سؤال الصراع:
طبيعة المواجهة والصراع مع العدو الصهيوني، تكتسي طابعاً موضوعياً وتاريخياً شاملاً، بحيث أن العدو الصهيوني يواجهنا بطاقة "المجتمع الصهيوني" بكامله، في إطار الدور المرسوم له من قبل الإمبريالية العالمية عموماً والأمريكية خصوصاً. وهذا يقتضي بالضرورة موضوعياً أن تكون المواجهة من قبلنا شاملة ومجتمعية أيضا، ولكن هل واقع الحال الفلسطيني يزكي ذلك؟!
دون عناء تفكير الجواب لا.. كبيرة... وهذا أول ما يفرض إعادة النظر بمجمل الممارسة السياسية والاقتصادية والتنظيمية والثقافية والكفاحية والمجتمعية ووسائل وأدوات تلك الممارسة اتجاه الجماهير الفلسطينية، في ظل ما نعانيه من حالة انفصام/انفصال ما بين المجتمع السياسي وبين الجماهير، ويعود ذلك لحالة الإقصاء والإرهاق والتجويف والتغييب لهذه الجماهير، وما تولد عن ذلك من مظاهر (إحباط ويأس وفقدان ثقة والبحث عن الذات وعدم الانشداد للقضايا الوطنية والمجتمعية والميل نحو الارتهان أو الاستسلام للواقع...(.
السؤال الذي يطرح ذاته هنا، كيف يمكن أن نتجاوز هذا الحال، بما يؤمن طاقات المجتمع الفلسطيني ويوظفها ويستثمرها إيجابا في ميدان المواجهة مع العدو الصهيوني؟
هذا لن يتحقق دون ذلك الاندماج مع هذه الجماهير ضمن بنى وممارسة وعقلية مرنة وفعالة وتقديم النموذج الكفاحي – الاجتماعي لها، والبرهنة بالممارسة عن همومها ومصالحها وطموحاتها، وصولاً لأن تشعر بأنها مشارك فعال في صياغة المواقف ومشارك نشط في الكفاح والنضال بمختلف أشكاله.
بمعنى أدق أن تتوفر الأرضية الصلبة للحزب الذي يقنعها بجدارته، وهذا يتحقق في حال اقتنعت الجماهير بالممارسة أن كلمتها مسموعة، وبوجود نظام من المعايير والقيم والمؤسسات والبنى التنظيمية الكفيلة بتحويل دورها إلى دور مادي مباشر (إن القوة لا تصارعها إلا القوة المادية، والنظرية تصبح قوة مادية على – حد قول ماركس – حين تتغلغل في قلوب الجماهير).
سؤال الوطني التحرري والاجتماعي الديمقراطي:
المطلوب أن نتوقف أمام هذا السؤال بتدقيق وعمق كبيرين، وهو كيف يمكن إيجاد الترابط الفعال والعميق ما بين البرنامج الوطني التحرري والبرنامج الاجتماعي الديمقراطي؟!.
ففي الوقت الذي لم تنفك العديد من الأحزاب الفلسطينية قديماً وحديثاً من التأكيد على ترابط المهمتين، جاءت التجربة وواقع الحال ليقول بأننا لم نخلق توازن علمي وواقعي وعملي بينهما، حيث حضرت الرؤية الاجتماعية نظرياً في الوثائق والأدبيات والبرامج وغابت إلى حد كبير في الممارسة العملية، وعليه اتسعت الهوة بينها وبين الجماهير.
وهذا بدوره ما يتطلب من الحزب الثوري، أن يعمل من أجل توفير شروط الرؤية الاجتماعية، التي تبدأ بصياغة رؤية برنامجية متكاملة، موجهة لكل المجتمع بكل مكوناته وفئاته وقطاعاته المختلفة، مقرونة بممارسة عملية تتكامل وتتناغم فيها منظمات وأطر الحزب المختلفة.
سؤال الشرعية الجماهيرية:
سؤال البحث عن الشرعية الجماهيرية، يترتب عليه بالضرورة سؤال كيف نكسب الجماهير؟!.
خاصة وأن الجماهير هي عنصر الحسم وحماية الحقوق وانتزاع المكاسب والانجازات والنصر.
وعليه يجب الوعي والإدراك بأن عملية كسب الجماهير عملية نضالية تَدَرُجية/تركيمية، نجاحها يعتمد على القدرة والفعالية والتماسك الداخلي ووضوح البرامج والسياسات وترجماتها العملية والممارسة الديمقراطية والاستجابة الفاعلة لمصالح واحتياجات الجماهير.
يترتب على ما سبق سؤال مفصلي، هل يمكن أن نصل للجماهير الفلسطينية على طريق كسبها (كل طبقة وفئة وشريحة)، واشتقاق برامج خاصة في كل منها، دون وجود الحزب الثوري الفاعل والطليعي، الواضح فكرياً وسياسياً والمتماسك تنظيمياً، أم أن واقع الحال واستمرار مفاعيل الأزمة الشاملة سيبقيه في دوائر المراوحة ومن ثم التراجع والانحسار؟!.
سؤال الأطر الجماهيرية والنقابية:
يتمحور هذا السؤال حول التالي: لماذا تبني الأحزاب منظمات وأطر جماهيرية ونقابية محيطة بها؟ وهذا سؤال له علاقة بالدور والوظيفة والمهام والشرائح والقطاعات التي تمثلها تلك الأطر، وعليه هل المنظمات والأطر الجماهيرية والنقابية "القائمة/المحيطة بالأحزاب" تقوم بدورها ووظيفتها ومهماتها الموكلة لها وتمثل وتعبر بحق عن الشرائح والقطاعات التي تمثلها؟.
إذا كانت الإجابة "لا"... حينها يجب أن ينصب البحث في أسس إنشاء تلك المنظمات والأطر، وهل هي قادرة بذات التركيبة والبنية أن تؤدي دورها ووظيفتها؟! أم أن المسألة باتت تحتاج وبإلحاحية إلى التجديد والتطوير ورفع مستوى الأداء من خلال تجديد شبابها ودمقرطتها والانكباب/الانشداد لأهداف تشكيلها دوراً ووظيفة وتمثيلاً وتعبيراً... بديلاً لأمراض البيروقراطية والمكتبية والمراتبية والمصالح الشخصية وغياب قدرة التمثيل والتعبير.
وهنا أستحضر قول-يتناسب تماماً- للقائد والمفكر الثوري الدكتور جورج حبش في كلمته أمام المؤتمر الوطني الخامس للجبهة الشعبية، وهو يتحدث عن أهمية العمل الجماهيري والمنظمات الديمقراطية "إن مهمتنا الأساسية تتلخص في بناء الحزب الجماهيري الذي يتغلغل وسط الشعب بقواعده وكوادره وقياداته، يعيش حياته بين صفوف الجماهير مُشكلاً النموذج والقدوة والمثل في الأخلاقيات والسلوك الثوري" ويكمل "إن تحولنا إلى حزب جماهيري محاط بمنظمات جماهيرية عريضة، يجب أن يشكل مفصلاً أساسياً من مفاصل عملنا".
وهذا ما يستدعي بدورة أن تتناغم وتتكامل كل أدوات ووسائل العمل من خلال الحزب "التنظيم السري"- والمنظمات والأطر الديمقراطية والجماهيرية- والأدوات والوسائل الكفاحية، التي من خلالها يستطيع تجسيد برامجه وطموحاته المرحلية والإستراتيجية.
سؤال وسائل وأدوات النضال:
وسائل وأدوات النضال وأشكاله (الأيديولوجية والثقافية والسياسية والنقابية والجماهيرية والدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية...الخ)، هل هي في حالتنا الفلسطينية وفي إطار الصراع ذو الطبيعة التاريخية والشاملة مع العدو الصهيوني مسألة ترف أم مسألة جوهرية، يتوقف على إجادة توظيفها واستخدامها وفق تطورات كل مرحلة من مراحل الصراع تقريب المسافة من تحقيق بعض الانجازات على طريق تحقيق النصر الكامل على العدو؟ وعليه هل أشكال النضال وأدواته، مطلوب أن تبقى خاضعة للارتجال والعشوائية؟ أم أن هذه المسألة الجوهرية تحددها في كل مرحلة من مراحل النضال المختلفة طبيعة الظروف القائمة وتطوراتها، ومدى ملائمتها واستجابة الجماهير لها؟.
لقد ورد في الوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني السادس للجبهة الشعبية، القول الجوهري التالي: "تدلل هذه السياسة - الارتجال والعشوائية - من جانب على عدم امتلاك رؤية صحيحة للصراع وذلك ارتباطاً بشروطه وعناصره الموضوعية، وليس ارتباطاً بالأوهام القائمة على فهم الصراع كعملية شطارة لبعض الأفراد أو الزعماء. ومن جانب آخر، على فهم العدو ومشاريعه السياسية على شكل سليم، وهو الأمر الذي قاد إلى وضع حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني الوطنية والقومية تحت سقف الشروط التي صاغها الاحتلال".
وتؤكد الوثيقة "أن طبيعة الصراع تتخطى السياسات القاصرة وما يحكمها من ممارسات سياسية وفكرية باهتة وارتجالية إلى رؤية سياسية شاملة تقرأ لوحة الصراع جيداً وتدير العملية بصورة واعية على أساس مبدأ التركيم والاستمرارية والتكامل وتفعيل كامل الطاقات الكامنة".
إن التحديد السليم لوسائل وأدوات النضال وأشكاله وترابطها الجدلي، وعدم وضعها في موقع المفاضلة فيما بينها طالما تُعرف أين وكيف ومتى تشق طريقها، يمثل أولوية مهمة زمن احتدام الصراع والاشتباك مع العدو انطلاقاً من تحديد سليم لمبادئ وأساليب العمل التي تتناسب وتتلاءم وتطور الأحداث من جهة وطبيعة كل مرحلة من جهة أخرى.
وهنا من المفيد التذكير بأن المفكرين/والقادة الثوريين في تناولهم لهذه المسألة في ترابطها ذهبوا إلى أن أرقى أشكال النضال هو الكفاح المسلح، والرقي مرتبط بدوره وقيمته وفاعليتة وتأثيره في ظروف الصراع الوطني كما الحالة الفلسطينية، هنا يُطرح سؤال: من العناصر/الأعضاء المؤهلة لممارسة الكفاح المسلح كأرقى شكل نضالي؟ أليس هم أكثر العناصر/الأعضاء وعياً وصلابةً وتماسكاً وانضباطاً والتزاماً وتدريباً وخبرةً وسلوكاً ثورياً، وليس عضلاتاً أو طولاً أو عرضاً... يبقى أن نقول أن مسألة أشكال وأدوات النضال من أكثر المسائل التي تحتاج إلى روح مبدعة وخلاقة ومنتجة، وتتطلب استيعاباً متميزاً "للنظرية الثورية" في ظروف وتطور الصراع، من خلال القراءة الجيدة له.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت