لا ملجأ لحماس إلاّ البيت الفلسطيني

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


رشحت تسريبات إعلامية مفادها أن قيادة حماس تسعى وتلهث اليوم من أجل استعادة علاقاتها مع إيران، والعودة بتلك العلاقة الى سابق عهدها بعد نجاح قضية الخلع التي رفعتها حماس ضد ايران، وصدور حكم القضاة الأتراك وأعضاء مكتب الإرشاد لحزب الحرية والعدالة، وقاضي قضاة قطر الشيخ يوسف القرضاوي بقبول دعوى الخلع من حماس وتشريع وإتمام عملية الخلع، وذلك هروباً من المأزق الذي وضعت فيه حماس بعد الحركة التصحيحية لمسار الثورة المصرية في 30 يونيو المنصرم، وما نتج عنها من عزل الرئيس مرسي الحاضن الجديد لحماس، بعد تنقلها من بين أحضان آيات الله في ايران، والبعث في سوريا، وأصحاب السمو في قطر، في عملية شذوذ سياسي متعارضة في مجملها مع الأيدلوجيا والمعتقد والفكر، وإن صحت تلك الأنباء فستكون العملية موضع ترحيب وتسهيل من إسرائيل، لتعاود اللعب بالورقة الإيرانية على حساب القضية الفلسطينية،ولكي تقدم الملف الإيراني الذي يشكل الخطر الداهم عليها كما تدعي دوماً بناءً على تصريحات قادة ايران الداعمة لإدعائها وذلك بمحوها من الوجود، وبذلك يأخذ الملف الإيراني الأسبقية والأولوية المبررة على الملف الفلسطيني النائم من حولها، حيث تعيش اسرائيل أكثر أيامها أمناً وسلاماً، وينعم سكانها بالهدوء التام بعد الهدنة التي أنجزها الرئيس مرسي بين حماس واسرائيل بدعم ومباركة غير مسبوقة من الولايات المتحدة الأمريكية، وبهذا تتنكر اسرائيل من جديد لعملية السلام وتفلت من ضغوط المجتمع الدولي وانتقاداته لها متذرعة بوجود ايران (عدو الخيال) على تماس مباشر مع حدودها.
وعودة علاقة حماس مع ايران تنطوي على مخاطر وطنية فلسطينية عالية، ومخاطر إقليمية متزايدة، لأن حماس بذلك ستلعب دوراً أكبر من حجمها وكينونتها سيضع فلسطين وقضيتها في مأزق حاد، وتتصرف حماس وكأنها دولة مستقلة ذات سيادة وجيش قوي، ولاعباً إقليمياً في المنطقة، بهذا تلعب لعبة الصغار مع الكبار والتي يكون الخاسر فيها دوماً هم الصغار، وكأنها حررت الوطن الفلسطيني من الإحتلال وأقامت الدولة الفلسطينية على قطعة الأرض التي انسحبت منها إسرائيل بعمل منفرد دون إطار اتفاق مع الطرف الفلسطيني ينظم العلاقة المتشابكة بالإحتلال، وذلك لإثارة الفتنة والإنقسام داخل الشعب الفلسطيني وهذا ما نجحت فيه اسرائيل بانسحابها الأحادي الجانب لغاية الآن لفهمها للعقلية الفلسطينية والعربية أكثر من فهمنا نحن لأنفسنا.
نقول لشباب حماس، حذار من الإنجرار وراء قيادتكم التي تسبح في فلك سياسي وتنظيمي بعيد عن فلك الهم الوطني الفلسطيني ولا يمت اليه بصلة مباشرة مؤثرة، فمن واجب رد الجميل للنظام السوري الذي احتضن قيادة حماس لسنوات طويلة وحفظ لهم أمنهم من مخاطر المطاردة والإغتيال، كان من الأمور البديهية في الأخلاق والسياية وعلم الإجتماع أن تلتزم حماس جانب الصمت تجاه ما يحدث في سوريا، وأن لا تنحاز علانية لطرف ضد آخر، وتدين الطرف الآخر، فما يجري في سوريا أصبح قضية دولية معقدة يصعب فهمها، وهي خارج الفلك السوري والمجال الإقليمي، ولم يعد للجانب العربي والإسلامي والإقليمي أثراً فاعلاً فيها. وتحولت الى قضية بين الدول العظمى المتحكمة بمصائر المناطق والشعوب. والقضية السورية كانت المبرر لعملية الطلاق بين حماس وايران، ولا ندري بأي وجه ستعود حماس لبيت الطاعة في إيران، ستعود خجلة نادمةً طيعة ومنقادة للأهواء الإيرانية التي تلعب دوراً مشبوهاً في العالم العربي مبنياً على مصالحها القومية الفارسية البحتة ولا يمت للدين والعقيدة بصلة. لذلك ستعود حماس عجينة طرية طائعة تشكلها ايران على هواها وفي إطار مصالحها الشخصية حتى لو تعارضت مع المصالح الوطنية الفلسطينية العليا. وبذلك تعود حماس الى كارها القديم المتجدد في تعطيل تنفيذ المشروع الوطني الفلسطيني، وستطلق صواريخها السياسية بناء على أوامر من طهران الى صحراء النقب من جديد، فترد اسرائيل بأسلحتها الخفيفة والثقيلة والفتاكة بكل عنف بحرب على قطاع غزة الأعزل، ويدفع فاتورة هذه الحرب الشعب الفلسطيني في القطاع من دماء أطفاله ونسائه وشيوخه، وسوف تسبب هذه الحرب حرجاً كبيراً للقيادة المصرية الجديدة التي عزلت الرئيس مرسي بتفويض شعبي. مما يزيد الضغوط والمشاكل على الثورة التصحيحية المصرية بقيادة الشباب وبدعم من الجيش الوطني، وايران لا تريد لمصر أن تستعيد دورها القيادي والمحوري في العالم العربي، لتبقى ايران لاعباً اقليمياً في المنطقة بدون منافس قوي لها، يحول بينها وبين التحكم والسيطرة على الخليج العربي وبالتالي على المنطقة العربية لتمارس دورها القديم كشرطي بالمنطقة يأتمر بالقوى العظمى المهيمنة.
العلاقة الفلسطينية المصرية علاقة تاريخية أزلية بحكم الجغرافيا والديمغرافيا والثقافة والعقيدة والفكر وبتداخل وتشابك الأمن القومي المشترك للكيانين على مر التاريخ. ولا أحد يشك في أهمية الدور المصري وتأثيراته المباشرة على القضية الفلسطينية وعلى المصالح الفلسطينية الحيوية العليا. ففلسطين بوابة مصر الى عرب آسيا ومسلمي آسيا. وكل قادة مصر التاريخيين على إختلاف مساراتهم السياسية أجمعوا واتفقوا على أهمية فلسطين للأمن القومي المصري. كما أن النجدة لفلسطين (التي كانت محل أطماع الإمبراطوريات على مدار التاريخ) كانت دوماً تأتي من مصر. فالعلاقة المصرية الفلسطينية علاقة جوار لصيق وروابط أخوة شقيقة، وكم من الدماء المصرية اختلطت بتراب فلسطين للدفاع عنها وعن هويتها. فمن بديهيات السياسة والأخلاق وعلم المنطق والإجتماع والتاريخ والجغرافيا أن تكون العلاقة المصرية الفلسطينية دوماً في أحسن صورها، وأن تكون القيادة والجماهير الفلسطينية في كل أماكن تواجدها مع ما يختاره الشعب المصري لنفسه، فهو شعب عريق بدستوره وثقافته وحضارته وتاريخه وهو أعلم بمصالحه وأدرى بمشاكله من غيره من الشعوب، وهو قادر على قلع شوكه بنفسه، ولا يجوز أو يحق لأي فصيل فلسطيني أن يتدخل بالشئون الداخلية للبيت المصري الكبير، فأهل مكة أدرى بشعابها، والمصريون أعلم بأحوالهم ومصالحهم العامة والخاصة. ولا يجب أن ينحاز أي فصيل فلسطيني لأي طرف ضد آخر في الصراع الدائر في مصر، بل ينحاز الى إرادة الشعب المصري الشقيق وما يريده الشعب ويرتضيه لنفسه.
نحن نواجه اليوم عدواً لئيماً وذكياً ويفوقنا كثيراً بالقوة العسكرية وبالتقنية والتكنولوجيا والمعلومات، ويمتاز بالتخطيط البعيد المدى، ونخوض معه صراعاً مريراً، ويعتبر صراعنا هذا مع عدونا أطول صراع في التاريخ، لذلك نحن بحاجة لكل دعم عربي يضاف الى مجهوداتنا، لذلك يجب أن تدار علاقتنا بأشقائنا العرب بالحنكة والحكمة السياسية حتى وإن شعرنا بعدم الثقة في بعض القيادات العربية تجاهنا، لأننا أصحاب قضية، وبحاجة الى كل دعم عربي حتى لو لم يكن بالمستوى المطلوب. ولهذا لا يجب أن نتسبب في مواقفنا تجاه ما يجري في الأوطان العربية بخلق الأعداء لنا من أشقائنا الذين يحتضنون أهلنا بالشتات فنتسبب لهم بنكبة جديدة تضاف الى نكبات ونكسات شعبنا الفلسطيني. يجب الإمساك بالعصا من منتصفها حرصاً على مصالح شعبنا. ويجب العمل بنظرية معاوية بالحكم "والله لو كان بيني وبين الناس شعرة لم انقطعت، أن شدوها أرخيتها، وأن أرخوها شددتها".
نقولها لحماس قيادة وكوادر، ليس لكم حضناً أميناً وحريصاً عليكم الا الحضن الفلسطيني، حضن الأم لا يضاهيه حضن في حنانه وحرصه على ولدها، فعودوا الى البيت الفلسطيني الذي افتقدكم في رحلة الضياع والتوهان عنه منذ عام 2006م، فدارت بكم الأيام، وتلقفتكم الأحضان المنافقة الباحثة عن مصالحها، فلم تزدكم الا شتاتاً وبعداً عن الأهل والوطن. كفاكم غربة عن الوطن وأنتم تعيشون في جنباته.وكفاكم غربة عن الأهل والأحباب والأقارب وأنتم بين ظهرانيهم. فما أجمل الرجوع عن الخطأ والعودة للصواب. فالحد من الخسارة يعتبر ربحاً.


جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت