لا زال البعض من المسئولين السلطويين عاجزا عن فهم قوانين التطور في الطبيعة والمجتمع والتفكير البشري ،ولا يؤمن بحركة التاريخ وبقوانين الثورة الاجتماعية ،برغم الزلازل والعواصف والثورات والهبات الجماهيرية التي تعصف من حوله في كافة البلدان العربية ،والإسلامية ،ضد نظم الاستبداد والتخلف والرجعية والظلامية ،ومحاولة الفكاك من التبعية للنظام الرأسمالي العالمي والولايات المتحدة الامريكية ،على طريق بناء مجتمعات ديمقراطية حديثة تعيد الاعتبار لقيمة الانسان العربي وكرامته ،وحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،والحفاظ على الاستقلال الوطني . البعض من المتنفذين كأنه يعيش خارج التاريخ والزمن ،كأبي الهول لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم إلا ما يريد ،ويوهم نفسه انه خارج النقد البناء ،وتسول له نفسه بأنه الحاكم بأمر الله !!!.
أن أبسط قواعد الديمقراطية السياسية والشعبية ،والسلوك المعبر عنها ،أن تدرك السلطة الحاكمة ،وأجهزتها ألأمنية التي تحميها ،بأن اختلاف الرأي والتباين في وجهات النظر حول القضايا التي تهم المجتمع هي سمة من سمات البشر والإنسانية ،وهي سمة تميز فيها العقل البشري عن الحيواني . وانطلاقا من المفاهيم الحضارية للديمقراطية فأن أية محاولة لفرض الرأي على ألآخرين أكان من السلطة الحاكمة او من حاكم فرد او مجموعة من الافراد او من حزب او حركة هي اجراء مخالف للطبيعة الانسانية ،وحق الاختلاف المشروع ومن شأنه ان يفشل في نهاية المطاف مهما امتلك الحاكم من السطوة والقوة وتغول الاجهزة الأمنية المختلفة ،وهي محاولة لتعطيل مواهب الانسان الابداعية ،وحقه في الاجتهاد ،وتشل الملكات الخلاقة للمبدعين من الكتاب والمفكرين والسياسيين والصحافيين ،ولن تنجح محاولات الاغراء واستخدام العصا والجزرة ،للتأثير على عقول المواطنين ،ومحاولة طبعها بعقلية القطيع الذي ينقاد لعصا الراعي دون تفكير ودون احترام للعقل والحداثة ،ولادمية وكرامة الانسان.
ان أية محاولة من سلطة الحكم ومؤسساتها السياسية والأمنية لحظر الرأي الآخر ،المغاير للرأي الرسمي ،تخلق حالة من ردات الفعل ،قد تؤول لمسلكيات فكرية سرية رافضة لها ،وقد تتصف بالعنف مما يشكل خطرا على المجتمع ،وإذا ما استفحلت هذه الظاهرة يصعب السيطرة على انحرافاتها لعدم السماح لها العمل تحت ضوء الشمس ،وظهورها على السطح بطريقة مكشوفة .
ان محاولات الحجر على حرية التعبير والرأي والصحافة ،ومحاصرة الكلمة والفن والتراث ،وكبت الحريات العامة والخاصة ،وملاحقة المبدعين والصحافيين وكتاب الرأي ،واستدعائاتهم على خلفية تغطية الاحداث وكتابة أحد المقالات التى لا تعجب الحاكم بأمره ،كما جرى سابقا مع الاستاذ الدكتور ابراهيم ابراش استاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر ،وأخيرا الطبيب الجراح الدكتور طلال الشريف دون تعلم دروس التاريخ التي لا زالت تتفاعل في المحيط العربي ،تزيد من حالة الاحتقان ،والتوتر في الشارع الفلسطيني ،وتهدد السلم الاجتماعي ،والنظام السياسي المتهتك ،وهذا يتطلب من السلطة السياسية الحاكمة أن تضبط مؤسساتها الأمنية وتراقبها حتى تنال ثقة جماهيرها ،وأن تتفاعل مع الواقع المتغير ،وتأخذ بجدية درجات النقد الموجه لسياساتها وبرامجها وممارساتها على الارض ،وتعمل على الاستفادة منها لشطب أخطائها وانحرافات عناصرها ،وأن تبدي قدرا واستعدادا لمعالجة أخطائها بروح من التعلم ،بدلا من فقدان البوصلة والتوجه لقمع المنتقدين لممارساتها.
ان حرية الرأي والتعبير والصحافة وتنظيم الجماهير ليست منحة من أحد ،بل هي واجب حقوقي وقانوني ،تتطلب اعادة اطلاق حرية الابداع والفكر ،وتنظيم الجماهير وتعزيز دورها ،وتفعيل مؤسساتها ونقاباتها العمالية والمهنية ،وجمعياتها الأهلية والتطوعية ،والاهتمام بأوضاع الجماهير المسحوقة من العمال والمزارعين والفقراء وأصحاب الدخل المحدود وتعزيز صمودها ،والاستماع لمطالبها ،ولرأي لمعارضة البناءة باعتبارها جزء من النسيج الاجتماعي الفلسطيني ،كلها تعتبر من أولويات العمل السياسي لمواجهة العدوان المتواصل على شعبنا الفلسطيني ،ومقدمة لإنهاء حالة التشرذم والتفرد ،واستعادة مضمون الوحدة الوطنية ،ووضع استراتيجية سياسية وكفاحية ومقاومة موحدة على قاعدة ان الصراع ليس بين ابناء الشعب الفلسطيني الواحد ،بل ضد الاحتلال الاسرائيلي العدو الحقيقي لشعبنا ولحقوقه الوطنية.
طلعت الصفدي
الاربعاء 14/8/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت