جولة كيري والمفاوضات ومن المستفيد

بقلم: عباس الجمعة


لم نتفاجأ بنتائج جولة كيري الاخيرة في عمان وعقد اللقاءات التي تمت بحضور ما يسمى لجنة المتابعة العربية الذي تقدم الارض الفلسطينية على طبق من فضة للاحتلال والاهداء للامريكي ، فكيف لا وهم لم يفعلون للشعب الفلسطيني والشعوب العربية سوى خيبات الامل منذ نكبة 1948 مرورا بهزيمة حزيران 67 وصولا الى تهويد الارض الفلسطينية وقدس الاقداس ، يريدون من الطرف الفلسطيني العودة الى ما يسمى المفاوضات ، هذه المفاوضات ضربت بها حكومة الاحتلال عرض الحائط منذ اتفاق اوسلو وحتى الان ، حيث استدرج من خلالها الطرف الفلسطيني الى مستنقع لم تعرف نتائجه تحت يافطة تجميد غير معلن للاستيطان خارج القدس والكتل الاستيطانية الكبرى" واطلاق سراح عدد من اسرى ما قبل اتفاق اوسلو 1993 على خمس دفعات، وتسهيلات اقتصادية.
السؤال التي نتوجه فيه لمن يريد التفاوض ومن يضغط من العرب على الفلسطيني للعودة الى مسار المفاوضات ، لماذا لم تتعلموا بأن الادوار المتبعة من قبل الحكومات الصهيونية المتعاقبة نتيجتها واحدة وهي الاصرار على سرقة الارض و المياه و تهويد القدس و الاغوار والنقب و جرائم و ارهاب لم يتوقف بحق الانسان الفلسطيني و محاولات محمومة لكسر ارادته في المقاومة واجراءات عقابية لم يسلم منها بيت فلسطيني وانتهاكات طالت الصغير و الكبير في عموم فلسطين و حصار ظالم لأهلنا في قطاع غزة ، كل هذه الممارسات و الاجراءات و التي تتنافى و ابسط قواعد القانون الدولي والتي تضرب عرض الحائط بالمواثيق و الشرائع الدولية و قد تمت بدعم و مساندة غير مسبوقة من طرف الادارات الامريكية المتعاقبة ، و رغم ان تلك الممارسات ترتقى حسب كل الخبراء و المعنيين بحقوق الانسان الى جرائم حرب و جرائم ضد الانسانية الا ان الولايات المتحدة شكلت على الدوام الراعي والضامن لمرور مثل تلك التجاوزات دون عقاب من الاسرة الدولية فالاستيطان يأكل الارض و الطرق الالتفافية تلتهم ما تبقى منها و تجري عمليات النهب على قدم و ساق و برعاية امريكية و صمت دولي لا مثيل له في التاريخ بمعنى اخر العالم يقف عاجزا عن وقف الاجرام و الارهاب و العنصرية الصهيونية .
وامام هذا الوضع اتى قرار الاتحاد الاوروبي باستثناء الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من اية اتفاقيات تعاون مشترك مع دولة الاحتلال الاسرائيلية وهو بالفعل يشكل خطوة ايجابية ذات دلالات سياسية وينبغي البناء عليها من اجل ابراز الوجه الحقيقي لدولة الاحتلال والاستيطان ، وهذا يتطلب الاستفادة منه من خلال التحرك الدبلوماسي على المستوى الدولي من اجل اجبار دولة الاحتلال على الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة،وثانياً تسلط الضوء على مخططات حكومة المستوطنين الاستيطانية التي تستهدف مد السرطان الاستيطاني الى معظم اراضي الضفة الفلسطينية وتهويد القدس لقطع الطريق على امكانية اقامة دولة فلسطينية مستقلة وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
إن ما قدمه كيري من وعد للفلسطينيين، حول تحريك الأوضاع الاقتصادية، وتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين ، محل السلام السياسي، وإنهاء الاحتلال، وعدم التوجه إلى المؤسسات الدولية"، خاصة محكمة الجنايات الدولية، يؤكد ان الموقف الامريكي نال ما اراده ، وان العودة الى المفاوضات وفق هذه الرؤية لم يحقق اي اختراق ، بل أن الرابح الاكبر من هذه المفاوضات سيكون حكومة الاحتلال المتمسكه بشروطها ، ورفضها للشروط الفلسطينية
وفي ظل هذه الظروف نتطلع الى رسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال وخاصة على الصعيد الدولي من خلال دخول دولة فلسطين إلى جميع المنظمات والمؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة وتلك التي تتيحها العضوية المراقبة، ومغادرة السياسة الانتظارية التي تقف على أبواب المنعطفات والاستحقاقات ، ومطالبة المجتمع الدولي للضغط على حكومة لوقف جرائمها بحق الشجر والحجر والبشر ، ووكذلك مطالبة العالم بعزل اسرائيل دوليا ، وانهاء ملف الاستيطان وتحرير الاسرى ، وتغيير موازين القوى ، لصالح فلسطين بحصولها على دولة كاملة العضوية في الامم المتحدة .
ان استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية،اصبح يشكل ضرورة ملحة في هذه المرحلة الحاسمة من النضال الوطني والتمسم بخيار المقاومة الشعبية الشاملة للاحتلال الاسرائيلي وممارساته العدوانية بحق الشعب الفلسطيني ، ودعوة كافة القوى الحية والمؤسسات الوطنية والاهلية الى تفعيل حملة المقاطعة الشعبية لمنتجات دولة الاحتلال الاسرائيلي فلا يعقل ان نطالب العالم بالمقاطعة فيما نرى رموز وقيادات مستمرة في عملية التطبيع السياسي مع احزاب ووزراء في دولة الاحتلال وتحديدا من قبل طاقم مبادرة جنيف اضافة الى بعض التجار على المستوى الاقتصادي .
إن الحالة الفلسطينية بحاجة إلى إجراء المراجعة السياسية والوطنية ومغادرة الإستراتيجية القائمة حالياً على خيار حصري هو المفاوضات، وامتلاك أوراق القوة الفلسطينية في مواجهة حكومة التطرف والمستوطنين الإسرائيلية، واستنهاض عناصر القوة الذاتية، فإن العامل الذاتي الفلسطيني هو العامل الحاسم لإخراج المشروع الفلسطيني من أزمته.
في ظل هذه الصورة يجب وقف الرهان على الدور الامريكي ومغادرة هذا المسار الانتظاري ، وإخراج الوضع الفلسطيني من مرحلة الجمود الى مرحلة ستمكننا من طرق منافذ و طرق اخرى اكثر جدوى و فاعلية لنضالنا الوطني فلا رجاء من ادارة امريكية وضعت كل امكاناتها بيد كيان عنصري وتواصل سياسة المناورة و الخداع للتنصل من شروط التسوية العادلة والشامله .
ختاما لا بد من القول علينا ان ندرك ان الطريق الاصوب و الاسلم لدفع مختلف القوى لمراجعة سياساتهم ينطلق من مواقف فلسطينية وعربية حازمة تصون المصالح الوطنية والقومية والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت