لم يكن يوم الخميس 18/7/2013 يوماً عادياً في رام الله ، فالاجتماعات الفلسطينية لكل من مركزية حركة " فتح " وتنفيذية منظمة التحرير الفلسطينية وبعض الأمناء العامين ورؤساء الكتل في المجلس التشريعي ، وما نتج عن هذه الاجتماعات بتشكيل لجنة صياغة للرد على مقترحات جون كيري ، وبأن الرد الفلسطيني هو تمسك بالشروط الفلسطينية للعودة إلى المفاوضات ، كل ذلك زرع في الشارع الفلسطيني أملاً كبيراً بأنّ الفلسطينيين لن يخضعوا للابتزاز الأمريكي الذي يريد منهم التخلي عن شروطهم لاستئناف المفاوضات ، أو كما يسميها كبير المفاوضين الدكتور صائب عريقات بالالتزامات المطلوب تنفيذها من الجانب الصهيوني ، ولكن اجتماعات يوم الجمعة المنفردة بين جون كيري وكل من عريقات وأبو مازن قلبت ظهر المجن في الشارع الفلسطيني ، وتحول أمل الشارع الفلسطيني بموقف فلسطيني صارم إلى يأسٍ وحيرة وتساؤل نتيجة الخضوع الفلسطيني المطلق للضغط والابتزاز الأمريكي .
منذ الزيارة الخامسة لجون كيري إلى فلسطين التاريخية والشارع الفلسطيني يسمع ويقرأ التصريحات الفلسطينية المتمسكة بشروط العودة للمفاوضات والتي أساسها حدود الرابع من حزيران 1967 ، وإيقاف الاستيطان ، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين قبل اتفاق أوسلو ، ولكن ما حدث في نهاية الزيارة السادسة أن كانت ضربة كيري قاضية على كل الشروط الفلسطينية .
وكنا مساء الخميس قد سمعنا تصريحاً للسيد أمين مقبول أمين سر المجلس الثوري لحركة " فتح " يقول فيه ( ان توافقا تم مع جون كيري وزير الخارجية الامريكي على مطالب القيادة الفلسطينية بالعودة الى المفاوضات وفق حدود الرابع من حزيران واطلاق سراح الاسرى ووقف الاستيطان، ولكن المركزية تطالبه بإعلان ذلك بشكل معلن ومكتوب من قبل الامريكان على مسمع الاسرائيليين. ) ومقبول الذي يؤكد التوافق مع جون كيري على المطالب الفلسطينية يؤكد في نفس الوقت على (ان اعلان مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم بعدم موافقة اسرائيل على استئناف المفاوضات على اساس حدود 67 وتبادل الاراضي فجّر كل جهود وزير الخارجية الامريكي جون كيري التي قام بها على مدار الايام الماضية. ) ، وهذا يعني بأنه لا موافقة صهيونية على المطالب الفلسطينية ، مما جعل السيد مقبول يؤكد على (لكن مقبول استبعد ان يتم الاعلان عن العودة الى المفاوضات خاصة بعد تصريحات مكتب نتنياهو بشأن حدود 67. ) ، فكيف تم إذاً قبول الذهاب إلى واشنطن لاستئناف المفاوضات دون تلبية أي مطلب فلسطيني ، ودون أن يكون ذلك معلناً ومكتوباً من قبل الأمريكان وعلى مسمع الصهاينة .
بينما تمضي الجبهة الديمقراطية لتقول على لسان أحد مسؤوليها (من جديد وصلت جولة كيري المكوكية السادسة إلى طريق مسدود، لم يحمل وزير الخارجية الامريكية "ورقة مكتوبة، أو افكار امريكية ملموسة، أو اسرائيلية تنزل عند قرارات ومرجعية الشرعية الدولية "بحدود دولة فلسطين على حدود 1967، واستئناف المفاوضات على أساس حدود 1967. ) ، إذاً كيري وصل إلى طريق مسدود فكيف فـُتح الطريق أمامه مساء الجمعة ، ويمضي تصريح الجبهة الديمقراطية للقول (الاغلبية الساحقة من أعضاء اللجنة التنفيذية والفصائل الفلسطينية انتهت في اجتماع الخميس 18/7/2013 إلى رفض الانجرار إلى "فتح مفاوضات" دون اقرار حكومة نتنياهو بحدود 1967 دون وقف الاستيطان في القدس والضفة الفلسطيني ) ، فإذا كانت الأغلبية الساحقة في اللجنة التنفيذية ترفض الانجرار للمفاوضات حسب الشروط الصهيونية ، فكيف قبل رئيس اللجنة التنفيذية محمود عباس ذلك مساء الجمعة ، وما الذي تبدل وتغير خلال الأربع والعشرين ساعة من وراء ظهر اللجنة التنفيذية ؟ ولكن تصريح الجبهة الديمقراطية تخوف مساء الخميس مما حدث مساء الجمعة فقال (وحذر المصدر المسؤول من الوقوع الفلسطيني والعربي في "فخ المناورات والأفكار الغامضة والملتبسة، واستئناف المفاوضات بشروط نتنياهو المسبقة برفض حدود 1967 واستمرار الاستيطان". ) ، إذاً كان ثمة ما يشير إلى أن قرار الموافقة بالعودة إلى المفاوضات كان جاهزاً قبل اجتماعات الخميس ، ولم تكن اجتماعات الخميس سوى إخراج مسرحي لإعلان الموافقة الفلسطينية على عودة المفاوضات .
فإلى متى ستبقى الساحة الفلسطينية رقعة شطرنج للاعب واحد فقط ، يحرك بيادقها كيف يشاء وفي الوقت الذي يشاء ، فالموافقة الفلسطينية بالعودة إلى المفاوضات وفق هذا الإخراج المسرحي لها لا يتحمل مسؤوليتها فقط الرئيس الفلسطيني ، بل يتحمل مسؤوليتها كل من شارك في اجتماعات مركزية " فتح " وتنفيذية المنظمة ، وأية تصريحات من أي فصيل فلسطيني أو شخص فلسطيني كان مشاركاً في الاجتماع هي تصريحات هوائية ، وهي تصريحات للاستهلاك في الشارع الفلسطيني ، فالشارع الفلسطيني ليس غبياً إلى هذه الدرجة التي تعتقدها التنفيذية وكل الفصائل الفلسطينية ، فالفصيل الفلسطيني الذي يرفض الذهاب الفلسطيني إلى المفاوضات عليه إعلان انسحابه من اللجنة التنفيذية فوراً ، لأنه لا معنى لوجوده داخل التنفيذية إذا كان رئيس التنفيذية لا يلتزم بقرار الأغلبية ، ويتم تمرير القرارات الإفرادية باسم اللجنة التنفيذية مجتمعة ، فكل الفصائل المشاركة في اللجنة التنفيذية هم شهود زور على ما جرى من مواقف فلسطينية يوم الجمعة .
ونتيجة ما جرى يومي الخميس والجمعة نجد أنفسنا نسأل التنفيذية مجتمعة ، إلى متى سيبقى المفاوض الفلسطيني يرتمي في أحضان السيد الأمريكي ، وإلى متى سيبقى الرهان على واشنطن ، وهل بقي في جسد المفاوض مكاناً لم يلدغ فيه ، وكيف ستقبل واشنطن أن تكون حدود الرابع من حزيران 1967 أساس التفاوض ، وواشنطن هي التي وقفت في وجه الدولة الفلسطينية بحدود الرابع من حزيران عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة وذلك عندما لجأت اللجنة التنفيذية لأخذ قرار بذلك من مجلس الأمن في أيلول عام 2011 ، كما أنّ واشنطن هي التي وقفت ضد قرار الجمعية العامة بقبول فلسطين دولة مراقب فيها ، ولماذا ينسى المفاوض الفلسطيني بأنّ واشنطن هي التي ضغطت ليبقى القرار الأممي بقبول فلسطين دولة مراقب حبيس أدراج الجمعية العامة وأن لا يرى النور أبداً ، وكانت تصريحات الرئيس المتكررة بأنه لا يريد عزل الكيان الصهيوني دولياً ، ولا يريد أن ينزع الشرعية الدولية عن الكيان الصهيوني ، فالعودة اليوم وبقرار إفرادي إلى المفاوضات وبالشروط الأمريكية الصهيونية هو التنازل الفلسطيني عن القرار الأممي باعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال .
حمص في20/7/2013 صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت