انتصار تموز شكل منصة لصياغة التوازنات الجديدة ..

بقلم: عباس الجمعة


من المسلم به ان انتصار تموز شكل عاملاً حاسماً في التأكيد على أنّ خيار المقاومة، هو لغة القول الفصل في الصراع مع اسرائيل وفي مسار كلّ الأحداث ، وإن الحديث عن تسويات سلمية ومفاوضات مع هذا العدو، لم يعد مقبولاً، وان انتصار المقاومة في لبنان هو انتصارا على مستوى كل المنطقة، حيث شكل الانتصار نقطة ارتكاز في عملية الصراع ،وأسس لمعادلات كبيرة.
لقد توفرت الارادة والعزيمة لدى ابطال المقاومة من خلال عملية الوعد الصادق ، والايمان بعدالة القضية، وكان القرار السياسي صادق ،حيث برهنت حرب تموز، نجاح المقاومة في افشال الشرق الاوسط الجديد ، واكدت المقاومة خيارها الوحيد بالدفاع عن الارض والانسان وتحرير الاسرى ، وهذا الانتصار زاد من حجم المازق الامريكي في المنطقة، وخلق ابعادا سياسية جديدة في معادلة الصراع العربي الاسرائيلي، اهم هذه الابعاد يتمثل في تجديد ثقة الشعب العربي في خيار المقاومة.
اهم معطيات انتصار تموز انه شكل منصة لصياغة التوازنات الجديدة على مستوى الساحة الدولية، وما يحصل اليوم من هجمة شرسة تستهدف المقاومة وسوريا، إنما هو محاولة للاقتصاص من دولة محورية لها الفضل في انتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق.
صحيح أن طبيعة الأحداث تؤشر إلى أن إسرائيل وأميركا وحلفاءهما الغربيين وأدواتهم من العرب، يدفعون المنطقة نحو الفوضى الخلاقة وخاصة بعد محاولة السطو على الثورات العربية وتحويل مسارها الى مكان مجهول بالتوافق الامريكي مع الاخوان المسلمين ، حيث برهن الشعب المصري، أنه يمهل ولا يهمل. من يسرق أحلامه من قبل عصابات وزمر استخدمت كل الأساليب الملتوية ولجأت الى الدين من أجل تحقيق حلمها في السيطرة على أرض الكنانة للانطلاق منها باتجاه محو الهوية الوطنية العربية وتصفية القضية الفلسطينية وانهاء الصراع العربي-الصهيوني، خدمة للمشروع المسمّى "الشرق الأوسط الجديد"، الذي صيغ بالتوافق بين الامبريالية الأميركية والصهيونية والأنظمة الرجعية والذي يهدف الى تفتيت العالم العربي الى دويلات طائفية ومذهبية متصارعة تسهّل السيطرة على الثروات التي تزخر بها أرض العرب.
ولهذا لا بد من التأكيد ان المقاومة التي حققت الانتصارات ، وسجلت حكاية الأرض للسماء، فقهرت العدو الذي لا يقهر وهزمته، لا يمكن ان تنجر الى ما يخطط له البعض في الزواريب الداخلية خدمة لمشروع تفتيت المنطقة ، فيكفي هذه المقاومة انها كتبت التاريخ بأحرف من دم فكانت شهادة سيد الشهداء عباس الموسوي وقائد الانتصارين عماد مغنية ترسم المستقبل الى جانب صورة القائد الشيوعي الكبير الشهيد جورج حاويٍ مؤسس جبهة المقاومة وشهداء افواج المقاومة القادة محمد سعد وخليل جرادي وشهيدة الحزب القومي سناء محيدلي وشهداء الاحزاب والقوى الوطنية وكافة الشهداء صورة ناصعة البياض في تاريخ الأمة ، وافهمت من يهمهم الامر ان لبنان لن يكون مكسر عصا، وان هذا الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية بقيادة حزب الله، في العام 2006 شكل أرضية لكل المقاوميين ، كما شكل قناعة لدى قوى المقاومة الفلسطينية على ارض فلسطين، أكثر من أي وقت مضى، أنه بالإمكان هزيمة هذا العدو الصهيوني وتحرير الارض واستعادة الحقوق، كما ساعد هذا الانجاز على صمود الشعب الفلسطيني وبطولاته في غزة والضفة والقدس.
لقد كرست المقاومة الوطنية اللبنانية في انتصارها التاريخي الذي حققته في تموز مثالاً يحتذى به في تحرير الأرض العربية من رجس الاحتلال وتحرير الارادة العربية من آفات الخنوع والتخاذل، فنجاح المقاومة الوطنية اللبنانية أدى إلى تغيير اللعبة في المنطقة وأرسى أسساً جديدة لحركة الصراع ضد العدو وجعل المقاومة الحافز الملهم لكل عملية تغيير أو تطوير في الوطن العربي، إن هذا الانتصار الكبير للمقاومة اللبنانية البطلة أطاح بنظريات عسكرية كثيرة كانت سائدة وجعلت بعض النظريات قيد الشك، فالقاعدة التي كانت تعتمد عليها اسرائيل طوال حروبها الماضية في المنطقة والمتمثلة في تفوق سلاحها الجوي وفي قواتها المدرعة التي تدخل أرضاً محروقة قد سقطت نهائياً .
وامام كل ذلك شكل انتصار تموز 2006 محطة نضالية مضيئة في تاريخنا العربي المقاوم للمشروع الصهيوني العدواني على الأمة والشعب الفلسطيني، وقدم لبنان عينة نوعية من مخزونه المقاوم، ملقناً العدو درساً، ما زالت تداعياته مستمرة، داخل كيانه، على أكثر من صعيد حتى اليوم، هذا المخزون الذي جذرته سياقات المواجهة مع الصهاينة على مدى عقود من الزمن بفعل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، كما بفعل المقاومة السياسية للقوى والأحزاب الوطنية والقومية والتقدمية دون أن نغفل صمود الجيش اللبناني وأبناء الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، إضافة إلى هذا الاحتضان الرائع من وسائل الإعلام ، وكلها عناصر شكلت العمق الوطني الذي أسقط هيبة الجيش الصهيوني وأسطورته التي قيل فيها "إنها لا تقهر".
ان العدوان الصهيوني الوحشي على لبنان اضاف صورة جديدة من صور جرائمه البشعة حاول فيها النيل من صمود شعبه المقاوم، وما الاستهداف الصهيوني للمدنيين والبنية التحتية في لبنان وفلسطين سوى نموذج لسياسة المجازر وحرب الإبادة الجماعية التي انتهجها العدو الصهيوني خلال تاريخه الدموي الطويل.
وامام ذلك نرى الاصوات التي تتعالى من اجل تسعير نار الفتنة الذهبية من خلال عمل منظم لتشويه صورة المقاومة وتحويلها إلى ميلشيات تحمل السلاح تحت عناوين متعددة، ولهذا نقول أن المقاومة لا تقاس بزمن من الازمان، بل ندافع عنها كمشروع مقاوم في مواجهة العدو الصهيوني .
لقد أعطى الشعب اللبناني، دعماً قوياً ونهضة ثورية جديدة للأمة العربية بأسرها.. بعد ملحمة الصمود والبطولة التي سطرها أبطال المقاومة الاسلامية والوطنية بقيادة حزب الله وأمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله.
ولأجل كل ذلك، سيبقى تموز 2006 عاملاً حيوياً مضافاً إلى نضال الامة العربية والشعب الفلسطيني وهي تخوض صراع الوجود الحضاري والتاريخي ضد العدو الصهيوني، وحماته الإمبرياليين المستعمرين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، على ارض العزة والكرامة ارض فلسطين، حيث تشكل المقاومة الشعبية والوطنية الفلسطينية بمواجهة الاحتلال والاستيطان ومن اجل استعادة الارض والتحرير والنصر، هذه المقاومات هي الطلائع البطولية المتقدمة لمواجهة المخطط الأميركي-الصهيوني بهدف إفشاله ودفنه إلى الأبد.
ان انتصار تموز لم يكن انتصار للمقاومة في لبنان في مواجهة العدو الصهيوني فقط بل كان انتصاراً استراتيجياً للشعب الفلسطيني صانع الثورات والانتفاضات وصاحب السجل الاسطوري في الصمود أمام أسوأ وأبشع عدو عرفته البشرية وعرفه التاريخ المعاصر، هذا العدو الذي لا يتورع عن ارتكاب المجازر ومواصلة العدوان ونهب الأرض وإقامة وتوسيع المستوطنات وتهويد مدينة القدس، مدينة المدائن ودرة تاج رأس الأمة، ومواصلة سياسة الاعتقال بحق ابناء الشعب الأعزل، يؤكد لنا ان المفاوضات لم تكن خيار الشعب الفلسطيني اذا لم تستند الى اشكال النضال المختلفة من اجل تغير الموازين ،لان الكيان الاسرائيلي وحكوماته المختلفة لم تأخذ يوماً قراراً استراتيجياً بالسلام، وإن انتظار تحقيق الاستقلال الوطني بموافقة حكومة الاحتلال ما هو إلا وهم، والاستقلال الوطني للشعوب يتم انتزاعه بالتضحيات والمقاومة والصمود والكفاح، وان الاستقلال الوطني ننتزعه ولا ننتظره، و الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية لن يجدي نفعاً، فهي ليست راعية للسلام وأنما راعية للإحتلال الاسرائيلي والعدوان والاستيطان.
ان الشعب الفلسطيني الذي فرح لفرح الشعب اللبناني بانتصاره في حرب تموز لهو قادر على انتزاع حقوقه الوطنية ، وهذا يتطلب من جميع القوى والفصائل والشخصيات الوطنية العمل على انهاء حالة الانقسام المدمر والمخجل والمخزي، وانجاز المصالحة الوطنية الحقيقية والعودة لوثيقة الأسرى للوفاق الوطني باعتبارها القاسم المشترك لكافة القوى والفصائل الوطنية والاسلامية، وضرورة مواصلة طريق المقاومة بكافة اشكالها ، والعمل من أجل مزيد من تحقيق الانجازات والمكاسب والاعتراف الدولي بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، ومواصلة العمل لمزيد من العزلة على اسرائيل على المستوى الدولي والرسمي والشعبي وعلى كافة المستويات والمجالات، ورفض سياسة التطبيع السياسي والعلاقات التي تتم بين وللاسف قادة وثيقة جنيف واحزاب الاحتلال وكذلك مواصلة حملة مقاطعة المنتجات الاسرائيلية بشكل شامل وعدم اقتصارها على منتجات المستوطنات .
ان التاريخ يصنعه ابطال المقاومة وتضحيات الشعوب سيبقى عنوان التحدي والإرادة التي تهزم الاحتلال ، والشعب الفلسطيني قادر على الانتصار من خلال إصرار وإرادة شعب قدم قوافل كبيرة من الشهداء وفي مقدمتهم قادة عظام وعلى رأسهم الرئيس ياسر عرفات وابو العباس وجورج حبش وابو علي مصطفى وطلعت يعقوب والشيخ احمد ياسين وعمر القاسم وفتحي الشقاقي وخاض اعنف المعارك من اجل نيل الحرية والتصدي للمحتل، من خلال مسيرة نضالية لم تتوقف حتى تحقيق النصر قي هذا الزمن العربي الرديء .
ختاما :لا بد من القول سيبقى انتصار الوعد الصادق عنوان تاريخنا و طليعة انتصاراتنا ،وهو الجزء الأكثر إشراقاً في هذا التاريخ ، وان انتصاراتنا تشكل علامة فارقة في تاريخ صراعنا مع العدو الصهيوني الذي أصبح عاجزاً عن تحقيق أي هدف وبات همه محصوراً في كيفية الحفاظ على كيانه المهدد بالزوال، لان ارادة الشعب الفلسطيني ومعه كل احرار العالم وشرفاء الامة قادرة على هزيمة الاحتلال وتحرير الارض والانسان.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت