ردًّا على تقرير الأمم المتحدة حول الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية

بقلم: نبيل أبو شمالة


أعلنت مديرة برنامج الأغذية العالمي أرتارين كوزان خلال زيارة قرية الخان الأحمر القريبة من أريحا في الضفة الغربية المحتلة، أن ثلث سكان الأراضي الفلسطينية يعانون انعدام الأمن الغذائي، مشيرة إلى أن هذه النسبة مرشحة للازدياد, وهذا الكلام صحيح خاصة في ظل الإجراءات الإسرائيلية المستمرة للسيطرة على الموارد والمعابر, والحصار المفروض على قطاع غزة.

وحتى يمكن فهم واقع الأمن الغذائي في فلسطين يجب فهم تعريف الأمن الغذائي فحسب إعلان روما لعام 1999م, فإن مفهوم الأمن الغذائي يعني أن تتوفر لجميع الناس في كل الأوقات, الإمكانية المادية والاجتماعية والاقتصادية للحصول على غذاء كاف مأمون ومغذ لتلبية احتياجاتهم التغذوية وأفضلياتهم الغذائية للتمتع بحياة موفورة النشاط والصحة. وبناء على هذا التعريف فإن الأمن الغذائي يتحقق إذا توفرت الشروط الأساسية التالية:

1.توفير الغذاء (Food Availability). 2. الوصول إلى الغذاء (Food Access).

3. استخدام الغذاء (Food Use).


أولًا: توفير الغذاء (Food Availability): ويقصد به ضرورة توفر مخزون استراتيجيّ من السلع الغذائية الأساسية كالحبوب واللحوم والخضراوات والفواكه داخل الدولة لمدة لا تقل عن ستة أشهر, بحيث يتم تغطية احتياجات السكان من تلك السلع ومواجهة التغيرات والأزمات السياسية التي قد تحدث. ويتم توفير هذه السلع بشكل أساسي من خلال دعم الإنتاج المحلي وزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من العديد من المحاصيل والأشجار المثمرة؛ الأمر الذي يعني وصول المجتمع لحالة أقرب ما تكون إلى الأمن الغذائي. أما إن تعذر دعم وزيادة الإنتاج المحلي من بعض المحاصيل فإنه يمكن اللجوء إلى الاستيراد من الخارج لضمان توفر وتدفق السلع داخل الدولة دون حدوث عجز.


ثانيًا: الوصول إلى الغذاء (Food Access):ويعتمد هذا العنصر بشكل أساسي على القوة الشرائية (Purcshasing Power) للمجتمع, والتي تعتمد بشكل أساسي على كلٍّ من مستويات الدخل ومعدلات الفقر. حيث لا يكفي لتحقق الأمن الغذائي أن يكون الغذاء متوفرًا؛ بل لا بد من أن تكون هناك مقدرة على الوصول إليه من قبل شرائح المجتمع المختلفة. فقد يكون الغذاء متاحًا لكن لا يمكن الوصول إليه بسبب تدني مستويات الدخل أو عدم وجوده أصلًا أو نتيجة لارتفاع مستويات الفقر, لذلك يجب النظر إلى هذا العنصر من خلال إستراتيجية كاملة لمكافحة الفقر والبطالة وتوفير فرص عمل للفئات المتدنية وتقديم الدعم المالي والفني لهم.

ثالثًا: استخدام الغذاء (Food Use): ويعتمد هذا الشرط على مفهومي تحديد الأولويات (Define Priorities) والعادات الغذائية. حيث من الممكن أن يتوفر للأسرة الدخل المناسب لكنها ترتب أولويات الإنفاق لديها بحيث تلبي احتياجات أخرى تعتبرها أهم من الغذاء, وهنا قد ينحسر الأمن الغذائي لتلك الأسرة. كما أن العادات الغذائية الخاطئة لبعض الأسر فيما يتعلق بتغذية المرأة الحامل والمرأة المرضعة ينقصها الكثير من الوعي ما قد يتسبب في أمراض سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي.


فيما يتعلق بالحالة الفلسطينية, واستنادًا إلى العناصر السابقة للأمن الغذائي, فإنه من الطبيعي أن يعاني ثلث سكان الأراضي الفلسطينية من انعدام الأمن الغذائي. فمن ناحية توفير الغذاء, نجد أن الأراضي الفلسطينية؛ وبالرغم من وجود اكتفاء ذاتي نسبي من محاصيل الخضار وبعض الفواكه؛ إلا إنها تعاني من عجز كبير في كثير من المحاصيل الحقلية (الإستراتيجية) مثل الحبوب, إضافة إلى عجز في كلٍّ من الزيوت واللحوم الحمراء حيث لا تتجاوز نسبة الاكتفاء الذاتي منهما الـ 20% و 45% على التوالي. وهذا يعود بالدرجة الأولى الاحتلال الإسرائيلي والحصار المفروض على تلك الأراضي من قبله, بالإضافة إلى ندرة الموارد الطبيعية والكثافة السكانية المرتفعة.

وفيما يلي تفصيل للأسباب المذكورة أعلاه:

أولًا: الاحتلال: دأب الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلاله للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 على السيطرة على الموارد المائية وإدارتها من خلال شركة ميكوروت, فقام بمصادرة الوصول لمياه نهر الأردن في الضفة الغربية وقام بفرض منطقة عسكرية عازلة بعرض 2 كيلو, وبالتالي حرم الضفة من كمية تقدر بـ 3/4 مليار متر مكعب من المياه حسب اتفاقية جونسون1956 سنويًّا؛ ما أثر سلبيًّا على الزراعة في منطقة غور الأردن التي تعتبر سلة الغذاء الرئيسية للأراضي الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى أن الاحتلال يقوم ببيع المياه للمزارعين بثلاثة أضعاف السعر الذي يبيع به للمستوطنين الذين يحصلون على المياه الفلسطينية بأسعار زهيدة. كما قام الاحتلال بحفر آبار عميقة بجانب عيون المياه في غور الأردن؛ مما أثر بشكل كبير على تدفق المياه في هذه العيون, إضافة إلى قيام الاحتلال بفرض طوق أمني في منطقة غور الأردن بحيث لا يمكن الوصول إليها إلا بتصاريح خاصة. كما صادر الاحتلال الوصول إلى أراض رعوية مهمة خاصة في جنوب الخليل.


ثانيًا: الحصار: أثر الحصار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية سلبًا على توفير العديد من المحاصيل والسلع الغذائية الأساسية للمواطن الفلسطيني, وذلك بسبب الإغلاق المتكرر لمعظم المعابر والذي كان يستمر في بعض الأحيان لفترات طويلة ما يعني صعوبة توفر تلك المحاصيل والسلع بالقدر الكافي الذي يغطي احتياجات السوق الفلسطيني وبالتالي انعدام الأمن الغذائي للمواطنين. هذا بالإضافة إلى صعوبة استيراد مدخلات الإنتاج اللازمة للعديد من الصناعات الغذائية الأساسية.


ثالثًا: ندرة الموارد الطبيعية وصعوبة الوصول إليها: حيث تعاني الأراضي الفلسطينية من ندرة الموارد الطبيعية خاصة المياه والتي تستخدم بشكل أساسي في ري المحاصيل والأشجار, حيث يعتمد قطاع غزة على المياه الجوفية بشكل أساسي في تغطية احتياجاته المائية, لكن مخزون تلك المياه في تناقص مستمر في ظل تزايد تلك الاحتياجات وعدم الاستخدام الرشيد لها أحيانًا. أما الضفة الغربية فإنها بالإضافة إلى اعتمادها على المياه الجوفية في الري, فإنها تعتمد كذلك على عيون المياه السطحية, والتي عادة ما تخضع لسيطرة وتحكم الاحتلال الإسرائيلي بها. كما تواجه الأراضي الفلسطينية محدودية في معدلات الأمطار؛ بالإضافة إلى ندرة ومحدودية المساحات المخصصة لزراعة المحاصيل والأشجار التي تشكل غذاء أساسيًّا للمواطن الفلسطيني.


رابعًا: الكثافة السكانية المرتفعة: تعد الأراضي الفلسطينية من أكثر مناطق العالم ارتفاعًا في معدل الكثافة السكانية. ويعتبر قطاع غزة متميزًا عن الضفة الغربية بهذه الخاصية بسبب محدودية الأراضي وندرتها, حيث يقدر عدد النسمات الذين يعيشون على الكيلو متر المربع الواحد في قطاع غزة بـ 4722 نسمة والعدد مرشح للزيادة. إن استمرار الكثافة السكانية في الزيادة في ظل ندرة الموارد وتضييقات الاحتلال المستمرة باتجاه السيطرة على الأرض ومصادر المياه المحدودة أصلًا؛ يعني قطعًا ارتفاع نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى شرائح واسعة من المواطنين بسبب عدم كفاية المنتج والمستورد في تغطية احتياجاتهم.


أما من ناحية الوصول إلى الغذاء وهو الشرط الثاني للأمن الغذائي والذي يعتبر ذا خاصية مميزة في الوضع الفلسطيني, ويعود ذلك إلى الوضع الجيوسياسي المعقد الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية, والمتمثل في الإغلاقات المتكررة للمعابر ومنع دخول العديد من السلع والمحاصيل الغذائية الأساسية؛ والذي بدوره يعمل على انخفاض عرض هذه السلع في السوق ما يعمل على ارتفاع سعرها بشكل حاد في ظل طلب كبير عليها وصعوبة الوصول إليها وذلك بسبب عدة عوامل أهمها الفقر والبطالة وتدني مستوى الدخل, حيث تجاوزت نسبة الفقر هذا العام 38% كما بلغت نسبة البطالة حوالي 33% مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية عند شرائح واسعة من المواطنين وبالتالي عدم حصولهم على حقهم الأساسي من الغذاء. ويعود السبب في ذلك إلى تشوه هيكل الاقتصاد الفلسطيني واتسامه بمعدلات الإنتاج المتدنية والاعتماد على المساعدات الخارجية بدلًا من إقامة مشاريع تنموية حقيقية تسهم في تخفيض نسب البطالة؛ هذا بالإضافة إلى عدم وجود سيادة على الموارد وغياب مرافق البنى التحتية وبالتالي ارتفاع المخاطرة في إقامة أي نوع من الاستثمارات.


ومن ناحية استخدام الغذاء كشرط من شروط الأمن الغذائي؛ فإننا نلاحظ أن بعضًا من شرائح المجتمع الفلسطيني لديه خلل في ترتيب أولويات إنفاق الدخل؛ فقد نجد عددًا لا بأس به من الأسر يولي سلع الكماليات وخدمات الرفاهية والتسلية اهتمامًا كبيرًا على حساب التغذية السليمة للأفراد. وإضافة إلى ضرورة ترتيب

الأولويات, فإن وجود عادات غذائية سليمة لدى الأفراد يعني وجود تغذية سليمة؛ تلك العادات تنعدم عند كثير من القبائل البدوية المتنقلة والأسر القروية الفلسطينية خاصة فيما يتعلق بتغذية المرأة الحامل والمرضع, كما في القرى البدوية الموجودة في غور الأردن وقرى الملالحة في قطاع غزة, وهذا ما أكده بحث لمنظمة الفاو قبل عدة سنوات.

كتب:د.نبيل أبو شمالة مدير عام السياسات والتخطيط بوزارة الزراعة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت