حماس هي حركة براغماتية،ليس لها علاقة بالمبادىء،تتحرك وتبني علاقاتها وتحالفاتها ومواقفها وفق مصالحها،وتسير على خطى المثل الشعبي"اللي بجوز امي بقوله يا عمي"،وأنا هنا لست بصدد مناقشة فكر وايديولوجيا حماس،بقدر ما هو تسليط الضوء على مواقف حماس السياسية واستداراتها السريعة،واللعب على اكثر من حبل،يحكمها ويحركها في ذلك المصلحة الحمساوية فوق أي إعتبار،وليس مصلحة الوطن،فحماس كجزء من حركة الإخوان المسلمين،تقدم الحمساوي/ الديني على الوطني،فحماس بعد ان انتقلت من حضن محور الممانعة والمقاومة(ايران،سوريا وحزب الله)،والذي كان يغدق عليها مالاً وسلاحاً بسخاء ويوفر لها حرية الحركة والإقامة والتدريب العسكري،بالتحديد بعد ما يسمى وفق المصطلح الغربي"بثورات الربيع العربي" انتقلت الى حضن محور الاعتدال،وارتمت في احضان قطر،متنكرة وناكرة المعروف والجميل،لكل حلفاءها وبالتحديد السوريين الذين إحتضنوا الحركة،في وقت رفض إحتضانها أقرب المقربين لها،وبوصول الاخوان الى السلطة في مصر وتونس،أصبحت تتصرف حماس ك"واحدة من اهل البيت"،وتبنت سياسة الاخوان والمرشد،ونفس الخطاب السياسي،رغم ان هناك تيار مثله الزهار رفض حرق الجسور مع محور المقاومة والممانعة،وأصبحت تتحدث بالخطاب المذهبي والطائفي،وتحديدا تجاه سوريا وحزب الله وبدرجة أقل ايران،وارتفعت وتيرة التململ داخل حماس بعدما بدأت قطر بتسويق مبادرة عربية تتحدث عن التبادلية في الاراضي الفلسطينية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والعمل كخطوة لاحقة في نفس المبادرة على استصدار قرار من الجامعة العربية،يهدف الى الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية كمبادرة عربية تريدها امريكا واسرائيل،من اجل تصفية المرتكز الأساسي للبرنامج الوطني الفلسطيني حق العودة،ولكن الاستدارة الحقيقية بدأت بشكل فعلي بعدما تم عزل مرسي،وسقوط حركة الاخوان في معقلها الأساسي، فحماس وضعت كل اوراقها في سلة محور الإخوان من تونس ومروراً بليبيا فتركيا فمصر، وعزل مرسي وسقوط المشروع الإخواني هناك،أصاب مقتلاً واحدث زلزالاً عندما حماس،وبدت في حالة من عدم الإتزان والإرتباك،وهذا الوضع الناشىء دفع بها للتفكير بإعادة تحالفاتها والإستدارة من جديد نحو حلفاءها القدماء،فهي بسقوط الاخوان في مصر وقيام حكم جديد،لن يسمح لها بالعمل عن ارضه كما هو الحال في عهد مرسي،وخصوصا ان حماس وظفت أجهزتها وصحفها وفضائياتها(الأقصى والقدس) لكي تمارس كل أشكال التحريض ضد قوى الثورة والتغير في مصر،وكشفت عن اخوانيتها بشكل سافر.
الواقع الجديد والتخوف من انفراط بقية حلقات عقد الاخوان السلطوي في اكثر من بلد،تونس وتركيا على وجه التحديد،دفع بالتيار المتشدد في الحركة للضغط على قيادة الحركة من اجل إعادة حساباتها،وبما يضمن لها اعادة الجسور لترميم علاقاتها مع المحور السابق،محور المقاومة والممانعة،ولذلك عقدت حماس لقاءات مع القادة الايرانيين وقادة حزب الله،وحضرت الافطار الذي اقامة السفير الايراني في بيروت،وسماحة الشيخ حسن نصرالله قال في خطابه في ذكرى يوم القدس العالمي،بان حزب الله يقيم علاقة متوازنة مع كل فصائل المقاومة الفلسطينية،وما يحكم موقفه منها هو الموقف من فلسطين ولا يتعامل بنزق وردات فعل ولا ثأر،وان اختلف مع بعض هذه القوى حول القضية السورية والقضايا الأخرى في المنطقة،ولكن من المستبعد ان تعود العلاقة الى سابق عهدها بالدفء والحرارة والثقة وفتح حنفيات المال على حركة حماس،فحزب الله كان الداعم الرئيسي لحركة حماس،فهو من احتضن قادتها عندما تم ابعادهم الى مرج الزهور،احتضنهم،دربهم ومولهم،ووفر لهم كل الإمكانيات،ومن بعد ذلك اخذت العلاقة منحى تصاعدي وتحالفي أقرب الى العلاقة الإستراتيجية،وفتح الحزب ابواب طهران ودمشق أمام حركة حماس،على الرغم من ان دمشق تنظر بريبة الى حركة حماس،ولا يوجد عندها ثقة بالحركات الاسلامية وعلى وجه التحديد حركة الإخوان المسلمين،حيث كانت بينهم معارك سابقة طاحنة في حمص وحماة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد،وحركة تطبيع العلاقات مع هذا المعسكر،لن تكون بالسهولة ولن تعود كما هو العهد السابق،بل اظن ان الكثير من الإشتراطات والشكوك سترافق هذه العودة،واظن ان ايران في إطار الصراع والمواجهة مع المشروع الأمريكي- الصهيوني في المنطقة والذي يستهدفها كقوة اقليمية،وبالذات السعي لإمتلاكها التكنولوجيا والسلاح النووي،يجعلها تحتاج حركة حماس،لكي يكون لها موطىء قدم على تماس مباشر مع اسرائيل في حال تدحرجت الامور الى مواجهة عسكرية مع اسرائيل وامريكا،وحزب الله حاجته لحماس نابعة،من كون الحزب يتعرض لحملة شعواء من كل دول المحور السني في المنطقة،وبأنه واجهة ايران في المنطقة،وزاد من حدة هذه الحملة مشاركته الى جانب الجيش النظامي السوري في معارك القصير،وباتالي تميم العلاقة مع حماس،قد يساهم في تخفيف الحملة الشعواء،التي تسنها الدول والقوى السنية على الحزب،في حين أرى أن النظام السوري،لن يطبع علاقاته مع حماس بسهولة،بل ربما إذا ما استقرت الأوضاع،فستدفع حماس الثمن باهظاً لجحودها ونكرانها وهجومها وتحريضها على النظام السوري،إلا إذا املت الظروف تحالفاً تكتيكياً وظرفياً،تفرضه طبيعة المواجهة مع اسرائيل وامريكا.
إستدارة حماس،وعودة شبكة تحالفاتها وعلاقاتها مع حلفاء الأمس،لن تكون سهلة وسريعة،وهي تمليها أيضاً،طبيعة وظروف حسم الصراع الداخلي في حماس،والتطورات على الصعيد المصري بالتحديد،فحسم الصراع هناك يتوقف عليه مستقبل كل المشروع الإخواني في المنطقة،حيث سقوط الإخوان هناك سيعجل بسقوط إخوان تونس وليبيا وتركيا وحتى الأردن،ونحن رغم كل ذلك،ما نتمناه عدم لجوء الإخوان الى خيار العنف والمواجهة العسكرية في مصر،والتعقل والمراجعة والتقييم والمشاركة في العملية السياسية،وكذلك نأمل عودة لحماس الى المحور الذي يجب ان تكون فيه،ولكن ليس بلغة المصالح والإقصاء والعنجهية والعمى السياسي،بل من خلال الصدق والوفاء والإنتماء لقضية ومشروع وقبول الآخر والإعتراف به ومشاركته في القرار والسلطة.
القدس – فلسطين
5/8/2013
0524533879
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت