في الأسبوع الماضي ، ترجل الشاعر والكاتب والصحفي الفلسطيني مصطفى مراد عن صهوة حصان الشعر الجامح الذي امتطاه ، ومضى الى دنياه الأبدية وهو في قمة عطائه واوج شبابه ، بعد مسيرة حياة قصيرة لكنها حافلة بالعطاء الادبي والنشاط الثقافي ، تاركاً وراءه ارثاً شعرياً وأدبياً غزيراً وكبيراً بمعانيه وأبعاده .
الراحل مصطفى مراد هو من الشعراء والكتاب الفلسطينيين الشباب داخل الخط الاخضر ، ولد في قرية يافة الناصرة عام 1958، انهى دراسته الابتدائية فيها والثانوية في الناصرة ، التحق بجامعة تل ابيب وتخرج منها عام 1985 بموضوعي الأدب العربي والتاريخ ، وخلال دراسته الاكاديمية نشط في المجالين السياسي والثقافي وشارك في العديد من الندوات والحلقات الادبية والثقافية .
شغف مصطفى مراد بالشعر والأدب منذ نعومة اظفاره ، وبداً بنشر نتاجه الشعري وكتاباته الأدبية والنثرية في جيل مبكر، في العديد من المجلات والصحف الفلسطينية الصادرة هنا والمناطق المحتلة والخارج كالفجر والشعب والكاتب والشراع والفجر الأدبي والاتحاد والجديد والغد والهدف والميثاق وفلسطين الثورة وسواها . وفي العام 1979نال جائزة مهرجان الأقصى الأدبي ، الذي نظمته جامعة القدس .
عمل الراحل في الصحافة الفلسطينية لفترة طويلة ، وفي العام 1990 ساهم في محاولات انشاء رابطة الصحفيين الفلسطينيين ، التي لم تخرج الى النور لاسباب مختلفة . وفي العام 1992 أصدر مجلة "الطلائع" السياسية والثقافية الشهرية ، التي سرعان ما احتجبت وتوقفت عن الصدور لاسباب مالية ، نشر فيها سلسلة من المقالات الانتقادية التي اثارت جدلاً صاخباً بين أوساط المثقفين والمتأدبين ، ثم أسس منشورات "الطلائع" التي صدر عنها أكثر من 51 كتاباً لعدد من الكتاب والأدباء الفلسطينيين ، اضافة الى "منتدى الطلائع الثقافي " الذي نظم أكثر من خمسين ندوة ادبية في مدينة الناصرة عاصمة جماهيرنا الثقافية ،ثم بادر بالتعاون مع اتحاد الكتاب الفلسطينيين في رام اللـه الى اقامة وتنظيم مهرجان الشعر الاول في بلدة كفر مندا الجليلية ، والمهرجان الثاني في طمره والمهرجان الثالث في الناصرة ، بمشاركة عدد واسع من الكتاب والشعراء وممثلي وزارة الثقافة الفلسطينية واتحادات الكتاب والهيئات الثقافية والفعاليات السياسية .
انجز مصطفى مرار وأصدر عدداً من الدواوين الشعرية والمجموعات القصصية نذكر منها : " من الوطن ، انت الحقيقة انت الفرح، قصائد مكسرة ، قال البحار المدهش، اللـه والناس، كتاب الأشياء والأسماء، محمد وأبو محمد وشهاب الدين ، بنت وصبي " وغيرها .
عرف الفقيد مصطفى مراد بجسارة ارائه وصلابة مواقفه من مجمل القضايا السياسية والوطنية والثقافية والفكرية والابداعية ، وما يميز قصائده بأنها وطنية وسياسية ، ونجد الهم الوطني الانساني حاضر بقوة وبشكل طاغٍ فيها . ويطرح من خلالها قضايا وموضوعات ومحاور مرتبطة بالموضوع الفلسطيني ، وطناً وارضاً وقضية وانساناً ، تؤكد على انعطافة قوية في توجهه الابداعي ورؤيته الاجتماعية والانسانية والقومية والسياسية ، وفي تعامله مع لغة النص ، وينجح في خلق صورة فنية جديدة ومكثفة غنية بالمشاعر والألوان والخطوط والايحاءات والبصمات .
يقول الشاعر والناقد الفلسطيني الراحل طلعت سقيرق عن مصطفى مراد في كتابه "الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني " : " الشاعر مصطفى مراد يضع في قصيدته " الأرض" صورة الحبيبة التي تمسح كل صورة اخرى ، لتكون في المنظور العام كل شيء ،حيث " تكونين ملء الفضاء.. وملء السماء وأكبر ../ من كبرياء الأماني/ تكونين حين ترابك يفلت منك / فتدخل ذرّاته في عيوني / وأغلى وأغلى../ تكونين ايتها الأم يا جرحنا النازف / ضماد الجروح / تكونين كيف تكونين صاخبة ثائرة / وهادئة صابرة / تكونين بلسم روحي / فما شئت كوني .." . فأين حدود الصورة ، والى اي حد ذهبت في رسم معالم الحب ، تقول الاجابة ان الشاعر مصطفى مراد عاشق من نوع خاص ، فالأرض تقترب، ثم تقترب وتقترب ، وبعدها تاخذ الشكل الذي تريد ، والملمح الذي تريد، والصورة التي تريد ، ولكنها في كل ملمح ، وفي كل صورة ، تعطي المسافات والمساحات ، لتكون ظاهرة بشكل قد يبدو طاغياً مسيطراً للوهلة الأولى ولكنه في دفتر الحب لا يبتعد عن معنى حب الشاعر وعشقه لأرضه ".
مصطفى مراد شاعر متمكن من ادواته ، منحاز الى قضايا وطنه وشعبه ومنغمس في هموم المسحوقين والمعذبين على الأرض ، لم يكف عن الحلم ، ولم يحظ في حياته بالتقدير الذي يستحقه ، وظلم كثيراً بعد مرضه واعتزاله ، ومات بصمت وهدوء ، وبدون ضجيج وصخب اعلامي .
رحم اللـه الشاعر مصطفى مراد الذي كان نبعاً من العطاء ، والعزاء لعائلته واهله واصدقائه ولأسرة الادب والثقافة العربية الفلسطينية في هذه البلاد ، ونامل بأن يقوم اصدقاؤه وعائلته الكريمة بتوثيق تراثه وتخليد ذكراه بما يليق به ، وسلاماً لروحه .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت