اتاتورك مصر ام نيرونها

بقلم: د.محمود صبرة


تجاوز الفريق السيسي ما صنعه سادته الاول من القادة العسكريين والسياسيين في مجال الاعتقال السياسي وتكميم الافواه وتقييد الحريات منذ ثورة 25 يناير وربما فيما قبل ذلك. هذا الفريق حديثا بعد ترقية الرئيس مرسي له ليصلح لتولي اعلى منصب عسكري في مصر اثبت انه ينتمي للمؤسسة العسكرية التي ظلت حاكمة والتي تم تشكيل عقيدتها بعناية داخلية وخارجية على مدى عقود من الزمن وابرز سماتها عدم قبول فكرة "الاسلام السياسي" او ان يكون الدين مرجعا في ادارة شئون الدولة.
فقد اراد هذا الفريق ان يثبت ولاءه لهذه المؤسسة ولعلمانية الدولة بل اكثر من ذلك ان يعيد للعسكر دورهم في ادارة شؤون الدولة والتمهيد للقضاء على مضمون الاسلام السياسي في مصر بشكل غير مسبوق عن كل من سبقوه من سياسيين وعسكريين على مدى عقود من عمر النظام السابق. وبهذا يكون هو المؤسس الحقيقي لعلمانية الدولة المصرية او ليصبح بمعنى اخر اتاتورك مصر.
ولكني كنت وما زلت معتقدا ان الجيش لا يمكن له ان يحسم الامور لصالح اتجاه معين او يفترض ذلك على الاقل. وأرى انه لولا التعاضد والترتيب الذي دبره الفلول مثل شفيق وسليمان سابقا وغيرهم من الفلول العربية في حضن المشيخة الاماراتية مغذاة بفوائض مالية لرشوة الفساد المستشري عميقا في الدولة المصرية في الجانب السياسي والبيروقراطي والعسكري لما خرج بيان السيسي الى النور. وقد اتضح هذا التآمر الطويل بانتهاء ازمات الكهرباء والغاز والبنزين بمجرد صدور بيان السيسي مما اكد لجل المصريين ان الامر مدبر.
ولكن لماذا لا يستطيع الجيش ان يحسم الأمور لان القاعدة الاخوانية العريضة والقاعدة الشعبية الاوسع التي انتخبت مرسي ستنزل للشارع لاسترداد الشرعية المسلوبة وحتما ستجذبهم او يجذبوها للصدام وتنزف الدماء ويتسع الحريق الذي اشعله السيسي ليصبح نيرون مصر ان لم يتم تدارك الامر. فلا يعتقد عاقل ان الاسلاميين عموما سيهادنون العسكر بعد اليوم ومع بداية خطيرة كالتي باشر بها السيسي واعقل هؤلاء الاسلاميين هم الإخوان، وغيرهم كثر سياساتهم تاريخيا مختلفا جوهريا عن الاخوان.
لا بد ان تكون النية لاستئصال الاسلاميين واضحة ومؤكدة وذلك ليس للتاريخ المشهود للعسكر وإنما بسبب المعارضة التي انحاز اليها السيسي وهي توليفة عفنة مرتزقة جلها يكره فلسطين وهي فيصل الشرف عند العرب ويترأسها الليبرالي البرادعي المتلعثم واتضح ذلك بتصريحات هذه الصنيعة الغربية بمحاولته وسعيه لإقناع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة بدعم الانقلاب وقد برر اغلاق القنوات المقربة من التيار الاسلامي بخطوات احترازية لحماية انجازات الانقلاب وهذه ليبرالية العجب التي تدعو لحكم العسكر وتكميم الافواه وتقييد الاعلام والاعتقال السياسي وعودة حالة الطوارئ.
ولا يظنن احد ان الصراع الليبرالي العلماني الاسلامي حديث العهد بمصر بل هو قديم منذ سقوط الخلافة الاسلامية فمنذ ان وافق التيار السلفي الديني على دخول النظام البرلماني الذي اعتبروه انذاك نظاما غربيا دخيلا نادى الليبراليون بالمساواة المطلقة بين الجنسين وإلغاء المحاكم الشرعية ففي عام 1926 مثلا ناقش البرلمان في دورته الغاء الوقف، وكذلك لم تلتفت هذه التيارات لتحديد موقف مما يحدث في فلسطين انذاك بل وساهموا في نشر الدعاية الصهيونية وذلك على عكس الاسلاميين تماما الذين اقصوا من الجانب الرسمي للدولة والسياسة بتهمة عدم الحداثة. المهم ان هذه الجذور التاريخية الاقصائية بحق الاسلاميين والتي امتدت حتى يومنا هذا هي التي ادت الى سيطرة وهيمنة هذه التيارات "المتحررة" على البيروقراطية الحكومية المتجذرة في النظام المصري قديما وحديثا وما صاحبه من سيطرة على الصحافة والإعلام و"الفن" الذي بات .... هذه الايام وهو ما قاد الى القدرة على خلق سيناريو الافشال لمرسي، وهذا الامر متشابه في جميع الدول العربية تقريبا.
فهل سيجر السيسي بلاده نحو الهاوية والحريق مقابل البقشيش الخليجي ولحماية جودة الفساد المحلي.
ام ان الجيش سيتدخل لتصحيح خطأ السيس وإعادة الامور لنصابها.
ام الاسلاميون سيسلمون رقابهم للذبح ويعودون ستين عاما وربما اكثر للوراء.
وهل سيستطيع المعارضون صناعة حشودهم السابقة مرة اخرى ام لا، وقد يعتمد ذلك على مدى تدفق التمويل الدولي والإماراتي لشراء الذمم.

د.محمود صبرة
كاتب وأكاديمي فلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت