في ظل حالة التمزق والتشتت والتناحر التي تعيشها المنطقة العربية والاسلامية ، وخصوصا الاقتتال الدموي في سوريا وانشغال كلا من حزب وايران في دعم النظام السوري ،ومشاركة الحزب في القتال الى جانبه ضد المعارضة المسلحة ، والمجموعات المسلحة الغير سورية ، والتي جاءت للقتال في سوريا من كل حدب وصوب ، والتمزق الطائفي في العراق ، وعمليات القتل والارهاب التي تنفذ هناك على الهوية ، وكذلك النزيف في الباكستان واليمن وافغانستان ، والموت المنظم والجوع في الصومال ، وحالة الانقسام في مصر ، وكذلك الانقسام الفلسطيني ، وماتشهده ليبيا من تناحر ،وتقسيم السودان ، وانشغال تونس ، ومشكلة الجزائر مع المغرب ، ومشاكل المغرب وموريتانيا ، وتفاعلات وارتباكات الوضع التركي والاردني ، ولبنان الذي يجلس على برميل من الفتن والكراهية والتوتر والقلق والصراع والاحتقان الطائفي ، وماهو مرشح وقوعه في العديد من الدول العربية والاسلامية ، وانهيار مشروع الكيان والدولة الوطنية في المنطقة العربية ، يعيش قادة العدو الصهيوني حالة من النشوة والطمأنينة لعدة سنوات مقبلة !!، مطمئنون انه لاخطر جدي وحقيقي يمكنه استهداف الكيان الصهيوني ، وفي هذا السياق أكد وزير حرب العدو موشيه يعالون يعلون خلال زيارته شركة الصناعات الامنية "رفائيل" أن ( الجيوش العربية غارقة في مشاكلها الداخلية ، ولا يوجد خطر في أن تهاجم اسرائيل في السنتين المقبلتين على الأقل، ولا يوجد احتمال في أن يفاجئ العرب اسرائيل بحرب مثلما حصل في حرب 1973) ، مشيراً الى الانعكاس الامني للاحداث في سوريا ومصر ولبنان تحديدا على الحدود مع الكيان الصهيوني ، وتتحدث التقديرات الاسرائيلية عن «تمزق وانهيار في الجيش السوري سيشل هذا الجيش لسنين طويلة»، ورغم كل هذه الأوضاع المطمئنة للكيان الصهيوني ، فقد قررت قيادة جيش العدو إبقاء الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة والجولان السوري المحتل، على رأس اجندتها باعتبارها «جبهة ساخنة اساسية»، وشكَل رئيس اركان جيش العدو بيني غانتس ( شعبة قتالية ضخمة خصيصاً لمواجهة الأوضاع في هضبة الجولان ) ، لمنع تكرار مفاجأة الهجوم العربي ( المصري والسوري ) على الدولة العبرية في حرب 1973تشرين أول/ اكتوبر ، وفي أثناء تفقد يعالون الحدود الجنوبية الفلسطينية / المصرية، تحدث عن «الجبهة السورية» ، وعن «الخطوط الحمر التي تجعل اسرائيل تتحرك بقوتها العسكرية الضاربة» وقال بعجرفته المعهودة وغروره وصلفه مهددا ومحذرا: ( لقد حددنا خطوطاً حمراً وقلنا اننا حريصون على الحفاظ على هذه الخطوط ولن نسمح بتجاوزها) .
ويتصدرملف سوريا وحزب الله أجندة السياسيين والعسكريين ووسائل الإعلام الصهيونية يوميا، خصوصا وأن الدولة العبرية تعتبر أن انتصار] تحالف روسيا، ايران، حزب الله ، والاسد[ ، سيضع تحدياً خطيراً على حدود فلسطين المحتلة الشمالية ،واعتبر السفير الصهيوني السابق في الولايات المتحدة ايتمار رابينوفتش، ان الرئيس بشار الاسد هو الرابح الاكبر من الأحداث التي تشهدها مصروقال: ( يحاول الأسد ان يصور نفسه في المنطقة وفي العالم كزعيم علماني يدافع عن سورية وعن العالم العربي ضد الموجة الاصولية التي تهدد باجتياحهما ، وليست صدفة تصريحاته التي أطلقها فور سقوط مرسي ، ورحب فيها بخطوات الجيش المصري ، اذ اراد اظهار وجه الشبه بينه وبين وزير الدفاع المصري ، وحتى اذا كان الأسد يبالغ في عرض الإنجاز، فلا ريب في أن الاحداث في مصر تمنحه رياح اسناد ودعم كبيرين، خصوصاً ان الرياح تعصف في فترة يتمتع فيها نظام الاسد بزخم وإنجازات، لعل ابرزها بعد معركة القصير ومعارك حمص ) .
وعلى عكس التوقعات والأمنيات الاسرائيلية، تغيرت الصورة التي رسمتها وتمنتها الدولة العبرية لسورية، منذ بداية الأحداث المؤسفة فيها ، ولم يعد أحدا في الكيان الصهيوني يتحدث عن رحيل الأسد عن الحكم ، ومن راهن على تجنيد دولي واسع يضمن تدخلاً في سورية تراجع عن موقفه ، خصوصا بعد موقف الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي أعلنه في قمة الثماني الكبار في ايرلندا الشمالية مؤخرا بـ : ( عدم الانجرار الى تدخل عميق في سورية ) ،و أوضح رابينوفتش: ( مع ان الرئيس اوباما اعلن ان الاسد استخدم بالفعل سلاحاً كيماوياً ضد سكان سوريين، وتجاوز بذلك خطاً أحمر، ولكنه اكتفى بالحديث بصوت خافت وامتنع عن الاعلان عن دعم مكثف للمعارضة. وحلفاء واشنطن في اوروبا ليسوا مستعدين للعمل من دونها. فيما ايران ألقت الى المعركة بحزب الله، الذي يقاتل الآن علناً وبكل قوته الى جانب الاسد. وبقيت المعارضة السورية منقسمة واضطرت مرة اخرى الى تغيير رئيسها ) .
وتعيش الدولة العبرية حالة من التوتر والهلع عقب معلومات مؤكدة ان سورية ستتسلم في غضون اسابيع قريبة صواريخ «اس-300»، الروسية، وعلى وجه السرعة توجهت وزيرة القضاء تسيبي لفني الى موسكو لمناقشة القضايا الامنية وصفقة الصواريخ لسورية ، فالدولة العبرية تبذل كل جهدها لمنع وصول أية أسلحة متطورة أوغير تقليدية إلى «حزب الله» وسورية، والتي ستحد من حرية التحليق لطيران العدو في الاجواء اللبنانية والسورية ، وتبذل الدولة العبرية جهودا جبارة من أجل «تجفيف» مصادر الاسلحة وأجهزة التجسس المتطورة للطرفين، وتخصص ( موازنة ضخمة لاستخدام مختلف وسائل التجسس والتنصت لضمان الحصول على صورة دقيقة وواضحة عما يحدث في لبنان وسوريا ) ، حتى تتمكن من تحقيق اهدافها وتنفيذ خططها التأمرية والعدوانية ، ولتضمن استمرار التفوق المطلق لها في المنطقة ، وان القلق الصهيوني من وصول هذه الصواريخ المتطورة ، وغيرها من الأسلحة النوعية ، ليس فقط خوفا من تهديد حرية ونشاط وسلامة طائرات سلاح الجو الصهيوني ، التي تحلق في الاجواء الشمـالية، فـوق لـبـنان وسورية، لتـنفيذ مهمات اسـتخـبارية وتـنفـيـذيـة وعسكرية وعدوانية ضد الشعبين الشقيقين اللبناني والسوري ، إنما الخوف من سـيطرة «حزب الله» على هذه الاسلحة أو جزء منها ، في حال سقوط أو بقاء الـنظـام السوري ، وقد وصل جيش العدو الى ذروة حملته الاعلامية والسياسية والتحريضية حول الاوضاع الامنية تجاه لبنان وسورية، منذ مطلع الشهر الحالي ، واستحدث يومياً موضوعاً ليثيره إعلاميا وسياسيا مع تحذيرات وتهديدات مباشرة ، وعندما انفجرت سيارة مفخخة بحي بئر العبد الأكثر إكتظاظا بالسكان في الضاحية الجنوبية لبيروت / معقل حزب الله ، اعلن العدو الصهيوني عن إجراء تدريبات عسكرية واسعة على احتلال بلدة لبنانية جنوبية في معسكرللجيش الصهيوني يقع شمال فلسطين المحتلة في مدينة صفد المحتلة المطلة على بلدات جنوب لبنان، ويحاكي التدريب سيناريو احتلال مدينة بنت جبيل اللبنانية الجنوبية ، وهي من اهم معاقل حزب الله في الجنوب اللبناني ، وشملت التدريبات نـشر جيـش العدو فـي كل المناطق في المدينة وكيفية السيطرة على مخابئ مقاتلي «حزب الله» في اقل من 24 ساعة ، وارتقى مستوى وشكل ونوعية التصريحات والمواقف الصهيونية الى الدمج الكامل بين «حزب الله» وسورية، ومن ناحية أخرى أعلن رئيس اركان جيش العدو بيني غانتس، عن تشكيل ( شعبة خامسة ) تركز نشاطها في الجولان السوري المحتل، لمواجهة المخاطر المتصاعدة في هذه الجبهة ، وقد كشف مسؤول عسكري صهيوني كبير: ( ان «حزب الله» يتواجد في شكل مكثف في منطقة الجولان السوري، ويجمع معلومات استخباراتية ، ويرصد تحركات الجيش ووحداته العسكرية ) . ويمكن لكل مراقب ومتابع الربط مباشراً بين تصريحات رئيس الأركان الصهيوني غانتس وهذا المسؤول العسكري الصهيوني ، وكشف غانتس إن الهدف من اقامة هذا اللواء أو الشعبة : ( هو مجابهة خطر هجمات كبيرة أو صد عمليات صغيرة من الجانب السوري، تخطط تنظيمات معادية لتنفيذها في منطقة وقف اطلاق النار، الفاصلة بين طرفي الحدود ) ، وسينضم هذا ( اللواء الجديد ) الى ( الفرقة / الوحدة ) المعروفة باسم ( غاعش-36 ) وهي احدى اكبر فرق ووحدات المدرعات النظامية التي يتركز نشاطها في الجولان المحتل ، والحدود مع لبنان وغزة، وادعى غانتس ان المخاطر في منطقة الجولان متصاعدة، في اعقاب احتدام الاقتتال في القنيطرة والمناطق الحدودية، ما يتطلب قيادة جديدة لضمان الامن ، ولاستكمال استعراض القدرات الاستخبارية والقتالية والدفاعية كشف غانتس : ( ان الدولة العبرية اعادت تكثيف نشاطها الاستخباراتي تجاه لبنان وسورية. ونصبت جهازاً هوائياً على طائرات من دون طيار للتنصت على اجهزة الاتصالات لعناصر «حزب الله» في لبنان وتنظيمات اخرى معادية ) ، وهذا ( الجهاز يعمل عبر ترددات عالية ) ،والجهاز يحتوي على كاميرا مرتبطة بوحدة المراقبة داخل الجيش، ولدى تفعيل الجهاز يتم التقاط صورة المتحدث، الهدف، في الجهاز ومضمون حديثه. وادعت الدولة العبرية ان هذا الجهاز يساعدها على ترقب تحركات عناصر «حزب الله» ونشاطاتهم ، وحتى تضمن الدولة العبرية التجسس والتقاط اكبر مساحة ممكنة من الطرف الآخر من الحدود اقامت حقل جديد ومتطور للرادارات والهوائيات ، واعلن الجيش الصهيوني عن توسيع ( وحدة النورس ) الاستخبارية لمراقبة الحدود ، واضاف اهدافاً جديدة الى بنك اهدافه في لبنان ، وأكد قائد هذه الوحدة الجنرال يفتاح سيبوني أنه : ( يتم رصد تحركات «حزب الله» وبناء على ذلك يجري الجيش تحديثاً أولاً بأول لقائمة الأهداف التي سيهاجمها، ويضيف أهدافاً جديدة باستمرار، وهذا هو الهدف الاساسي من نشاطاته، وتعمل الوحدة الآن على تقديم معلومات حول الاوضاع في بلدات الجنوب اللبناني وستكون مهمتها خلال المواجهات، تزويد قيادة الجيش على مدار اليوم، بالتطورات الميدانية ومساعدة الجيش على توجيه ضربات دقيقة ) . وأضاف سيبوني: ( لا يقتصر عمل الجنود على تحديد مواقع الأهداف، بل ارسال معلومات دقيقة حول موقع الأهداف في ساعة الحسم للوحدة «91» المتمركزة في الجليل، والتي تتولى تنسيق المهمات في الجبهة الأمامية أثناء الحرب مع «حزب الله»، كما يعمل جنود «النورس» بهدوء، ويقيمون نقاطاً عسكرية كاذبة للتمويه، بينما يختبئون في مواقع سرية تصل إلى يومين أو ثلاثة ويخرجون إلى الميدان ساعات كل أسبوع ) .
ولم يتوقف الجيش الصهيوني عن نشر المزيد من قواته في الجبهة الشمالية على الحدود مع لبنان وسوريا ، من باب استعراض العضلات والترويج والتحريض ،ومقدمة لضربة استباقية ، وحرب عدوانية جديدة تخطط لها دولة العدو ستكون موجهة ضد حزب الله ، وضد بعض الفصائل الفلسطينية التي باتت هي الأخرى تعزز وجودها العسكري والأمني واللوجيستي في الجانب المحرر من هضبة الجولان ، وتدرك دولة العدو يقينا ، أن الحرب المقبلة مع حزب الله والمقاومة اللبنانية ، وحلفاءه في الساحة اللبنانية والفلسطينية وعلى أرض سوريا ، لن تكون نزهة ، فلم يعد خافيا ، انه وفي الوقت الذي يخطط فيه جيش العدو لاعادة احتلال مدن وقرى وبلدات جنوب لبنان ، فغان حزب الله وحلفاءه يخطط لتحرير جزء من شمال فلسطين المحتلة ، ويخطط تحديدا الوصول حتى مدينة صفد المحتلة شمال فلسطين المحتلة ، لذلك لك يكن عبثا ، الاعلان عن التدريبات العسكرية الصهيونية لاحتلال مدينة بنت جبيل اللبنانية الجنوبية تتم في إحدى معسكرات الجيش الصهيوني في مدينة صفد المحتلة ، وهذا جزء من الحرب النفسية المتبادلة ، ومن الواضح ان المنطقة رغم كل مايقوله العدو الصهيوني عن الحالة والجيوش العربية مقدمة على تصعيد وصيف ملتهب قد يكون شمالا ، وقد يكون جنوبا .
د.محمدأبوسمره
رئيس مركز القدس للدراسات والاعلام والنشر ( القدس نيوز )
مؤرخ وخبير استراتيجي
غزة ـ فلسطين
البريد الاليكتروني [email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت