إسرائيل في حيرة من أمرها، ما بين الارتياح لثورة مصر الثانية، وخشيتها من عدم الاستقرار في مصر، إذ أن ما يهم إسرائيل بالدرجة الأولى، استقرار عملية السلام بينها وبين مصر وفقاً لاتفاقية "كامب ديفيد"، ثم استئصال ما يسمى بالجهاد الإرهابي من سيناء، الذي يطال أحياناً الإسرائيليين، وهناك أصوات إسرائيلية تعتبر أن إزالة حكم الإخوان المسلمين، يصب في مصلحة إسرائيل، وأصوات مناقضة ترى عكس ذلك، فالاهتمامات والمتابعة الإسرائيلية لما يحدث ويجري في مصر، يمثل أولوية قصوى في وضع الإستراتيجية الإسرائيلية من مصر، وهذه التطورات أربكت حسابات إسرائيل، وفي نفس الوقت-وحسب جريدة "هآرتس 5-7-2013"- فإن ما حدث لاقى الإعجاب في تمكن الشعب المصري من إسقاط الرئيس "محمد مرسي"، وحسب مراسل جريدة "يديعوت احرونوت 6-7-2013" في القاهرة، فإن رواد المقاهي مقتنعون بأن مرسي عميل إسرائيلي، فيما يرى وزير الشؤون الإستراتيجي "شتاينتس" أن إسرائيل معنية باستقرار الوضع السياسي والاقتصادي في مصر، وأن سقوط الأخوان يوفر لإسرائيل طاقة إيجابية عظيمة، "يديعوت احرونوت 8-7-2013".
في المحاضرة التي ألقاها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أفيف كوخافي" في مؤتمر هرتسليا الإستراتيجي بتاريخ "14-3-2013"، جاء في محاضرته، أن مصر ستواجه هزة جديدة، سوف تؤثر على الشرق الأوسط بكامله، وأن الأمور في مصر تسير في اتجاه المواجهة، فيما كان الأخوان المسلمون يعدون أجندتهم لإقامة دولة إسلامية في مصر، بصورة تدريجية، وحسب الكاتب السياسي "ناحوم برنيع"، الذي كتب تحليلاً في جريدة "يديعوت احرونوت 5-7-2013"، اعتبر أن حكم الإسلاميين على المدى البعيد سيكون سيئاً لإسرائيل، وأن مواجهة عسكرية مع إسرائيل احتمال وارد، لكنه يعتبر بأن نظاماً علمانياً مدنياً، أو نصف عسكري في مصر، يبقي جميع الاحتمالات مفتوحة، ويضيف: عندما سقط نظام "حسني مبارك" قبل عامين ونصف العام، بكى عليه الإسرائيليون، غير أن سقوط مرسي لا وجود لإسرائيلي واحد يبكي عليه.
سفير إسرائيل السابق في مصر "تسفي مرزيل"، قال بأن ثلاث جهات على الأقل فوجئت مما حدث في مصر: البيت الأبيض، ووسائل الإعلام الإسرائيلية، و"مرسي" شخصياً، إلا أن الاستخبارات الإسرائيلية لم تفاجأ، وعنونت جريدة "هآرتس 5-7-2013" عنوانها الرئيسي: الانقلاب إلى أين؟ فالشعب المصري غاضب من الفقر، وغاضب من الزعامات العربية، وتساءلت: إلى أين سيقود هذا الغضب؟ وكيف ستكون العلاقات بين إسرائيل ومصر وحماس؟ ووصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق "غابي اشكنازي" عزل "مرسي" بأنه هزة أرضية، وحذر من ردود فعل غاضبة للإخوان في أعقاب عزله، أما المحلل الإسرائيلي "روني دنيئيل"، فاعتبر أن الإطاحة بـ "مرسي" جيد لإسرائيل والعالم العربي، ويقول المحلل العسكري "الكس فيشمان"، أن الضربة لم تطل الإخوان فحسب، بل طالت حركة حماس على الصعيدين السياسي والفكري، معتبراً أن فشل إقامة نظام إسلامي ديني في أكبر دولة عربية، سينعكس سلباً دون شك، على إمارة حماس في قطاع غزة، بينما حذر محلل إسرائيلي آخر، من أن حركة الجهاد الإسلامي، والمنظمات الإسلامية المصرية يشكلون نقطة ضعف النظام المصري في سيناء، مما يضطر الجيش المصري إلى معالجة وضع سيناء، ولن يكون بد من موافقة إسرائيل بالسماح لدخول قوات مصرية إضافية إلى سيناء، لكن المطلوب مصرياً-حسب المحلل- ضخها المزيد من المشاريع والمال إلى القبائل البدوية في سيناء، التي لا تتعاطف مع الجهاد الإسلامي والقاعدة، هذه القبائل التي عانت كثيراً من إهمال السلطات المصرية لسنوات طويلة.
اللواء احتياط "عاموس يدلين"، رئيس شعبة الاستخبارات سابقاً يقول أنه يتواجد في مصر ثلاثة قوى هي: الجيش، الإخوان المسلمين، والقوى الليبرالية العلمانية، يضاف لهم الأغلبية الصامتة، فهناك خيبة أمل كبيرة من الثورة منذ اعتلاء "محمد مرسي" الحكم، ومن الإخوان الذين لم يحققوا للجماهير المصرية توقعاتها، غير أن هناك إجماعاً في الرأي الإسرائيلي، بأن مصلحة إسرائيل هي بقاء مصر مستقرة، ومرتبطة بالولايات المتحدة، وتمتنع عن الانجرار وراء التطرف الديني، وأكد اللواء "يدلين" أن عدم الاستقرار في مصر، لا يخدم إسرائيل، بينما صرح وزير الأمن الإسرائيلي الداخلي اسحق اهرونوفيتش أن علاقات جيدة وحميمة كانت تربط "محمد مرسي" مع إسرائيل، على كافة الصعد- يديعوت احرونوت 6-7-2013- وفي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، قال 44% من المستطلعين، أنه لا تغيير في مسار العلاقات الإسرائيلية-المصرية، فقد قامت إسرائيل على الفور بإرسال مبعوث إلى القاهرة، لإجراء سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين، بهدف توطيد العلاقات والتنسيق الأمني، وتقول جريدة "يديعوت احرونوت 5-7-2013"، أن العلاقات الأمنية بين إسرائيل ومصر، في عهد الرئيس "مرسي"، كانت جيدة جداً، حتى أن جريدة "معاريف 6-7-2013"، أشارت إلى أن الإعلام الإسرائيلي أخذ يهاجم الجيش المصري، وينتصر للإخوان، إذ أن "مرسي" -حسب الجريدة- حافظ على أمن إسرائيل، أكثر من "مبارك".
في ضوء القرار الأميركي بإعادة البحث في المساعدات الأميركية المقدمة إلى مصر، بعثت الحكومة الإسرائيلية برسالة عاجلة إلى الإدارة الأميركية جاء فيها، أنه من المهم عدم المساس بالمساعدات الأميركية المقدمة لمصر، وعدم وصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري، وأنها تأمل بأن تستيقظ الإدارة الأميركية من سذاجتها التي ميزت علاقاتها مع العالم العربي حتى يومنا هذا، فالولايات المتحدة تقدم لمصر مليار وثلاثمائة مليون دولار وفقاً لاتفاقية "كامب ديفيد"، بينما تقدم لإسرائيل وفقاً للاتفاقية، ملياران ونصف المليار دولار، وأكثر ما تخشاه إسرائيل هو وقف المساعدات الأميركية لمصر والذي سيؤثر على اتفاقية كامب ديفيد، غير أن المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، ودولة الكويت، أعلنوا عن تقديمهم معونة لمصر تصل إلى (12) مليار دولار، أي أكثر بكثير من المساعدات الأميركية لمصر، وحسب التحليلات، فإن المساعدات الخليجية لمصر، تندرج في التصدي للحركات الإسلامية من جهة، ولإعادة دور السعودية لقيادة العالم العربي.
وأخيراً .... فقد اتخذت الحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف، موقفاً إيجابياً من الثورة المصرية، بصورة غير معلنة، فالإخوان بنو حركتهم خلال ثمانين عاماً، وانهاروا في ثلاثة أيام، وأن تقييم المخابرات الإسرائيلية لوزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بأنه بارد الأعصاب، وطني مصري مخلص، يعرف كيف ومتى يتخذ القرار، فهذه أهم وجهات النظر الإسرائيلية بالثورة المصرية الثانية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت