كثير هي الدول التي انتصرت في الحروب, ولكن القليل من هم الذين نجحوا في الانتصار في السلام, فالحرب معركة من يملك السلاح ينتصر فيها, وتنتصر في معركة السلام اذا كنت تملك عناصر للقوة معقدة وكثيرة وليس بالسهولة الحصول عليها, فالحرب معركة سهلة والسلام هو المعركة الاصعب, فأن اردت ان تحقق السلام فانت في معركة تتصارع فيها الارادات, ولا تستطيع ان تفرض رأيك بقوة السلاح فأنك بحاجة للإقناع بالحجة والبرهان, وتكون في صراع دائم حتى تحقق ارادتك, ويمكن ان تكون النتيجة في صالح او في صالح العدو ويمكن ان تكون نسبية لا يوجد طرف خاسر فالجميع رابح, بحث انك لم تحقق كل ما تريد ولا العدو ايضا حقق كل ما يريد.
تنتصر اسرائيل في الحرب المسلحة, فقامت بهزيمتنا مرات عديدة, لكنها لم تحقق النصر في معركة السلام, والفلسطينيون لا يستطيعون بقوتهم المسلحة الانتصار في الحرب, وايضاً لا يستطيعون الانتصار في معركة السلام, لكن الفرصة للانتصار في معركة السلام تكون اكبر للفلسطينيين, الاختلاف بين الانتصار في الحرب والانتصار في السلام ناتج عن اختلاف في عناصر القوة لكل منهما, فدولة تنتصر في الحرب فهي فعلا تمتلك ما يمكنها من الانتصار من القدرات العسكرية كالدبابات والطائرات والصواريخ والسلاح بشكل عام؛ وهي معروفة للجميع, اما دولة انتصرت في تحقيق السلام بالتأكيد تمتلك قدرات قد اهلتها للانتصار في ذلك, وسيكون الجهد في هذا المقال هو تحيد هذه لعناصر للاستفادة منها.
يقوم الامريكان برعاية مصالحة بين الفلسطينيين والاسرائيليين, والجهد الاكبر علينا كباحثين هو محاولة البحث عن السبل التي تمكن الفلسطينيين من الانتصار في هذه المعركة, وكما تحدثنا ان الانتصار في معركة السلام يحتاج الى عناصر تمتلكها الدولة لتحقيق ذلك, وسوف اتحدث عنا عناصر عامة وتطبيقها على الفلسطينيين؛ وعن عناصر تخص الفلسطينيين بالأساس.
عندما نتحدث عن مهارات ممارسة القوة الناعمة:
اولاً الذكاء العاطفي بمعنى القدرة على السيطرة على المشاعر الخاصة بك واستخدامها للوصول الى الاخرين, فعلى القيادة الفلسطينية ان تتحكم جيدا في مشاعرهم فهي مسألة مهمة جداً في تحديد نتيجة المفاوضات, فمثلا عندما قام جون كيري بدغدغة مشاعر الفلسطينيين من خلال الاغراءات الاقتصادية, لم يستطيع الفلسطينيون السيطرة على مشاعرهم بشكل كامل وكانت النتيجة قبولهم المفاوضات دون تلبية شروطهم, هذا الخطأ نرجو ان لا يتكرر في مسيرة المفاوضات.
ثانياً: تأليف رؤية للمستقبل تجذب الاخرين, وللأسف لقد وقعنا ضحية هذه المهارة ايضاً, عندما قام جون كيري برسم مستقبل جميل في خيالنا, مما ساعد على قبولنا المفاوضات بسهولة وبسرعة, فأدعوا القيادة الفلسطينية الى استخدام هذه المهارة في المفاوضات وذلك من خلال رسم صورة جميلة للإسرائيليين في المستقبل تكون اذا تحقق السلام, بحيث تستطيع هذه الرؤية جذب الاسرائيليين واغرائهم ببعض التنازلات لتحقيق السلام.
ثالثاً: هي مهارات الاتصال البلاغية والغير لفظية واللغوية, فهي مهمة ويجب الاهتمام بها ولا نريد الدخول في تفاصيلها لأنها معروفة للجميع, وتعتبر هذه الثلاث مهارات التي تحدثنا عنها عناصر يجب ان تمتلكها الدولة كي تحقق الانتصار في معركة السلام.
الجدية هي عنصر ايضاً لتحقيق السلام, فإذا شعر الاسرائيليون بجدية الفلسطينيون بتحقيق سلام دائم وشامل, فأن ذلك يساعد على تحقيق السلام, للأسف لا نملك هذا العنصر, ويمكن تحقيقه من خلال خلق حالة توافق داخلي للقبول بالمفاوضات بين جميع تيارات الشعب الفلسطيني, ومن خلال الدخول في المواضيع النهائية والاستعداد التام لأنهاء الصراع, هذا الذي اتحدث عنه ليس تخاذل او تنازل عن قضية فلسطين انما اتحدث عن عناصر تجعلك تملك القوة لتحقيق اهداف في معركة السلام.
العداء هو شعور لدى الاسرائيليين بأن الفلسطينيون يتمنون زوالهم عن الوجود, وهذا الشعور يقف حجر عثرة في طريق تحقيق السلام, فاذا اردت ان تحقق اهدافك يجب ازالة هذا الشعور ولو جزئياً, فعندما تمنى ياسر عبدربه السلامة للحاخام الإسرائيلي المتطرف عوفاديا يوسف, كان بداية جيدة في ازالة هذا الشعور لدى الاسرائيليين, كثيرون انهالوا على ياسر عبدربه بالانتقادات التي وصلت لاتهامه بالخيانة, واعرف مدى حساسة هذا الموضوع لدى الفلسطينيين, ولكن تحقيق السلام والاستقرار يحتاج الى تضحية, واقول لقيادة السلطة بانهم سيتهمونكم بالخيانة الان ولكن سيسجل التاريخ اسمائكم بانكم من ضحيتم من اجل فلسطين, ويجب ان تسيطروا على مشاعركم والاستمرار في منهجكم فهو المنهج السليم لتحقيق الاهداف الفلسطينية.
من عناصر القوة ايضا شعور العدو بانك ستطبق ما يتم التوصل الية, وهي السبب الرئيسي في فشل اتفاق اوسلو, ولكي يشعر العدو بانك ستطبق ما يتم الاتفاق علية يجب ان يكون اتفاق وطني على ذلك, فيجب على كل الفصائل التصريح بانها ستقبل وستطبق ما يتم التوصل الية, ومن هذه الناحية وقع الرئيس الفلسطيني في خطأ عندما قال بان كل ما يتم التفاوض علية سيعرض في استفتاء شعبي للموافقة علية, انا ليس ضد الديمقراطية ولكن الديمقراطية في هذه الامور تحتاج الى وعي كبير غير موجود لدى بعض القيادات السياسية, فكيف سيكون موجود لدى الشعب, لذلك يجب التصريح بان ما يتم التوصل الية سيطبق ان لم يكن بالتوافق سيكون بالقوة.
استمرار الصراع يرجع الى العامل النفسي وهذا ما اثبته في دراسة نشرت في مجلة السياسة الدولية, ولذلك اذا ما اردنا انهاء الصراع وتحقيق السلام يجب ان نعطي العامل النفسي اهمية كبيرة, وذلك لتحقيق اهدافنا من عملية السلام, فعدم الثقة والشعور بالنكبات والمآسي التي حصلت في تجاربنا التاريخية, والشعور بالحق التاريخي في هذه الارض لكلا الطرفين, وشعور الاسرائيليين بمعاداة العالم كله لهم بما يعرف بمعاداة السامية, والاعتقادات الدينية, وتحدي الواقع, كلها عوامل نفسية تكون عثرة في تحقيق السلام, ولتحقيق السلام يجب التخفيض من هذه العوامل, وعدم القيام باي عمل يعبر عن هذه المشاعر.
كان هذا المقال مليء بالعناصر التي يمكن استغلالها لتحقيق الانتصار في المفاوضات, وهناك كثير من العناصر لم اذكرها لأنها معروفة لدى الجميع, وادعوا الكتاب للبحث عن عناصر جديدة يمكن استغلالها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت