ما من شك ان التغير الذي حدث في مصر باسقاط مرسي والاطاحة بحكم الاخوان المسلمين هو انجاز عظيم ، وملحمة اسطورية سطرها الشعب المصري في لحظة تاريخية حاسمة . وكان للجيش المصري ، وعلى رأسه الفريق أول عبد الفتاح السيسي ، الفضل الكبير والدور الرئيس في احداث هذا التغير . وقد اثبت هذا الجيش ولاءه وانحيازه للوطن والشعب ، وليس للأحزاب والطوائف والمذاهب ، وانقذ مصر من خطر حقيقي داهم واخرجها من الأنفاق المعتمة والمظلمة . وكما كان لموقف هذا الجيش المناصر لثورة يناير الدور الحاسم في ارغام الرئيس محمد حسني مبارك التنحي عن سدة الحكم فها هو ينتصر اليوم مجدداً لأرادة الشعب المصري . وسوف يكتب التاريخ في سجلاته ، بحروف ناصعة من نور، اسم السيسي ، لأنه كان له الفضل الأعظم في تخليص مصر من كابوس وخطر حكم الاخوان المسلمين .
والواقع ان هناك الكثير من الناس يرون في هذا التغيير انقلاباً على الشرعية متناسين ان الشرعية الوحيدة هي شرعية الشعب ، وأكبر استفتاء هو استفتاء الشعب، الذي انتخب مرسي ومنحه الثقة ، وعندما رأى انه ليس اهلاً لهذه الثقة ثار ضده وخرج بالملايين الى الشوارع والميادين والساحات العامة مطالباً بازحته عن الحكم .
ان الأخطاء التي ارتكبها مرسي وجماعته هي التي اضرت بهم وبحكمهم ، وكما قال المثل "على نفسها جنت براقش " ، وقد جنوا على انفسهم بما فعلوه هم ورئيسهم بمصر وقضائها ودستورها ومؤسساتها وشعبها ما كان ابداً ان يفرغ من ثورة الغضب الشعبي والجماهيري الساطع ولا انحياز القوات المسلحة المصرية لارادة هذا الشعب ، الذي تمرد على حكمهم لأن رئيسهم محمد مرسي لم يحقق ما كان يتطلعون ويصبون اليه بعد ثورة 25 يناير 2011 من الحياة والعيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ، حيث شهدت حقبة مرسي تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، وتنامى الفقر والبطالة والفساد ، وتزايدت الجرائم ، وانهار النظام العام،وغرقت البلاد بأزمة سياسية، وتراجعت الخدمات الاجتماعية، وتعطل الاستقرار الضروري للنهوض بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية . واثبتت ممارسات ومواقف مرسي وجماعته ارتباطهم بامريكا وحليفاتها بالمنطقة وعلى رأسها قطر ، وانخراطهم في مشاريع اجهاض الدولة الوطنية لصالح المخطط الاستعماري المشبوه في المنطقة . وظهر ذلك جلياً في السياسة التي اتبعها محمد مرسي تجاه قطاع غزة والحرب الدائرة في سورية ودعوته للجهاد في اراضيها ومناصرة القوى السلفية والتكفيرية الارهابية .
لقد نسي الاخوان ان مصر ام الدنيا ، مصر العروبة، مصر النيل ، مصر جمال عبد الناصر ، ذات التاريخ الحضاري والقومي والثقافي العريق الضارب في عمق الارض ، انها ليست قبيلة او عشيرة او امارة تنقاد لجماعات سلفية وغيبية مناهضة للتقدم والعصرنة والتمدن والحضارة والحداثة ومعادية للفكر الانساني الحديث ، وللقوى التقدمية والعلمانية والليبرالية واليسارية والديمقراطية . وان مصر شهدت خلال القرنين الماضيين نشوء وبروز تيارات وحركات واتجاهات سياسية اصلاحية وتجديدية قادها ساسة وزعماء ومصلحون ومفكرون ومتثاقفون كبار وعظام أدت الى احداث ثورة فكرية نهضوية في المفاهيم والمعايير القيمية في المجتمع المصري الحديث ، وترسيخ اسس ومبادئ الدولة المدنية العصرية والمجتمع المدني الديمقراطي .
يمكن القول ان الثورة في مصر، التي اطاحت بحكم مرسي وجماعته ، هي في الحقيقة والواقع ثورة تصحيحية لمسار ثورة يناير العام 2011 ، وانها دليل ومؤشر واضح على سقوط "التاسلم السياسي "، وفشل لشعار "الاسلام هو الحل"، وتراجع للخطاب السلفي الطائفي التكفيري، وانهيار لمشروع الاخوان المسلمين الرامي الى اعادة البلاد الى حكم الخلافة وعصور الجاهلية وكهوف الظلام والتخلف والجهل والامية . واثبتت ان مشروع الاسلام السياسي لا يتناغم ولا يأتلف مع شعارات "الحرية والعدالة والديمقراطية ". ولعل هذا السقوط المدوي للاسلام الساسي وفشل تجربة لاخوان المسلمين ، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك انه لا مستقبل للاسلام السياسي في صورته الراهنة في هذا العالم العصري الحضاري التعددي المنفتح .
ان المشهد السياسي الراهن لا زال بعيداً عن الاستقرار ، وقد يستغرق وقتاً طويلاً ، لكن هنالك حقيقة واضحة لا لبس فيها ان وضعاً جديداً حدث في مصر بعد ان سقط حكم الاخوان المسلمين ، وان المصريين سيواجهون تحديات المرحلة الانتقالية المتمثلة بمسلكيات انصار وجماعات الاخوان وتمسكهم باستعادة مرسي، وتهديدهم باستدراج مصر الى حلقات ومسلسل الارهاب والقتل وسفك الدماء والفوضى الخلاقة والهدامة. لكننا على ثقة تامة بأن الشعب المصري العظيم قادر على تجاوز وتخطي ازمته ومحنته الراهنة بفضل تماسكه ووحدته الوطنية الغلابة ، وانه يدرك جيداً دوره في حماية الثورة ومكتسباتها وانجازاتها وعدم سرقتها واختطافها سياسياً مرة أخرى مثلما حدث لثورة يناير 2011 ، وحتمية اصطفافهم واحتشادهم امام صناديق الاقتراع المقبلة، من استفتاء على الدستور وانتخاب مجلس النواب وانتخاب رئيس الجمهورية . وباعتقادنا ان ذلك يصب في عودة مصر لتتبوأ ريادتها وموقعها ومكانتها العروبية والقومية في مواجهة كل المشاريع الامبريالية والاستعمارية في المنطقة الرامية الى تجزئة وتقسيم الاقطار العربية .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت