الخطة الجديدة التي أعدها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الفريق "بيني غانتس"، لتغيير النظرية العسكرية القتالية الحالية، والتي يمارسها الجيش الإسرائيلي منذ إقامة إسرائيل عام 1948، تنص على تقليص تعداد القوات النظامية والقوات البرية، لصالح تعزيز القدرات التكنولوجية المتطورة، وتطوير سلاح الجو الإسرائيلي، ليس بكثرة عدد طائراته، بل بنوعيتها وقدرتها القتالية، والاستغناء عما أصبح قديماً منها لارتفاع تكلفة صيانته، واستبدال الدبابات والمدرعات بأخرى حديثة ومتطورة، كذلك تقليص عدد السفن الحربية، مقابل تعزيز الجانب التكنولوجي للسفن، ولجميع أسلحة الجيش الإسرائيلي، مما اعتبره محللون ثورة من شأنها تغيير الطابع العام للجيش الإسرائيلي، وأن الاسم الجديد المحبب للإسرائيليين الذي سيطلقونه على الخطة الجديدة هو "جيش صغير وذكي"، إلا أن هذه الخطة تحتاج إلى مصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي عليها.
إن من أهم الأسباب التي دفعت قيادة الجيش لإطلاق هذه الخطة:
- الوضع العربي وتراجع قدرة جيوشه القتالية، المنشغلة حالياً بقضاياها الداخلية، وأن عودة مقدرة هذه الجيوش للقتال تحتاج إلى عشر سنوات على الأقل، حسب المصادر العسكرية الإسرائيلية، ولذلك لا ترى القيادة الإسرائيلية تهديداً على أمنها على المدى المنظور.
- تقليص موازنة وزارة الجيش الإسرائيلي، التي تبلغ بصورة رسمية "52.5" مليار شيكل، عدا الموازنات غير المعلنة، فميزانية إسرائيل العامة لعام 2013 تبلغ "338.3" مليار شيكل، وأن الوضع الاقتصادي الإسرائيلي في تراجع، خاصة أن حكومة "نتنياهو" السابقة، تركت عجزاً يبلغ (39) مليار شيكل، وأن سعر الدولار بالنسبة للشيكل، بحدود "3.70" شيكلا للدولار الواحد.
- هناك تناقص في عدد قوات الجيش ليس له علاقة بالموازنة، فهناك تهرب من خدمة العلم دون سبب، أو لأسباب عقائدية ودينية، وتقارير طبية مزورة، مما دفع الحكومة لتشريع قانون جديد، لإلزام اليهود المتدينين "الحراديم" المعفيين من الخدمة العسكرية، بذريعة انكبابهم على دراسة التوراة، والتعمق بالديانة اليهودية إلزامهم بالخدمة، فـ "الحراديم" يشكلون 8% من عدد سكان إسرائيل، ويبلغ عددهم (795) ألف نسمة، معظمهم من اليهود الشرقيين، ونسبة الإنجاب لديهم تصل إلى 4%، تفوق إنجاب بقية الإسرائيليين، وأن عدد المطلوبين للخدمة العسكرية من بين "الحراديم" يبلغ "66.500" شخص، التحق منهم "8.500" شخص للخدمة العسكرية فقط، فالتشريع الجديد سينطبق عليهم مثلهم كباقي الإسرائيليين.
تقضي الخطة الجديدة للجيش الإسرائيلي، على مدار الخمس سنوات القادمة، بتقليص عدد الأسلحة القديمة، وإغلاق العديد من وحدات سلاح المدرعات، كذلك إغلاق العديد من وحدات المدفعية، وتقليص الطلعات الجوية، والتدريبات العسكرية لقوات الاحتياط، وتسريح نحو خمسة آلاف من الجنود النظاميين، في المقابل تدعو الخطة لإقامة فرقة جديدة لهضبة الجولان، وتأهيل قوات خاصة لثلاثة أنواع من الفرق: فرقة تعتني بحماية الجبهة الداخلية، وأخرى تكون جزءاً من المخزون الاحتياطي، وثالثة خفيفة تكون قادرة على تنفيذ اختراقات داخل أراضي العدو، إضافة إلى ذلك، تعزيز قدرات الجيش في مجالي المخابرات، وفي مكافحة قرصنة الحواسيب والتحكم الآلي، ورؤية ذكية لأساليب عمل الجيش، باستعمال التقنيات الحديثة، والأسلحة المتطورة، بعدد أقل من الجنود، وسيعتمد الجيش في حروبه القادمة، على المعلومات الاستخبارية، والتنصت المتقدم، لتوفير قدرات أكبر من المعطيات الدقيقة، على قدر أكبر من الأهداف.
لقد جاءت بلورة الخطة العسكرية الجديدة للجيش الإسرائيلي، من خلال الرؤيا الجديدة للوضع الشرق أوسطي، وإبقاء الجيش الإسرائيلي يعتمد على سلاح الجو في حروبه، باستيعابه لطائرات حديثة ومتطورة، واعتماده على وسائل وتقنيات حديثة باهظة الثمن، مع التركيز بشكل خاص على سلاح التحكم الآلي، دفاعي وهجومي، فالنظرية العسكرية الإسرائيلية الجديدة، هي القيام بأفضل ما يمكن، وأسرع ما يمكن، بأقل قوة عددية ممكنة، ليصبح الجيش في مقدرة قتالية أفضل، فالجيش الإسرائيلي كان مبنياً على مدار عشرات السنوات الماضية، على احتمال تعرضه لهجوم بري من قبل الجيوش العربية، أما التغييرات التي تشهدها المنطقة، أحدثت تغييراً في تقدير الأخطار المحدقة بإسرائيل، فالقيادة الإسرائيلية، أخذت ترى بأن احتمالات الحرب الكلاسيكية تتناقص، مع أن رئيس الأركان "غينتس" ينتقد تقليص موازنة الجيش.
يقول رئيس الأركان، بأن الجيش الإسرائيلي أصبح أقوى من أي وقت مضى، وعلى حد قوله، فإن العالم العربي ممزق إلى أقصى درجة، وهذا وضع جيد لإسرائيل، ولا وجود لجيوش عربية حالياً على حدود إسرائيل، لكنه لا يعرف ما الذي يحدث في سيناء، وأن إسرائيل تعمل من أجل حدود يمكن الدفاع عنها، فنزع السلاح في سيناء، والسيطرة على غور الأردن، وبقاء هضبة الجولان إسرائيلية، ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي، هو المطلوب إسرائيلياً مع أن مقدرة إسرائيل الصاروخية حسب رئيس الأركان، قادرة على التصدي للصواريخ التي قد تطلق على إسرائيل في المستقبل.
في وزارة المالية الإسرائيلية، يعتبرون ادعاءات الجيش الرافضة للتقليصات المالية، إنما لتخويف الشعب، ومناورة للتحايل والتضليل، للحصول على موازنات أكبر، لتحقيق الحسم في الحروب، خلال فترة زمنية قصيرة، باستخدام قوة قصوى من اللحظة الأولى للمعركة، بإبادة الأهداف من الجو، ومن البحر، ومن البر، من خلال الأسلحة الدقيقة والمتطورة، بتفعيل عقيدة الصدمة والرعب في غضون أيام قليلة فإسرائيل تحتل المكانة السادسة في العالم، بصناعة وتصدير السلاح، حيث تصدر ما قيمته نحو (7.5) مليار دولار سنوياً.
الخطة العسكرية الإسرائيلية الجديدة، تعتبر بمثابة رسالة إلى الدول العربية، الغارقة في صراعاتها الداخلية، مما أبقى المنطقة مشاعاً لإسرائيل، لتفعل ما يطيب لها في غياب وانشغال عربي، ومع كل ذلك، ما زال "نتنياهو" يتذرع في مفاوضاته مع الفلسطينيين، بذريعة الأمن التي لا نهاية لها، والهدف احتلال الأرض والتوسع، ففي عهد الصواريخ لا أهمية كبيرة للتوسع بذريعة الأمن، إذ أن السلام هو وحده الذي يحقق الأمن الحقيقي للجميع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت