حين نتحدث عن مفلح طبعوني فاننا نتحدث عن شاعر وأديب ومثقف ومناضل وناشط سياسي وثقافي ملتزم ، سياسياً ووطنياً وفكرياً وأدبياً ، له حضوره على الساحة الثقافية الفلسطينية في الداخل ، ومشاركاته في العملية الابداعية والانشطة الثقافية المختلفة .
انه مسكون بمدينته الناصرة ، وبفلسطين التي تسكن روحه وقلبه وعقله ، حيث يربط بينها وبين القصيدة . أفلَم يقل يوماً في إحدى ندواته : " ستبقى القصيدة فلسطين ، فلسطين القصيدة ، المتنفس الأساسي لعناقيد الابداع رغم حصارها بابجديات الأصنام وحركات الاستبداد وتصاريف العبودية والدمار ، وستظل افعالها نبع من ينابيع العطاء رغم قساوة ووحشية فعل الآخر ".
ما يميز ابداع الطبعوني الشعري والأدبي هو بساطته ، ونعومته ، ورقته ، وجمال الفاظه، وتدفق صوره، ووضوح رؤيته، الى جانب الالتزام الفكري والطبقي المنحاز ابداً لهموم شعبه وقضايا المسحوقين والكادحين والفقراء بانسانية اصيلة راقية .
يقول عنه الناقد محمد هيبي في تظهيره لديوانه "عطايا العناق" :" مفلح طبعوني يعشق الحياة ويركب المركب الصعب ، جمع بين صبر المتنبي وحكمة أبو تمام وخمرة أبي نواس وفروسية عنترة ورومانسيته، ورغم ان سوء هذا الزمن السيء تقطر من دمه ، فلا عجب ان تفيض اساطيره البنفسجية حكمة ثابتة تنطق الصمت ، وعشقاً رقيقاً ناعماً يذيب الصخر . ولا عجب ان يشتهيه المدى كما يشتهيه الموت ، ولكنه يعرف كيف يستنشق ماء التمرد ، ويسطر ملحمة البقاء، ويعرف من اين تؤجج شهوة المدى ، وكيف يجعل الموت يشتهيه ؟. مضيقاً :" مفلح طبعوني شاعر يحب كما نحب ، ويعاني كما نعاني، ورغم الشحوبات المتجددة فيه ،انه شاعر يعيش روعة انتظار عطايا العناق" .
ومفلح طبعوني ناشط حزبي وسياسي انخرط في العمل الوطني والسياسي منذ شبابه المبكر ، عانى الملاحقات السياسية البوليسية، وفرضت عليه الاقامة الجبرية والحبس المنزلي بسبب مواقفه الوطنية الجذرية ونشاطه الحزبي في صفوف الحزب الشيوعي الاسرائيلي .
كتب مفلح الشعر والمقالة الادبية والسياسية ونشر نتاجه في الصحف والمجلات التقدمية الشيوعية (الاتحاد ، الجديد ، الغد) ، وتولى سكرتير تحرير مجلة الجديد قبيل احتجابها . صدر له ديوان "قصائد معتقة " عام 1999 ، وديوان "عطايا العناق" عام 2011 .
لمفلح طبعوني دور هام واسهام كبير في الحياة الاجتماعية والثقافية في الناصرة والبلاد ، من خلال نشاطه الجماهيري والشعبي والسياسي ومشاركاته الواسعة في الفعاليات والانشطة الأدبية والامسيات الشعرية في المدن والبلدات والمدارس العربية ، ومن خلال موقعه كمسؤول عن تنظيم الندوات والورشات الثقافية والادبية في مكتبة "ابو سلمى" النصراوية . وتقديراً لدوره وعطائه المميز كرمته الناصرة في حفل خاص اقيم له .
ومنذ اربعين عاماً ونيف يحرص مفلح طبعوني على التواصل مع شق البرتقالة الفلسطينية الآخر ، ايماناً منه بضرورة وأهمية التواصل الثقافي والانساني الفلسطيني ، ولادراكه مدى دور وقيمة الكلمة والثقافة المقاتلة والفعل النضالي الثقافي في مقاومة ومواجهة الاحتلال وممارساته التعسفية . وقد جمعته صداقات وعلاقات حميمية دافئة مع مبدعي ومثقفي وأدباء وشعراء الوطن المحتل وبالاخص مع الشاعر عبد الناصر صالح ،والشاعر يوسف المحمود وغيرهما الكثير .
وخلال السنوات الأخيرة شارك مفلح طبعوني في ندوات أدبية وثقافية كثيرة في بلدات ومحافظات الضفة الغربية، كطولكرم ودير الغصون وجنين والزبابدة وفرخة وسلفيت وغير ذلك ، حيث قدم محاضرات قيمة وهامة حول الأدب الفلسطيني وعلاقة الأدب والقصيدة ، وعن أدب السجون ويوم الأرض . كذلك كان له دور رائد في احياء ذكرى المبدعين من اعلام الفكر والنضال والأدب والشعر الفلسطيني، امثال عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وتوفيق زياد وشكيب جهشان ومحمود درويش ومحمد البطراوي وغيرهم . وكان له ايضاً مشاركة واسعة في احياء ذكرى الشاعر الفلسطيني المقاتل عبد الرحيم محمود بمناسبة مرور مائة عام على ولادته .
هذا بالاضافة الى مشاركته في تكريم عدد من أدباء الوطن كالقاص والروائي محمود شقير ، وتكريم وزيرة الثقافة الفلسطينية سهام البرغوثي ، التي اطلق عليها دالية الثقافة الفلسطينية، وسواهما .
مفلح طبعوني مبدع فلسطيني يدمج بين السياسة والأدب والعمل الثقافي ، ومناضل ضد القهر ، وضد الفقر ، وضد الجوع ، وضد الظلم، وضد الطغيان، وضد الاستبداد ، ومن أجل معانقة الحرية وتحقيق آمال شعبه بالمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ، ومدافع شرس عن الفكر التقدمي المتنور الوحدوي ، الفكر الطبقي العمالي، في مواجهة قوى البغي والاستغلال وعصابات التعصب والتكفير، حاملة راية الفكر الظلامي المتشدد .انه يعمل بلا كلل كخلية النحل ، ينشط بكل حب وعشق في مجال الأدب والثقافة ، ويعطي بلا حدود، وبدون مقابل . فيعطيه العافية، ونشد على يديه ، وكل الاحترام والتقدير لجهوده في خدمة ثقافة الوطن والالتزام ، ثقافة الانسان والجماهير المسحوقة المتعطشة للنور والمعرفة والحرية . مع التمنيات له بموفور الصحة ليبق ذخراً ومعطاءً لحركتنا الأدبية والثقافية الفلسطينية ، التي يساهم في رفدها واثرائها بالكلمة الادبية الملتزمة ، التي تتحدى القهر والموت والاحتضار والفقر الثقافي .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت