مرة أخرى "يشرفنا" السيد وزير الخارجية الأمريكية، في زيارة يقول إنها لدفع عجلة المفاوضات المستمرة منذ عقدين من الزمن، وهو يعلم كما أسلافه، انه لا يمارس سوى التدليس والخداع، حيث يعلم الجميع من هو الطرف الذي يرفض السلام والذي لا يقر بحقوق الآخر.
السيد كيري وباعتراف العديد من ساسة دولة الاغتصاب، وصل إلى طريق مسدود، بسبب التعنت الذي يبديه هؤلاء، الذين يتحدثون عن السلام للإعلام فيما هم ماضون بكل قوة لفرض المزيد من الوقائع على الأرض جعلت من موضوع حل الدولتين أمراً يصعب التحقيق.
أميركا التي "فشلت في محاولاتها" كافة لتحقيق تقدم من أي نوع على طريق المفاوضات، تعلم تماما انها لا تفعل المطلوب منها كدولة راعية لدولة الاحتلال، مدافعة عنها ومتبنية لها وموفرة كل ما يلزمها من اجل أن تبقى الدولة الأقوى في المنطقة، أي أن تكون أقوى من جميع الدول العربية مجتمعة، وعليه فإننا لا نعتقد بأن فعلت في يوم من الأيام ما هو فعلا مطلوب منها لإنهاء هذا النزاع.
لأن أميركا لا تريد إعلان فشلها بسبب تعنت قيادات دولة الاغتصاب، فهي لا تنفك ترسل المبعوثين على أساس "أن في الحركة بركة" ولكي تقول للعالم أو تحاول نقل رسالة مفادها انها مهتمة بموضوع السلام في المنطقة، وإنها لا تنفك تحاول طرق كل الأبواب، والبحث عن السبل الكفيلة بتحقيقه، علما انها ومن جهة أخرى تقوم بدعم دولة الاغتصاب سرا وعلانية.
عندما "وفي كل مرة" تنسد الأبواب في وجه المبعوثين الأمريكيين، فإنهم لا يتورعون عن تحميل المسؤولية ولو بشكل غير مباشر للطرف الفلسطيني، وينهال التهديد والوعيد على الطرف "الأضعف" الفلسطيني، من اجل تقديم المزيد من التنازلات، للوصول إلى "تسوية سلمية" لهذا الصراع. وفي هذا الإطار سمعنا والعالم عن التهديدات التي وجهها كيري، والمتعلقة بوقف المساعدات للفلسطينيين إن لم يظهروا مزيدا من "الليونة والاستجابة" للمطالب الأمريكية، والتي هي في حقيقة الأمر ليست سوى مطالب قادة الاحتلال والتي تتبناها أميركا.
الطرف الفلسطيني وفي ظل الواقع العربي، حيث الكل مشغول بهمومه ومشاكله الداخلية والخارجية، يقف واحدا وحيدا في وجه العنجهية والصلف الصهيوني، والدعم والمساندة الأمريكية، وهو يحاول حث "إخوانه" من أمة العربان، لكي يلتفتوا إليه في خضم هذه الضغوط التي تمارس بشكل كبير، إلا أن من الواضح أن أحدا لا يستجيب إليه أو يكترث بما يعانيه.
نعلم ان السيد كيري كان قد فشل في مساعيه منذ الجولة الأولى، حتى لا نقول قبل ان يبدأ، لكن هذا لا يعطيه الحق بتهديد الجانب الفلسطيني، لا هو ولا سواه، حيث ان "الشعب الفلسطيني" ليس في حالة استعجال من أمره، وبإمكانه ان ينتظر ستة عقود أخرى من اجل استرجاع حقوقه، على ان يقدم تنازلات لإرضاء هذا الطرف أو ذاك، أو من اجل ان يحقق كيري أو سواه مجدا على حساب الحق الفلسطيني، فهذه قصة مرفوضة تمام، وليذهب كيري وغيره إلى حيث ألقت إذا كان يعتقد بأننا سنساعده تحقيق أمجاده على حساب الثوابت الوطنية والحقوق غير القابلة للمساومة.
ما قيل عن اجتماع طويل جمع بين كيري وعباس في الأردن، وان المباحثات كانت مثمرة كما وصفتها بعض التقارير، يرى البعض انه لا يختلف كثيرا عن الاجتماعات السابقة، والتي كان كيري يخرج على إثرها، مبشرا ان الأمور تسير على خير ما يرام، حيث من غير المعتقد بأن يصرح غير ذلك إلا إذا كان الرجل ساذجا، وكذلك من يعتقد بأنه سوف يصرح بغير ذلك.
لن يكون مستغربا ولا غريبا ان يحاول كيري استثمار علاقاته العربية كما كان عليه الحال في العديد من المرات، من اجل الضغط على الجانب الفلسطيني، الذي نعتقد بأنه يدرك تماما ما هي مسؤولياته، وما هي حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للمساومة، والتي على رأسها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة وعاصمتها القدس، وما عدا ذلك، فان ليس من حق احد ان يساوم على الحق الفلسطيني مهما كان حجم الضغوط التي يمكن ان يواجهها.
ما يطرحه الجانب الفلسطيني ليس شروطا مسبقة، بالإضافة إلى ذلك، فإن دول العالم تقر بان الأراضي الفلسطينية تعتبر أراض محتلة ويجب إقامة الدولة الفلسطينية عليها وهذا ما أقرته الجمعية العامة في إعلان الدولة الفلسطينية، وعلى الطرف الفلسطيني التمسك بهذا الحق، لا بل عليه ان يُفًعٌلْ العديد من القضايا المتعلقة بإعلان الدولة.
ما يقال عن تقديم بوادر "حسن نية" من الجانب المعتدي، لا يعني تقديم ثمنا مقابلا، حيث هذه من القضايا التي تم الانتهاء منها منذ اتفاق أوسلو، وعليه فهي استحقاقات وليس منة من أحد.
على كيري ان يدرك، انه وكما لدى الجانب المعادي سياساته التي يمارسها يوميا على الأرض من اجل المزيد من العقبات في وجه إقامة الدولة، فان لدى الجانب الفلسطيني أيضا العديد من أوراق الضغط والتي ليس آخرها إيقاف التنسيق الأمني والذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية.
على الجانب الفلسطيني ألا يستكين أمام الضغوط الأمريكية، وعليه ان يجعل كيري يفهم انه إما ان يكون وسيطا نزيها أو ليترك هذا الشأن لتتم معالجته في الأمم المتحدة حيث الأصل في حل مثل هذه القضايا.
17-7-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت