ناجي العلى ريشته ترفض الهدنة ومازالت تطلق النار (قراءة من وسط المخيم)

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي


ناجى العلى ، أيقونة فلسطين الثائرة ، الصارخة ، أيقونة الفقراء والمهشمين ،في الإحياء الفقيرة للمخيمات الفلسطينية في الداخل والشتات
الذي عرفناه برسوماته الناقدة ، بأسلوب لاذع لمحاور القضية الفلسطينية وأطلق نيران ريشته على الامبريالية ورأس ثعبانها أمريكيا ، وحليفتها الابن اللقيط إسرائيل ، ولم تستثنى ريشته الناطقة الرسمية باسم الفقراء تجاوزات ملوك ورؤساء العرب ، حتى المتسلقين والمتنطعين من الفلسطينيين ، والمتفحص لرسوماته اليوم يجد أن حنظلة ولد من جديد يحمل ريشته الرشاشة ليطلق نيرانه على المتسلقين الجدد ..
ريشته عالجت حتى ما أفرزته رياح الربيع المزري العربي ، وعالجت بشكل صارخ- بل وحاربت- دعاة الانقسام الفلسطيني والعربي ، باختصار ممكن القول أن ناجى بريشته سبق عصره بنصف قرن من الزمان ..

أنتج ناجى في حياته ما يزيد عن 40 ألف رسم كاريكاتيري، كانت سببا لاغتياله في لندن عام 1987، بالتعاون ووحده الهدف بين الموساد الصهيوني ، وأرانب الرجعية العربية وأذنابهم ..


والعلي من مواليد قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة سنه 1937م، وهو ممن هُجروا قسرا من أراضيهم عام 1948.


عاش حياته بين مخيم عين الحلوة في لبنان وبين الكويت، وأستشهد بعدما كان قد تزوج من وداد صالح نصر من بلدة صفورية الفلسطينية وأنجب منها أربعة أولاد هم خالد وأسامة وليال وحسنيه

رحلة شيقة بين رسومات ناجى العلى

أولا- لوحة (مفاتيح البيوت المعلقة على أسلاك شائكة تنتظر يوم العودة:.( .
هي واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر"، هكذا وصفه الاتحاد الدولي لناشري الصحف في باريس عام 1988، وقد منحه الاتحاد جائزة "قلم الحرية الذهبي"، واختارته صحيفة "أساهي" اليابانية كواحد من بين أشهر عشرة رسامي كاريكاتير في العالم.
تنقل ناجي في حياته ما بين لبنان (مخيم عين الحلوة) وبين عمله في الكويت، يحمل أوراقه وأقلامه، وفي قلبه يحمل همّ فلسطين التي عاش من أجلها، وكذلك مات.. ويحمل غصة كبيرة حين أدرك مبكرا حجم المؤامرة الدنيئة بين فرنسا وبريطانيا والصهيونية على وطنه فلسطين. تشهد جدران البيوت في المخيم معاناة ناجي العلي عبر رسوماته التي تطورت بشكل كبير حين نما وعيه السياسي مبكرا، وقد شرد مع آلاف اللاجئين مع أهله عام 1948 لتحط عائلته الرحال في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان..



ويصادف يوم 29 آب أغسطس هذا العام الذكرى الخامسة والعشرين لاغتيال ناجي العلي على يد مجهول في لندن، وكان قد أطلق عليه الرصاص في 22/7/1987 وتوفي لاحقا في إحدى مستشفيات لندن.
تروي رسومات ناجي سيرة فلسطين منذ اغتصابها من قبل الصهيونية. وتروي قصة الشعب البطل الذي ثار وناضل منذ ما قبل الاغتصاب، ضد العصابات الصهيونية المدعومة من الانتداب البريطاني على فلسطين.


ويروي سيرة التشرد والحرمان والفقر والتآمر الذي واجهه الشعب الفلسطيني في المخيمات. وتبقى المرأة الفلسطينية هي الأمل، وهي الأم التي تحث على النضال، وهي المرأة القوية التي تدير شؤون الأولاد، وهي التي تشجع زوجها على الصمود، وهي التي تروي قصة الخيانات العربية ممثلة بأصحاب الكروش.


ولعل من أجمل الرسومات التي شدتني هي رسم الحمار الذي يقول: "بالأمس كنت حمار، واليوم بعدني حمار، وغدا سأكون حمار. عندي طموح أتغيّر وأصير حصان، بس في جماعة من البني آدميين مقتنعين وناوين يضلوا بأحضان أمريكا إلى أبد الآبدين.. عليهم العوض!!". وفي رسم آخر يقول الزوج لزوجته فاطمة متهكما من حبلها المتواصل، وقد علقت على الحائط صورا لأولادها الشهداء: " كلّه منك.. احبلي يا فاطمة.. وخلْفي يا فاطمة.. فلسطين بدها رجال يا فاطمة.. وبالآخر بيستشهدوا واحد ورا الثاني دفاعا عن التنظيم والأنظمة!!.. يا مصيبتك يا فاطمة!!".


أما حنظلة، الشخصية الكاريكاتيرية التي أحبها ناجي، والتي اعتبرها أيقونة تحميه من السقوط، فيقول عنه: " ولد حنظلة في العاشرة من عمره، وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء".


وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي: " كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع". وعندما سئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة، أجاب: " عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".


لكن حنظلة كثيرا ما ثار على ناجي، فكان يطلق الحجارة تضامنا مع أطفال الحجارة في فلسطين، وكثيرا ما كان يحرر يديه ليكتب على الجدران،

فمهمة الكاريكاتير، كما يراها ناجي" تعرية الحياة بكل معنى الكلمة.. الكاريكاتير ينشر الحياة دائما على الحبال وفي الهواء الطلق وفي الشوارع العامة. إنه يقبض على الحياة أينما وجدها لينقلها إلى أسطح الدنيا حيث لا مجال لترميم فجواتها ولا مجال لتستير عوراتها.. هذا الفن يجب أن يكون عدوانيا على موضوعاته على وجه الخصوص، قد يكون صديقا حميما على من يتعاملون معه، لكنه صديق مشاكس.. صديق لا يؤمن جانبه".

ويضيف" الصورة عندي هي عناصر الكادحين والمقهورين والمطحونين، لأنهم هم الذين يدفعون كل شيء ثمنا لحياتهم، غلاء الأسعار، الذود عن الوطن، تحمل أخطاء ذوي السلطة، كل شيء لديهم صعب الحصول عليه، كل شيء قاس يحاصرهم ويقهرهم، لكنهم يناضلون من أجل حياتهم ويموتون في ريعان الشباب، في قبور بلا أكفان، هم دائما في موقع دفاع مستمر لكي تستمر بهم الحياة. أنا في الخندق معهم، أراقبهم وأحس نبضهم ودماءهم في عروقهم، ليس لي سلطة أن أوقف نزفهم أو أحمل عنهم ثقل همومهم، لكن سلاحي هو التعبير عنهم بالكاريكاتير، وتلك هي أنبل مهمة للكاريكاتير الملتزم".
وأخيرا للمتنطعين المتسلقين يا من أسقطتم المتن ورفعتم الهوامش ،اقول أن مدرسة ناجى العلى المخيمجية الثورية لم تغلق بعد ،ولازلت ريشته التي ورثها للكادحين الفقراء مليئة بالحبر الرصاصي الجاهز للانقضاض على أرانب الذل والرذيلة الفكرية ، لتزهق كروشا تعفنت من مص دماء شعوبها ..
وتتلاحم ريشة العلى مع قلم كنفاني ، وبندقية الثائر، ودماء الشهداء وعرق الكادحين ، وصرخات الأيتام ،وجوع المخيمات، لتعلن يوما أنها ستطرق جدار الخزان يوما لتنفض غبار الذل والخنوع والاستسلام ، فطوبي لثورة الجياع ..

بقلم د ناصر إسماعيل اليافاوي
أمين عام مبادرة المثقفين العرب

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت