ما اسهل ان تقول كلمة لا للمفاوضات, ولكنك اذا ما نطقتها لا تشعر ابدا بمعاناة هذا الشعب, الذي عاش اكثر من ستون عام ينتظر الخلاص من هذا الصراع ليعيش حياة كباقي البشر, لا ندري من يقول لا للمفاوضات هل يعيش معاناه هذا الشعب ام يعيش في رفاهية وترف, وهل هو يمثل صوت الشعب المقهور والمظلوم ام يمثل صوت الحزب, رغم ذلك اردت ان اكون منهجيا في الدفاع عن المفاوضات فطرحت سؤال احاول ان اجيب عنة بطريقة علمية.
قبل الاجابة على هذا السؤال يجب معرفة ما هي تركيبة هذا الصراع, هذا الصراع متشابك ومعقد, في المجال الاقتصادي نتصارع وفي المياه وفي الحدود وفي الامن وفي السلام وفي التاريخ وفي الدين وعلى الارض, في كل شيء نتصارع, واطراف هذا الصراع ايضا معقدة, دولة اسرائيل الطرف الاول وهي الدولة العنصرية فاليهود يميزون جنسهم عن باقي الاجناس, والطرف الثاني الشعب الفلسطيني والممثل بمنظمة التحرير, واحزاب خارج المنظمة تدعي تمثيلها للشعب الفلسطيني, ورغم هذا التعقيد في الحالة الفلسطينية الشعب الفلسطيني ايضا يحمل حقد معقد على دولة اسرائيل التي ارتكبت بحقهم العديد من المجازر وسلبت منهم الارض, وقد مر هذا الصراع بعدة مراحل منها الحروب والنكبات والتعايش السلمي والمفاوضات والانتفاضات, في الواقع لا يوجد صراع يصل لهذه الدرجة من التعقيد والتشابك.
اذا ما رجعنا للسؤال الرئيسي بعد هذا الشرح البسيط عن الصراع, نجد انه من الافضل قبل الاجابة علية ان نبحث عن البديل للمفاوضات وهو الحرب, ونعرف هل الحرب تصلح لان تنهي هذا الصراع المعقد, في العادة اذا اندلعت الحرب بين دولتين نتيجة لتطور الصراع بينهم وصولا الى الحرب, فسوف تنتهي الحرب بمجرد شعور احد الطرفين بأنه اوشك على الهزيمة او قد هزم بالفعل, والجيوش وحدها من تحارب والمدة الزمنية لن تكون طويلة, فهل هذا يطابق للحالة الفلسطينية فلا يوجد للحرب معنى في الحالة الفلسطينية, فعندما كانت تندلع الحروب بين الدول تدفع الجيوش الارواح وتدفع الشعوب المعاناة الاقتصادية والمعيشية, ولكن الشعب الفلسطيني كله يدفع الارواح والمعاناة بالتساوي, فهل هذه هي الحرب التي تريدها الاحزاب؛ الجيش يقاتل الشعب, وقد استمر هذا النموذج من الحرب ستون عاما ولم ينتصر احد على الاخر, وانا اؤكد ان الحرب لن تنتهي وستستمر, وتنتهي بحالة واحدة فقط هي ابادة احد الشعبين بشكل كامل بحيث لن يبقى أي فرد يطالب بحقة, رغم ان هذا مستحيل, ولنفترض بان الفلسطينيين امتلكوا القوة الكافية لإبادة تقريبا 6 مليون يهودي, فهل ستقبل أي دولة في العالم على هذا, حتى نحن كفلسطينيين لن نقبل بقتل هذا الكم من البشر, بعد هذا التحليل نتوصل الى نتيجة حقيقية وواقعية بأن الحرب لن تنهي الصراع.
بعد ان تأكدنا بأن البديل للمفاوضات "الحرب" لن ينهي الصراع, نرجع للسؤال الرئيسي هل المفاوضات تنهي الصراع, الاجابة المبدئية والتي تحتاج لتبرير هي (نعم), عند دراسة الواقع فأن اسرائيل عندما وقعت اتفاق اوسلوا مع الطرف الذي لا يريد الحرب لم تستطيع منع المقاومة المسلحة, ولكن استطاعت منع الكفاح المسلح نتيجة لهدنة مع الطرف الذي يدعي الكفاح المسلح, بالتالي اصبح تيار الكفاح المسلح يحقق اهداف اسرائيلية ولا يحقق اهدافنا, فإسرائيل تريد انهاء العمليات المسلحة وقد حققت ذلك, اما نحن نريد ابسط حقوقنا وهي العيش بأمان دون أي تهديد مثل تهديد الفقر والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة وتدني مستوى الدخل مع ارتفاع الاسعار والحصار والاستقرار, كل هذه من المتطلبات الاساسية وغيرها لم يحققها تيار الكفاح المسلح, والسؤال المنطقي الى متى ننتظر الكفاح المسلح حتى يوفر لنا ابسط الحقوق, فقد حققنا في اوسلو (التي يعتبرها البعض فاشلة ولم تعطينا حقوقنا) اكثر من ذلك بكثير, اذا المفاوضات هي الطريق الانسب لحل هذا الصراع والحصول على جزء من حقوق الشعب الفلسطيني.
البعض يعتبر خيار المفاوضات خيار منطقي وعقلاني لكنه خيانة لحقوق الشعب الفلسطيني, لكن الحقيقة ان مليون مواطن فلسطيني في غزة من اصل 1.8 مليون, خرجوا في انطلاقة حركة فتح مؤيدون لمنهج ابو مازن ومنهج حركة فتح وهو المقاومة السلمية والمفاوضات لحل الصراع, فاذا كانت المفاوضات خيار عقلاني فهي ايضا خيار شعبي.
والبعض يسرد لنا تاريخ من الفشل في المفاوضات يمتد لعشرون عام, والرد علية كالتالي:
اولاً: المفاوضات لم تفشل الا بإرادة فلسطينية, لان الفلسطينيون لم يلتزمون باتفاقية اوسلو, فخلال اتفاقية اوسلوا وبعدها انهالت على اسرائيل العمليات العسكرية من قبل بعض الاحزاب الفلسطينية, بهدف تعطيل العمل السلمي واستمرت هذه المناكفات من قبل هذه الاحزاب لتعطيل المفاوضات طوال العشرون عام.
ثانياً: اذا كانت المفاوضات فشلت عشرون عام فقد فشل العمل المسلح اكثر من ستون عام.
في نهاية هذا المقال اريد ان اقول انه لا بديل للمفاوضات الا المفاوضات, وعلى من ينتقدون المفاوضات ان يشغلوا انفسهم في البحث عن بدائل معقولة وتحقق طموحات الشعب الفلسطيني, وانا متأكد بان القيادة لن تترد في استخدامها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت