ان العنوان لهذه المقالة وبهذه الأسماء والرموز للقادة من الأسرى له معان ودلالات تستوجبها،فهؤلاء القادة كل واحد منهم مضى على وجوده في الأسر ربع قرن فما فوق،وهم من تجرعوا المرارة والخذلان اكثر من مرة من قبل المفاوض الفلسطيني،الذي وقع اتفاق اوسلو،وترك قضيتهم في مهب الريح،بل تنازل وتخلى طواعية عن تمثيلهم،كون الأول والثاني منهم من اسرى الداخل الفلسطيني- 48- حملة الجنسية الإسرائيلية قسراً،والثالث والرابع من القدس وحملة الهوية الإسرائيلية قسراً أيضاً.
هؤلاء القادة الأبطال من اعمدة وعمداء وجنرالات الصبر في الحركة الأسيرة ،خير من قادها ومثلها،وهم يختزنون الشيء الكثير من التجارب والخبرات الإعتقالية والتنظيمية والحزبية والإعتقالية والأمنية،وكذلك سعة الثقافة والإطلاع وعمق الوعي،مضافاً لها السجايا الشخصية"والكريزما" القيادية،التي مكنتهم من ان يتصدروا الصفوف في مقارعة إدارات مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزة مخابراتها،وكانوا الأكثر إستهدافاً من قبلها،لكونهم وقفوا على راس قيادة منظماتهم الاعتقالية والحزبية،وكانوا العنوان والمرجعية لها،في كل معاركها ونضالاتها التي خاضتها ضد إدارة المعتقلات الصهيونية،واجهزة مخابراتها،وخصوصاً في معارك الأمعاء الخاوية، دفاعا عن وجودها وحقها في التنظيم،وكذلك دفاعاً عن حقوقها ومنجزاتها ومكتسباتها وعن كرامتها وتحسين شروط وظروف حياتها.
هم قدموا للوطن والقضية بلا حدود او حسابات فئوية ضيقة،فكانوا النماذج والأسماء والرموز التي تتردد على ألسنة أبناء كل الحركة الأسيرة،فهم عاصروا أسرى ما قبل الانتفاضة الأولى وأسرى الانتفاضتين الأولى والثانية،وهم الأقدر على صوغ وتوثيق أكبر ملحم أسطورية للحركة الأسيرة الفلسطينية في سجون ومعتقلات الإحتلال بمراحلها وتطوراتها المختلفة.
لم تنحن قاماتهم يوماً او تضعف عزائمهم ولم يتسرب الياس الى صدورهم وقلوبهم،وكانوا يقبضون على انتماءاتهم ومبادئهم كالقابض على الجمر،في زمن تساقط فيه العديد وباعوا القيم والمبادىء ولعنوا الزمن الذي من اجله اعتقلوا وناضلوا وضحوا،عندما وجدوا ان ثمن تضحياتهم ونضالاتهم،استثمرها البعض لمصلحته ولحسابات ضيقة ولخدمة مشروعه السياسي،دون ان يلتفت إلى معانياتهم وعذاباتهم.
واربعتهم تعرفت إليهم شخصياً وعشت معهم في المعتقلات والسجون،وأذكر كم كان يعتصرهم الألم والحزن،عندما يستذكرون بأن اخوة ورفاق لهم تحرروا في دفعات الإفراجات الناتجة عن اتفاقيات اوسلو،من نفس غرفهم،وهم في بعض الأحيان واكثر من مرة بقوا وحيدين في تلك الغرف،تدور في خلدهم ورؤوسهم الكثير من التساؤلات،والتي دفعتهم الى توجيه رسائل قاسية الى القيادة الفلسطينية وقادة الأحزاب والتنظيمات،يتهمونهم فيها بالتخلي عنهم وتركهم فريسة للإحتلال واجهزة مخابراته وإدارة سجونه،وهم في تلك الرسائل لم يمثلوا انفسهم او تنظيماتهم،بل مثلوا كل ابناء الحركة الأسيرة من الداخل الفلسطيني- 48 – والقدس،ولم يتبق عليهم إلا ان يخاطبوا تلك السلطة والقيادة،بالقول كما خاطب الاستاذ نبيه بري رئيس المجلس النيابي اللبناني وزعيم حركة امل العرب أثناء الحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل على لبنان والمقاومة في تموز/ 2006 ،بالقول لهم "والله إننا عرب"بسب الخذلان والتآمر على ذبح المقاومة،وهؤلاء الأسرى ارادوا ان يقولوا لهذه القيادة والتنظيمات التي خذلتهم"والله إننا فلسطينيون أقحاح"،ونمثل المرتكزات الأساسية للبرنامج الوطني الفلسطيني في حق العودة والقدس العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المستقلة.
رغم كل سنوات الإعتقال الطويلة،وما أصاب اجسادهم من ضعف ووهن نتيجة برودة ورطوبة وعتمة غرف وزنازين المعتقلات الصهيونية،وكذلك الأمراض التي فتكت بها،كانوا الأوفى والأكثر مبدئية في انتماءاتهم ومواقفهم،فهم من تصدوا بقوة لإدارات مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزة مخابراتها،عندما حاولت من خلال بعض ضعاف النفوس،ان تفك العلاقة ما بين اسرى الداخل والقدس مع تنظيماتهم،مقابل بعض التسهيلات والإغراءات الشكلية، وقتلوا ذلك المخطط في مهده.
اليوم وبعد قبول المفاوض الفلسطيني بالعودة للمفاوضات متخلياً عن الإشتراطات بعدم العودة اليها،دون أن يتضمن ذلك الإفراج عن أسرى ما قبل اوسلو (104) مناضلين دفعة واحدة،ووضع جداول زمنية محددة لتحرير (5100 ) مناضل آخر في سجون الإحتلال،وقبوله بان يجري إطلاق سراح الأسرى القدماء(104) على دفعات،تولد لديهم شعور قاس بالخذلان مجدداً من تلك القيادة والسلطة،بموافقتها على ان تجعل من ملفهم قضية للإبتزاز من قبل المحتل وسيف مسلط على رقبة السلطة والمفاوض،بحيث ترتهن حريتهم الى ما يعتبره الإحتلال حسن سير وسلوك السلطة في المفاوضات،ولكي يجعل نتنياهو وحكومته من موافقتهم على تحرير هؤلاء الأسرى على دفعات،قضية مقايضة بين مواصلة الإستيطان في القدس والضفة الغربية،وسكوت السلطة عن ذلك، كشرط لكي يستمر في الإفراج عنهم،في تشريع لمعادلة جديدة أسرى مقابل إستيطان،وبالفعل مقابل الدفعة الأولى من الأسرى الذين جرى تحررهم امس الأول (26) اسيراً،اعلن الإحتلال عن عطاءات ومناقصات لإقامة مئات الوحدات الإستيطانية في القدس والضفة الغربية.
ومن الهام جداً هنا ان اشير الى فقرة وردت في رسالة عميد الأسرى،الأسير كريم يونس،والمعتقل منذ 30/1/1983،التي بعتها من سجنه،سجن"هداريم" الصهيوني الى قيادة السلطة الفلسطينية،حول التراجع في قضية الأسرى،والتي ارى انها على درجة عالية من الأهمية"لم نتوقع في أسوأ احلامنا وكوابيسنا أن تتحول قضية أسرى ما قبل اوسلو إلى ورقة ابتزاز بيد الإسرائيلي وسيف مسلط من قبله على رقبة المفاوض الفلسطيني. نحن نرفض ذلك رفضا قاطعا ونفضل أن نبقى في قبور الأحياء على أن نستخدم أداة بيد عدونا لابتزاز قيادتنا".
وأضاف يونس في رسالته"هكذا هي إسرائيل.. أبداً لم تلتزم بأي تعهد أو اتفاق قطعته على نفسها مساءً لتخرقه صباحاً، فما بالكم باتفاق على مراحل ولمدة 9 أشهر؟نحن على يقين أنه ما من مسؤول فلسطيني سيستطيع أن يتعهد بتنفيذ إسرائيل للعهد، وإتمامها لإطلاق سراح كافة الأسرى ال104 (ما قبل اوسلو) بعد 9 أشهر،لا سيما أن الطريق مليئة بالعقبات والانفاق،وفيه من الألغام ما يكفي على المستويين السياسي والتفاوضي حيث أن شكل وفحوى القرار الذي اتخذته حكومة إسرائيل بهذا الصدد يفتح الباب على مصراعيه مره أخرى أمام التلاعب والتذرع للتهرب من التنفيذ الدقيق والكامل لما تم التوافق بشأنه حول موضوع الأسرى."
نعم ما يقوله القائد كريم يونس صحيح ودقيق،ومن خلال نظرة على الدفعة الأولى من الأسرى الذين جرى تحررهم،والتي نعتبرها إنجاز ومكسب لكل من نالوا حريتهم من هؤلاء الأسرى،وفرحة عارمة ولكنها منقوصة لأهاليهم ولشعبنا،حيث ان ثلث من شملتهم عملية الإفراج قد شارفت أحكامهم على الإنتهاء.
والإحتلال الذي تعودنا عليه جيداً،هو خير من يختلق الحجج والذرائع لعدم الوفاء والإلتزام بتعهداته،ورغم الخطيئة وارتهان المفاوض الفلسطيني مجدداً لحسن نوايا الإحتلال في هذا الملف الهام والجوهري،إلا انني اقول لكم اخوتي ورفاقي كريم يونس ووليد دقة وياسين ابو خضير وبلال ابو حسين نحن سنبقى بإنتظاركم،وستبقون تيجان على رؤوسنا.
رفيقكم الفقير لله/راسم عبيدات
القدس- فلسطين
15/8/2013
0524533879
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت