هل البرازيل كانت على ابواب انتفاضة عارمة وشاملة؟

بقلم: جادالله صفا

لقد شهدت البرازيل الشهر الماضي مظاهرات ومسيرات امتدت بسرعة الى كافة المدن الرئيسية، طالب المتظاهرون باصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وقد عمت اكثر من 300 مدينة برازيلية خلال ايام، وكان قرار بلدية ساوبولو برفع اجرة الباصات والمترو الشرارة التي اشعلتها، بالبداية رفض رئيس البلدية العمالي التعامل الايجابي مع مطالب المتظاهرين وقامت اجهزة الامن المحلية بقمع المظاهرات بالقوة من خلال استخدام الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع والاعتداء على بعض الصحفيين، وكان حاكم الولاية قد برر القمع البوليسي كرد على اعمال العنف التي ادت الى تكسير المحلات والبنوك وتحطيم الاملاك العامة من قبل المتظاهرين.
رأت بعض الاطراف الجكومية البرازيلية ان قمع التحركات الجماهيرية قد يؤدي الى تصاعد اعمال العنف والى مواجهات تلحق المزيد من الضرر بالامة البرازيلية والوطن، وطالبت اجهزة القمع البوليسية بالتوقف عن هذا الاسلوب القمعي بالتعاطي مع الانتفاضة ومواجهة الجماهير، كما ورفضت قطاعات واسعة من الشعب البرازيلي قمع البوليس للمتظاهرين الذين يرون بشرعية المطالب.
البرازيل التي يفوق احتياطها ال 400 مليار دولار، ما زالت تعاني من ازمات اجتماعية حادة تهدد تماسكها الداخلي، بسبب غياب الحلول الجذرية للمشكلات الاجتماعية، فالامن شبه معدوم بالمدن الكبرى البرازيلية، وعصابات المافيا ما زالت تسيطر على احياء بالعديد من المدن، والفساد ما زال ينخر بالمؤسسة الحكومية على كل المستويات، والعناية الصحية ما زالت بعيدة عن 1550 مدينة برازيلية وعن الاحياء الفقيرة بالمدن الكبرى التي تفتقد الى الاطباء والادوية والعيادات المستشفيات، والتعليم والتي تستفيد منه الطبقات الوسطى والعليا وابناء الاغنياء فقط في حين تحرم منه الطبقات الفقيرة والمعدومة، فالبرازيل انفقت حتى اللحظة ما يفوق 33 مليار ريال على تجهيز الملاعب لمباريات كأس العالم، حيث يقول سيرو غومس وزير سابق وقيادي بالحزب الاشتراكي البرازيلي "اذا البرازيل لديها اموالا لتصرف على بناء ملاعب كرة القدم، اكيد لديها اموالا لتصرف على مجالات الصحة والتعليم والامن".
الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف منذ البداية اعلنت ان مطالب الجماهير المنتفضة هي محقة عادلة، وامرت ببناء 800 مستشفى بالبرازيل، والتقت مع حكام الولايات ورؤساء البلديات الكبرى والاساسية بالبرازيل للاعلان عن اجراءات اصلاحية بالبرازيل وقدمت 50 مليار ريال من اجل البدء مباشرة بالاصلاحات وتحقيق مطالب المتظاهرين، ولاحقا التقت مع 4000 رئيس بلدية، وقدمت لمدنهم 3.5 مليار ريال من اجل تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وطالبت برسالة وجهتها الى اجتماع الهيئة القيادية لحزب العمال قبل ايام بالانحياز الى مطالب الشعب العادلة والشرعية، والذي جاء تاكيدا على موقفها الاول منذ بداية الاحداث.
كما ان البرلمان البرازيلي ومجلس الشيوخ اقروا خلال اسبوعين 23 مشروعا كانت معطلة منذ سنوات نتيجة التجاذبات السياسية والحزبية، والتي جاءت نتيجة التحركات الجماهيرية البرازيلية.
الاحداث سلطت الاضواء على عمق الازمة الاجتماعية التي تمر بها البرازيل، رغم يسارية الحكومة البرازيلية الا انها لم تتمكن حتى اليوم من ايجاد حل جذري للمشاكل الاجتماعية المستعصية بالبرازيل كالسكن وارتفاع الاسعار المتواصلة والجريمة والصحة والتعليم، والتي بمجملها ساهمت بتوفير الارضية لكافة التحركات التي ما زالت مستمرة حتى اللحظة لتعبر الجماهير عن غضبها.
الرئيس البرازيلي السابق لويس ايناسيو لولا طالب الرئيسة البرازيليا ديلما روسييف بتخفيض عدد الوزارات من 39 وزارة الى 20، والتي تعبر بالاساس عن حجم الازمة السياسية التي تعيشها البرازيل، حيث خلال العام الاول من حكومة ديلما روسييف اكثر من 8 وزراء استقالوا او تم اقالتهم لانهم كانوا على علاقة بالفساد داخل مؤسسات الدولة، كما ان لويس ايناسيو لولا، التزم الصمت على طول الاحداث، وهناك بعض المراقبين اعتبروا ذلك نوعا من الاحتجاج على سياسة الحكومة وكيفية تعاملها مع الاحداث.
بعض القوى البرازيلية التي شاركت بالمظاهرات كالحزب الشيوعي البرازيلي وحركة بدون ارض، اعتبروا ان بعض قوى اليمين البرازيلي لعب دورا من اجل استغلال الاحداث لحرف المظاهرات والمسيرات عن اهدافها كمقدمة لانقلاب ضد الحكومة العمالية كانت تسعى له قوى اليمين البرازيلي مماثل لانقلاب هندوراس قبل سنوات والبرغواي ومشابه لمحاولات اليمين بفنزويلا ضد حكومة الشافيز المتحالفة مع الامبريالية الامريكية.
وحمّلت هذه القوى ايضا حزب العمال والحزب الشيوعي للبرازيل المسؤولية عن تفاقم الازمة الاجتماعية بالبرازيل التي ادت الى هذه التحركات، وعدم التعاطي معها بجدية ومعالجتها معالجة جذرية، باعتبار ان الحزبين هم من النظام السياسي الحاكم والمقرر بالبرازيل والعديد من الولايات البرازيلية وكبرى المدن.
امام الحكومة البرازيلية اقل من عام قبل بدء مباريات كأس العالم المقررة العام القادم، لمعالجة كافة القضايا العالقة، فالجماهير البرازيلية التي تدفع ضرائب تعتبر من اعلى النسب بالعالم، تريد مقابل ذلك خدمة وكرامة ومساواة وعدالة اجتماعية، فهل الحكومة البرازيلية تدرك ذلك؟ وهل بامكانها معالجة ذلك باقل من عام؟ فالاشهر القادمة ستحدد مستقبل البرازيل باي اتجاه يسير.
جادالله صفا – البرازيل
22/07/2013
هذه المقالة خصصت لجريدة النداء التي يصدرها الحزب الشيوعي اللبناني التي صدرت يوم الخميس 25/07/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت