لا شك أنّ القضية الفلسطينية لها أبعادها القومية والإسلامية والدولية ، ولها ارتباطها العضوي والموضوعي بهذه الأبعاد ، وهذا يعني أنّ فلسطين الأرض والشعب والقضية بحاجة إلى كل جهد عربي وإسلامي ودولي ، وأنّ أي توتر في العلاقة بين فلسطين وأية دولة عربية أو إسلامية أو دولية ليس في مصلحة القضية الفلسطينية ، وقد انعكس ذلك في الماضي سلباً على شعبنا ، ودفع شعبنا أثماناً باهظة في العديد من الدول العربية .
وما يحدث في الشارع العربي والذي سُمي بالربيع العربي كان له تأثيره وانعكاسه الخطير على ساحتنا الفلسطينية ،حيث وجد الفلسطينيون أنفسهم أمام موقف لا يحسدون عليه ، فحركة الشارع العربي وانقسامه على نفسه بالموقف من النظام العربي وضع الفلسطينيون أمام حالة خطيرة ، وأصبحت أية خطوة يمشيها الفلسطينيون يجب أن تحسب بدقة متناهية ، فلكل اتجاه عواقبه ، ولن يسلم الفلسطينيون من أي موقف يتخذونه اتجاه ما يجري في الشارع العربي ، هل هم مع الأنظمة العربية ، هل هم مع الشارع العربي الغاضب على نظامه ، أم هم مطالبون بموقف الحياد مما يجري عربياً ؟
وأكثر المواقف حرجاً للفلسطينيين كانت في كل من سورية ومصر ، ففي سورية رغم الاتفاق بين كافة الفصائل الفلسطينية على الموقف الفلسطيني المحايد وبالتالي تحييد المخيمات الفلسطينية من الأزمة السورية ، ألاّ أنّ العديد من المخيمات الفلسطينية دفعت ثمن مواقف خاطئة للبعض الفلسطيني ، سواء كانوا فصائل أم أشخاص ، فثمة مواقف عملية على الأرض دعمت النظام ضد المعارضة ، وثمة مواقف إعلامية رأت فيها المعارضة والشارع السوري أنها إلى جانب النظام ، على حين كانت مواقف إعلامية أخرى رأى فيها النظام أنها تدعم المعارضة ، ولم يلتفت طرفي الأزمة في سورية إلى الموقف المحايد لغالبية اللاجئين الفلسطينيين في سورية ، ولا إلى الموقف المحايد الذي اتخذته اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية من الأزمة السورية ، وهذه المواقف أدخلت معظم المخيمات الفلسطينية في بوتقة النار السورية ، كما أنّ هذه المواقف المتعددة والمتناقضة لفصائل فلسطينية كانت متحالفة ومتوافقة فيما بينها قبيل الأزمة السورية زاد من شرخ الانقسام الفلسطيني داخلياً ، وها هو مخيم اليرموك وبشكل خاص ومعه مخيم حندرات في مدينة حلب يدفعان الثمن غالياً ، وينعكس ذلك هجرة جديدة للاجئين الفلسطينيين ليغادروا مخيماتهم إلى لبنان والأردن ومصر وغزة وأوربا .
أمّا بالنسبة للموقف الفلسطيني مما يجري في مصر فقد كان الموقف أكثر تعقيداً وحرجاً ، حيث وجدت حركة " حماس " كونها الفرع الفلسطيني في حركة الإخوان المسلمين متورطة أكثر وأكثر بالوضع المصري الذي تحول اليوم إلى أزمة حقيقية ، أصبح لها انعكاسها الواضح على الساحة الفلسطينية ، بينما وجدت الرئاسة الفلسطينية نفسها تسارع بتقديم التهنئة للوضع المصري الجديد الغامض المعالم ، فغابت بذلك لغة الحياد الفلسطيني الرسمي التي تعاملت مع الأزمة السورية ، وانعكس الانقسام الفلسطيني على المشهد المصري فازداد انقساماً ، وأصبحت الساحة المصرية وبكل أسف ساحة صراع فلسطيني ـ فلسطيني ، وأصبح كل طرف فلسطيني يوجه التهم للطرف الآخر بافتعال مشاكل للمصريين سواء في سيناء أو القاهرة ، ومن مفارقات الأمور بالنسبة للأزمة المصرية أنّ التيار الإسلامي الفلسطيني في فلسطين التاريخية أخذ موقفاً خطيراً جداً وهو اعتبار نفسه جزءاً من الأزمة المصرية وطرفاً فيها ، وذلك عندما رفعت الحركات الإسلامية يافطات التأييد لشرعية الرئيس محمد مرسي ، ووصل الأمر بالحركات الإسلامية أن تجعل من المسجد الأقصى منبراً لتأييد شرعية محمد مرسي برفع صورته على المسجد الأقصى والصلاة له ، ونتيجة لذلك اتسم الانقسام الفلسطيني بسمة جديدة هي سمة التدخل الفلسطيني بالشأن المصري ، وقد حدثت ردود فعل مصرية على التدخل الفلسطيني بالشأن المصري ، سواء كانت شعبية أو رسمية أضرت بأمور أبناء شعبنا الفلسطيني المتواجدين في مصر .
وأمام التدهور في العلاقات الفلسطينية الداخلية المطلوب من الكل الفلسطيني أن يعيد حساباته بالنسبة لحالة الوضع العربي ، وذلك قبل أن ينتقل الاقتتال الداخلي العربي إلى الداخل الفلسطيني وهو أحد أهداف العدوّ الصهيوني في هذه المرحلة وذلك بهدف رمي الاحتلال الصهيوني خلف الظهر الفلسطينية ، وانصباب الاهتمام الفلسطيني كله على تحديد الموقف الفلسطيني من حالة الوضع العربي .
أن أي موقف فلسطيني متسرع اتجاه الوضع العربي القائم لا يخدم القضية الفلسطينية ولا يخدم الشعب العربي الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ، فليس من المصلحة الفلسطينية رغم الارتباط العضوي والموضوعي بالوضع العربي أن يتدخل الفلسطينيون رسمياً وشعبياً في الوضع العربي ، فالقضية الفلسطينية بحاجة إلى سورية بكل مكوناتها الشعبية والرسمية ، كما هي بحاجة إلى مصر بكل مكوناتها الشعبية والرسمية ، كما هي بحاجة إلى كل قطر عربي ، وليس من المصلحة الفلسطينية معاداة الأنظمة على حساب الشعوب ، أو معاداة الشعوب على حساب الأنظمة ، حيث تقتضي المصلحة الفلسطينية الحفاظ على الوجود الفلسطيني في كافة الدول العربية وذلك بالتأكيد على موقف الحياد الفلسطيني من حالة الوضع العربي الداخلي ، ومن المصلحة الفلسطينية أن نقول لأنفسنا كفلسطينيين أولاً ولكل العرب ثانياً ، لنعد جميعاً إلى رشدنا وننهي انقساماتنا الداخلية ونوقف شلال الدم في شوارعنا ، فما أحدٌ له الوطن وحده ، الوطن للجميع ، وعدونا الأمريكي الصهيوني هو المستفيد الوحيد من حالة الانقسام والاقتتال العربي الداخلي ، فإلى متى نبقى نحقق لعدونا استمرار انقسامنا وتفرقنا واقتتالنا .
حمص في17/7/2013 صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت