفع بالأمور نحو حرب اهلية،وهنا واضح في هذه اللحظة بأن الجيش يتصرف بنضج سياسي عالي،وبعيداً عن الضوء الأخضر الأمريكي،وهو يظهر بمظهر مؤسسة الشعب المصري والجيش القومي،وهو في بيانه يرسم خارطة لمعالم طريق،قد تقود البلاد الى بر الأمان،وتجنبها الوقوع في الحرب الأهلية، طريق تقود الى تشكيل مجلس رئاسي او حكومة مؤقتة،وكل ذلك رهن بما سيكون عليه موقف الإخوان،وواضح ان الإخوان بدؤوا يتحدثون عن إنقلاب عسكري،وبانهم لن يسلموا،وسيقومون بحشودات وإستعراض عضلات،وسيفتعلون ازمات وصدمات مع القوى المعارضة والجيش،وسيعملون على تحريك محيطهم العربي والإقليمي في سوريا وتركيا والأردن وغزة لنصرتهم ومساندتهم،ولكن هذه المرة يبدو ان الجيش سيحسم الأمور بأقصى سرعة ممكنة،ولن يسمح للإخوان القيام باعمال عربدة وبلطجة وإدخال مصر في أتون حرب اهلية،فإما ان يوافق مرسي على التنحي ويجري الإتفاق على إنتخابات مبكرة،وإما ان يلجا الجيش الذي تصرف بذكاء وحنكة عالية،من خلال قطع الطريق على كل العبث والتدخلات الداخلية والخارجية،بمنحه فرصة لتزيد عن 48 ساعة،للإستجابة لمطالب الشعب،الى اعلان عن إنتهاء ولاية الرئيس الدستورية وتشكيل حكومة مؤقتة.
السيناريوهات ستتضح خلال الفترة القريبة القادمة،والشعب هذه المرة ربح الجولة بالضربة القاضية مع الإخوان، هؤلاء الإخوان الذين إنكشف مشروعهم بأسرع ما يمكن،هذا المشروع الذي بدأ في 1928،والذي كان فيه الإخوان في دوائر السدنة وبطانة النظام في وجه القوى القومية والوطنية والبعثية،كانوا في كنف الأنظمة التي تدور في فلك أمريكا والغرب،صمام الأمان لها،وبعد تراجع القوميين العرب،وجد الإخوان بان الفرصة مؤاتية لهم،من أجل الصعود للحكم،وبصعودهم الذي جاء بفعل ثورات لم يشاركوا فيها،بل إختطفوها،لكي يعملوا على اخونة ليس السلطات في العالم العربي،بل والمجتمع العربي،وبحيث غدا مرسي ليس رئيساً لمصر،بل يتلقى تعليماته كاخونجي،من المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين،ولم يلتفتوا الى هموم ومشاكل ومصالح المصريين،بقدرما كان همهم الأول والأساس،سيطرة الحركة على الحكم في الأقطار العربية الأخرى،وبالتحديد في سوريا،ولعل موقفهم من سوريا،وخطاب مرسي الأخير،بقطع العلاقات مع سوريا،وإغلاق سفارتها في القاهرة،والإعلان عن تشكيل"كتائب جهادية" ل "تحرير" سوريا قد عجل بما حصل في مصر،حيث الأزمة في مصر تتعمق وتتصاعد على كل الصعد،الفقر والبطالة والفوضى وإنعدام الأمن،وازمات الكهرباء والبنزين والنفايات وغيرها تتسع وتتواصل،وعلى الصعيد الوطني التفريط بالسيادة الوطنية،وتوثيق العلاقات مع اسرائيل وامريكان،والوقوف في وجه المشروع القومي العربي،وإستعداء معظم مكونات ومركبات المجتمع المصري،من خلال ممارسات وسياسات أنغلاقية وإقصائية،وسيطرة على كل منحي ومفاصل السلطة والدولة والمجتمع،وكذلك الخطر على الحريات العامة والشخصية والتعددية السياسية والفكرية ..الخ.

إننا مهما ستؤول إليه الأمور في مصر،حيث رفض الإخوان بلسان مرسي بيان القوات المسلحة،وقالوا بأن الرئيس سيعمل على إجراء إصلاحات وتفادي الأخطاء،ولكن كل ذلك أصبح من خلف ظهر الشعب والحركة الجماهيرية،التي لم تعد تثق بالإخوان،وهنا سأورد مثالاً على ذلك،فالملك عبدالله الثاني،والذي كانت الأردن احد القواعد الأساسية للأخوان،ويحظون بدعم ورعاية الملك،سياساتهم وممارساتهم دفعت بالملك عبدالله الثاني للقول،بانهم "ذئاب في ثياب حملان"،وانه ليس لهم هم سوى السلطة،وهذا الإستنتاج خلص إليه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر،قبل اكثر من خمسين عاماً.
إن ما يحدث في مصر الان مؤشر على نهاية حقبة الإخوان والمشروع الإخواني،وليس كما يحاول الإخوان اللعب بعقول الناس،وخداعهم وتضليلهم،والقول بأن ما يجري يستهدف الإسلام والمسلمين،فهم ليسوا حجة لا على الإسلام ولا المسلمين،بل هم من شوهوا وأساؤوا للإسلام.

القدس- فلسطين

2/7/2013
0524533879

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت