قطاع غزة في ميزان الربح والخسارة للثورة الشعبية المصرية

بقلم: أكرم أبو عمرو


تابع الشعب الفلسطيني وما زال يتابع بكل اهتمام مجريات الثورة الشعبية المصرية وتداعياتها يوما بيوم وساعة بساعة ، والسبب هو عمق العلاقة بين الشعبين الشقيقين ، علاقة فرضتها الجغرافيا قبل التاريخ ، علاقة جعلت كلا من الشعبين قدرا للأخر ، وهنا اقتبس عبارة قالها الشيخ الشعراوي رحمه الله في احد المناسبات بعد شيء من التعديل إذا كنتم قدرنا كان الله في عونكم ، وإذا كنا قدركم أعانكم الله علينا ، عبارة يمكن توجيهها من كل شعب إلى شقيقه ، نعم ففلسطين قدر مصر ومصر قدر فلسطين مهما حدث من خلاف وغيرة ، هذا هو سر العلاقة بين الشعبين ، أقول هذا الكلام وأنا استمع إلى تصريحات وارى ممارسات من حق أبناء قطاع غزة الشعور بالقلق عند سماعها ، وربما قطاعات كبيرة من الشعب المصري لديه الحق فيما يقول وفيما يسمع ، بالطبع بسبب ما تثيره بعض وسائل الإعلام المصرية المختلفة بدون تدقيق فيما ينشر .
فلسطينيا أتابع ردات الفعل الفلسطيني على نتائج الثورة الشعبية المصرية ، وبعيدا عن المواقف الرسمية ، فإن الشعب الفلسطيني في هذه الحالة ينقسم إلى ثلاثة أقسام ، الأول من أيد وفرح وعبر عن سعادته بوسائل مختلفة بعد عزل الرئيس مرسى ، والثاني يرفض هذا الإجراء وقد عبر عن هذا بوسائل مختلفة أيضا ، والثالث آثر الانتظار لحين استقرار النتائج ويرقب التداعيات ، اعتقد وفي كل الأحوال ولكل قسم دوافعه من وراء هذا الموقف ، لكن يجب علينا عدم الوقوف عند ردات الفعل يالتاييد أو الشجب ، دعونا نضع أنفسنا في ميزان الربح والخسارة في هذه الثورة التي ما زالت تجتاح مصر ، ونقول هل هناك رابح حقيقي ؟ ، وهل هناك خاسر حقيقي .
للإجابة أقول نعم ، هناك رابحون وهناك خاسرون، فأما الرابحون فاعتقد أنهم ليسوا أعضاء وقادة جبهة الإنقاذ ، أو قادة حركة تمرد ، أو أعداء جماعة الإخوان المسلمين ، بل أن الرابح الحقيقي هو الشعب ، الشعب الكادح ، الشعب الطيب ، الشعب الغليان ، الذي أعياه الفقر والبطالة وما يترتب عنهما في يومه وغدة ، هذا الشعب الذي قام في لحظة وظرف ما باختيار من ظن انه المنقذ لهم ، من ظن أنهم إخوانه الذين يشاركونه همومه ومعاناته بل يتعرضون لنفس المعاناة ، وتمضي الابام وإذا بهذا الاختيار لم يأت لهم بما كانوا يأملون واستمر الحال كما هو بل ازداد سوءا، لا نريد الدخول في التفاصيل فالمكان لا يتسع ، فكان لا بد من التغيير واعتبار أن الثورة التي هبت يوم 25 يناير 2011 قد سرقت فلا بد من تصحيحها ، فكان النصر ، نعم فإن الرابح الحقيقي هو الشعب ، فإذا كان الرابح الحقيقي هو الشعب ، فمن هو الخاسر أيضا ، إن الخاسر في اعتقادنا ليست جماعة الإخوان المسلمون ، لان جماعة الإخوان باقية أفرادها وكوادرها وأعضائها وربما مؤسساتها ، ولكن الخاسر هي الممارسة والتطبيق على الأرض بما نادت به وتنادي ، واقصد هنا ليست الممارسة الدينية فالشعب المصري مسلم يعرف طريق مساجده ويعرف كتابه الكريم ، ولكن الممارسة هي الممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لم تحقق العدل والمساواة ، أو بمعنى آخر الإسلام السياسي الذي لم يحقق استيعاب الكل الوطني وبني على أساس الإقصاء والإبعاد وإنكار الآخر ، هذه الممارسة هي التي خسرت ، وهذا هو مفهومنا للربح والخسارة في الثورة المصرية ، إذن المسالة هي في ممارسة لم يرض بها الشعب ووجد فيها خطرا على مستقبله وكينونته وتاريخه ، خطرا على دولته ..
في ضوء هذا المفهوم للربح والخسارة ، أين يقف قطاع غزة الآن ، وفي ضوء علاقته التاريخية والعميقة بمصر بماذا يمكن تصنيفه في صف الرابح أو الخاسر ، تعالوا نرى ونقرأ ما نسمعه في وسائل الإعلام المصري ، وما يتخذ من إجراءات وآخرها إغلاق معبر رفح البري لليوم الثالث على التوالي ، بالنسبة لإغلاق معبر رفح نقدر الظرف المصري الحساس ، وما تقوم به الأجهزة الأمنية المصرية بمختلف فروعها وتشكيلاتها لتامين جزء هام من ارض مصر وهي شبه جزيرة سيناء هذه الخاصرة الموجعة لمصر عبر الزمان ، إن اعلاق المعبر و أخاله اعلاقا مؤقتا ما يلبث أن يعود للعمل ، ولكن أي عمل اعتقد انه سيعود إلى العمل بالية جديدة تفرض قيودا جديدة على أبناء القطاع في التنقل ربما تستمر بعض الوقت ، وسوف يتبع ذلك رقابة شديدة على الأنفاق بحيث لا تعود للعمل كما في السابق الأمر الذي سيغرق القطاع في بحر من المعاناة ، ليس هذا فحسب بل أن تواجد الفلسطينيين من أبناء القطاع في جمهورية مصر العربية قد يصبح محفوفا بالحرج وربما المخاطر ، لأننا هنا نصطدم بنظرة الشعب المصري إلى الشعب الفلسطيني فبعد أن كانت نظرة مؤيدة للقضية الفلسطينية والتعاطف ، الاحترام الكبير الذي حظي به الفلسطينيون عبر عشرات السنين ، إذن هناك تخوف شديد من انقلاب في هذه النظرة ربما إلى العكس ما يجعل أمام الفلسطينيين من صعوبات في المعاملة الشعبية المصرية للفلسطينيين لا يستطيعون تحمله على اعتبار أنهم وقفوا ضد الثورة الشعبية المصرية وضد رغبات وطموحات الشعب المصري ، واتهامهم بالتدخل في الشأن المصري ، وهذا ما نلمسه الآن في وسائل الإعلام المصرية وتصريحات العديد من المسئولين المصريين ، من تحذير للفلسطينيين من التدخل في الشئون المصرية .
إن نظرة جموع المصريين إلى الشعب الفلسطيني ليست نظرة مجزأة لذلك فإن تصرف نفر ما من أبناء هذا الشعب سوف ينعكس حتما على باقي أفراد الشعب فالجميع فلسطيني سواء أكان من حماس أو فتح أو أي فصيل ، وهذا ما نخشاه أن يؤخذ جميع السكان في قطاع غزة بجريرة العير ، وهذا ما حذرنا منه مرارا وتكرارا وما زلنا نحذر .
الخطورة هنا من غضبة الشعب المصري تجاهنا وليس غضبة الجهات السيادية ، لان الجهات السيادية على علم تام بما يجري في غزة وأبعاد الانقسام والخلافات الفلسطينية الفلسطينية لذلك ما تفرض سياسة مصرية معينة تجاه قطاع غزة في ظرف ما نجد أن الجهات السيادية تقوم بتعديلها فيما بعد أو إلغائها ، وفقا لتطور الظروف خاصة الأمنية منها ، إن نظرة الشعب الذي نتعامل معه مباشرة هي المشكلة ، فكيف يمكن أن نتعامل مع إخواننا وأشقائنا في الجامعات والمستشفيات وباقي المؤسسات وفي الأسواق ، وفي الشارع وفي المعابر والمطارات .
اعتقد أننا في حاجة ماسة إلى دعم أشقائنا المصريين والعرب حتى تتحرر فلسطين وتقوم الدولة الفلسطينية المستقلة ، وأنا على يقين من طيبة الشعب المصري وكم من أزمة نشأت بين الشعبين خلال السنوات الماضية ولكنها ذهبت أدراج الرياح ، وعاد الشعبين إخوة ، لكن الدرس المستفاد من ذلك ، أن هناك أعداء يتربصون بالشعبين وسوف يستمرون في زرع بذور الشقاق والفتنة بينهما فعلينا تفويت الفرصة عليهم ، وذلك بعدم الزج بالفلسطينيين في الأزمة المصرية على اعتبار أنها أزمة داخلية ومصرية صرفة ، ولوسائل الإعلام الفلسطيني بكل أطيافها دور كبير في هذا المجال بترسيخ مبدأ الإخوة بين الشعبين والدعوة بعدم التدخل في شئون الآخرين ، انطلاقا من مبدأ عدم استعداء الشعوب فعداء الشعوب شديد المرارة .

أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
7/7/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت