" الجزيرة " .. قناة الرأي الواحد والفتنة !!

بقلم: عبد القادر فارس


منذ أن انطلقت قناة " الجزيرة " الفضائية من العاصمة القطرية الدوحة , في الأول من نوفمبر عام 1996 , رفعت شعار " الرأي والرأي الآخر " , واستطاعت بما تطرحه من أحبار عاجلة , وموضوعات متميزة , أن تجمع حولها جمهورا كبيرا من العالم العربي , نظرا لما تمتعت به من جرأة في الطرح , وفق الشعار المرفوع آنفا , فكان البرنامج الشهير للإعلامي البارع سامي حداد " أكثر من رأي " , الذي كان يبث أسبوعيا لطرح قضايا سياسية حساسة تجمع الخبراء والمحللين السياسيين والمسؤولين , حيث يتناول البرنامج الرأي والرأي الآخر , إلى أن توقف البرنامج فجأة وغاب سامي حداد عن البرنامج وعن قناة الجزيرة , بينما استمر برنامج آخر يقدمه الاعلامي السوري فيصل القاسم تحت عنوان " الاتجاه المعاكس " , وهو يطرح أيضا الرأي والرأي الآخر , في قضية يطرحها القاسم على متحاورين , تقوم الخلقة فيه على الإثارة والاستفزاز , لجلب العدد الأكبر من المشاهدين .
وقد اعتمدت قناة الجزيرة على انتشار واسع لمكاتبها ومراسليها في كل أنحاء العالم , فكان الخبر العاجل والسبق الصحفي من مميزات القناة , بالإضافة إلى نشرات الأخبار المتميزة والمتنوعة , التي كانت تلاقي الاستحسان لدى المتلقي العربي .
ثم كانت الانطلاقة الثانية لقناة الجزيرة في أعقاب أحداث سبتمبر 2001 , حيث البث المباشر على مدار الساعة لهجومات واشنطن ونيويورك , ثم الحرب على أفغانستان ومتابعة " جهاد " القاعدة في مواجهة " العدوان " الاميركي , ورسم الصورة الاسطورية لقائد القاعدة أسامة بن لادن , حيث بث الأشرطة المصورة , والرسائل التي يبعث بها بن لادن عبر قناة الجزيرة " حصريا " , وهو ما رفع نسبة المشاهدين والمتابعين لقناة الجزيرة . وبعد أقل من عامين كانت الحرب " الكونية " بقيادة الولايات المتحدة الاميركية على العراق , وكانت الجزيرة حاضرة في تغطية متميزة أيضا , لدرجة أنها خسرت أحد أهم مراسليها في بغداد أثناء اجتياح العاصمة العراقية , الصحفي الفلسطيني طارق أيوب – رحمه الله - , حيث نافست الجزيرة قناة ( الـ سي .إن إن ) الاميركية في نقل صور الحرب التدميرية , والمؤتمرات الصحفية المثيرة لوزير الاعلام العراقي المثير للجدل محمد سعيد الصحاف , ثم نقل صور إخراج الرئيس العراقي صدام حسين من مخبئه , ثم نقل صور إعدامه في صبيحة يوم عيد الأضحى . بعد ذلك استمرت الجزيرة في نقل مأساة الحرب الأهلية التي مازال يعاني منها العراق حتى يومنا هذا , ونقل صور السيارات المتفجرة , والأشلاء المبعثرة في بغداد ومدن وقرى العراق في كل مكان .
إلى هنا وقناة الجزيرة كانت تعتبر قناة جديرة بالمشاهدة , رغم الشبهات التي رافقت تأسيسها , حيث أن موازنة تأسيسها كانت من إمارة قطر بمبلغ 150 مليون دولار , بالإضافة إلى موازنة شهرية بمبلغ 30 مليون دولار شهريا , وبسبب هذا التمويل كانت قناة الجزيرة الناطق الرسمي باسم دولة قطر ووزارة الخارجية على وجه الخصوص , وكان في نفس الوقت تُلاحظ المسحة " الاسلاموية " لسياسة القناة , وخاصة الاخوانية ( الاخوان المسلمون ) , حيث البرنامج الاسبوعي للشيخ يوسف القرضاوي , " الشريعة والحياة " , والذي كثيرا ما يتحدث فيه في مسائل سياسية تخدم خط الاخوان المسلمين .
كما أنه توجد بعض الوجوه الاخوانية البارزة مثل الاعلامي أحمد منصور صاحب برامج بلا حدود وشاهد على العصر , وأخيرا شاهد على الثورة . وإن كان باقي الاعلاميين والمذيعين لنشرات الأخبار والبرامج الحوارية , تبدو عليهم السمة العلمانية , إلا أنهم يلتزمون سياسة القناة في الوقوف إلى جانب السياسة الاسلاموية للقناة , وبرز ذلك في أعقاب ما يسمى بثورات " الربيع العربي " .
من هنا ومع انطلاقة شرارة " الربيع العربي " من تونس وامتداداتها إلى ليبيا واليمن ومصر وسوريا , بدأت تظهر صورة الرأي الواحد والأحادي لقناة الجزيرة , ولم تعد قناة الرأي والرأي الآخر , حيث برز الانحياز الظاهر لهذه القناة إلى جانب الحركات الاسلامية وخاصة الاخوانية , باعتبارها صاحبة الثورات في بلدان الربيع العربي , حيث أن المشاهد لقناة الجزيرة وبرامجها الحوارية , يلاحظ عدم الحيادية في تغطية الأحداث وخاصة في سوريا ومصر , وخير مثال لذلك قناة " الجزيرة مباشر مصر " التي تبث على مدار الساعة تظاهرات الاخوان واعتصامهم في رابعة العدوية وميدان النهضة , وبث خطابات التحريض من قادة تنظيم الاخوان , واستضافة الخبراء والمحليين والصحفيين المقربين من " الجماعة " وتسمية ما حدث من ثورة في مصر في الثلاثين من يونيو الماضي بالانقلاب العسكري .
من هنا انكشف الدور التخريبي لقناة الجزيرة القطرية , من خلال بث الأخبار التي تتميز بالإثارة , ولصالح جانب واحد دائما من طرفي الصراع , سواء في الحرب الدائرة في سوريا , والتي وصلت إلى حد الحرب الأهلية التدميرية , ثم محاولة نقل الحرب الأهلية إلى مصر , وهو ما حدا بعدد كبير من مراسلي القناة في مصر إلى تقديم استقالاتهم احتجاجا على تغطية الجزيرة أحادية الجانب , التي تبث من خلالها السموم في برامجها , حيث قامت السلطات المصرية بإغلاق مكتب " الجزيرة مباشر مصر " حيث لم تعد الجزيرة قناة الرأي والرأي الآخر الذي ميز انطلاقتها.
وهنا تجدر الاشارة إلى استقالة مدراء مكاتب " الجزيرة " في أهم العواصم العالمية , فكانت استقالة مدير مكتب القناة في واشنطن حافظ الميرازي , وكذلك استقالة مدير الجزيرة في القاهرة حسين عبد الغني , ثم استقالة مدير القناة في مكتب بيروت غسان بن جدو , بعد أن انكشف لهم حجم ما تقوم به الجزيرة من تزوير وتخريب.
أما في الساحة الفلسطينية , فقد برز دور الجزيرة المنحاز إلى طرف ضد طرف آخر , منذ حصول الانقسام في العام 2007 , ووقوف الجزيرة إلى جانب حركة حماس ضد حركة فتح , وعدم التغطية الحيادية لأحداث القتل التي وقعت في قطاع غزة , واتخاذها موقف أحد الأطراف , وتسمية ما حصل بــ " الحسم " وهي التسمية التي تطلقها حركة حماس على أحداث الانقسام , بينما كانت السلطة وحركة فتح تطلق ما حدث في غزة بــ " الانقلاب ".
ثم كان ما قامت به قناة الجزيرة عام 2011 , عندما ادعت أنها حصلت على نحو 1600 وثيقة حول المفاوضات مع اسرائيل , حيث بدأت قناة الجزيرة بنشر ما وصفته بـ " تنازلات" قدمتها السلطة الفلسطينية خلال جولات المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية على مدى السنوات العشر الأخيرة, وتشمل هذه التنازلات قضايا القدس واللاجئين والحدود والتنسيق الأمني و" تقرير غولدستون " , والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2008 , وما أسمته تحريض حركة فتح والسلطة الفلسطينية على اجتياح قطاع غزة , وهو ما زاد حدة الشقاق والانقسام في الساحة الفلسطينية , وبروز الدور التخريبي للجزيرة في القضية الفلسطينية. وقد تمكنت القيادة الفلسطينية من تكذيب الادعاءات التي نشرتها قناة "الجزيرة " وأطلقت عليها صفة " الوثائق السرية " , بعدما كشف رئيس دائرة المفاوضات الدكتور صائب عريقات في لقاءات مباشرة مع الجزيرة , بأن كل ما حصلت عليه من موظف فرنسي من أصل فلسطيني , بعد أن سرق محاضر جلسات المفاوضات وقام ببيعها للجزيرة , بعد أن انتهى عمله في دائرة المفاوضات , حيث أكد عريقات أنه مستعد لتقديم الأصول وليس الصور التي تم انتقاؤها وتحريفها لخدمة بعض الأهداف السياسية والإعلامية للجزيرة . وبعدها اضطرت الجزيرة للتوقف عن نشر باقي الوثائق.
وكانت قناة الجزيرة قد تعرضت للإغلاق من طرف الحكومة الفلسطينية في رام الله في العام 2009 , بعد أن قامت بتناول تصريحات لرئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير فاروق قدومي ، التي اتهم فيها الرئيس محمود عباس والقيادي في "فتح" محمد دحلان بالمشاركة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون في قتل الرئيس الراحل ياسر عرفات مسمَّمًا. وقالت وزارة الإعلام الفلسطينية في قرار الاغلاق إن قناة الجزيرة دأبت، ومنذ زمن، على تخصيص مساحة واسعة من بثها للتحريض على منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية. وأضافت أنه على الرغم من دعوتها مراراً وتكراراً للحيادية في تناول قضايا الشأن الفلسطيني، والتوازن في مواقفها وعملها فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي، إلا أنها ما زالت مستمرة في ممارساتها بالتحريض ونشر للفتنة وترويج أنباء كاذبة.
هذا غيض من فيض وقليل من كثير مما تمارسه قناة الجزيرة القطرية , من دور مشبوه في تقسيم وتجزئة العالم العربي , والوقوف مع سياسة الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة , لتطبيق خطة وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كونداليزا رايس , المسماة النظام الدولي الجديد , والتي اعتمدت فيها على دعم الاسلام السياسيي المعتدل المتمثل في حركة الاخوان المسلمين , في وجه الاسلام الراديكالي المتمثل في تنظيم القاعدة الذي استطاع هزيمة أميركا في أفغانستان والعراق , وقد أدى هذا الدعم الاميركي المدعوم بالآلة الاعلامية لقناة الجزيرة في وصول الاخوان المسلمين إلى سدة الحكم في تونس ومصر , بعد أن ركبوا ثورات الشعبين التونسي والمصري ضد نظامي بن على ومبارك البائدين.
ومع التغيير الحاصل في القيادة القطرية وتنحي الأمير حمد بن خليفة , وتولى نجله تميم مقاليد الحكم , وإزاحة وزير الخارجية حمد بن جاسم عن وزارة الخارجية , التي كانت المدير الفعلي والموجه لسياسات قناة الجزيرة , تفاءلنا خيرا بحدوث التغيير في سياسة قناة الجزيرة , وعودتها لسياسة الحيادية والرأي والرأي الآخر , لكن يبدو أن من يحكم ويوجه سياسة الجزيرة هو من خارج إمارة قطر.
وهكذا فقدت الجزيرة مصداقيتها , بعد أن فقدت حياديتها , وبدأت شعبيتها تتراجع في العديد من الدول العربية , بعد أن اتجه المواطن العربي لمشاهدة قنوات عربية وأجنبية أكثر مصداقية في نقل الخبر وإجراء الحوارات غير الموجهة لصالح جهة ضد أخرى , حتى أن الكثير من المشاهدين قاموا بحذف قناة الجزيرة , أو على الأقل عدم مشاهدتها بعد أن تكشف لهم أنها قناة للفتنة والتضليل .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت