قال لي أتمنى أن افتح الباب، أن امسك بالمفتاح، فمنذ أكثر من عشر سنوات لم افتح بابا، لا أرى سوى سجانين يغلقون علينا أبواب الحديد ، وأبواب الأحلام والأمنيات القريبة والبعيدة، لا اسمع سوى ضجيج الفولاذ، كل شيء مغلق من حولنا ومن فوقنا ولا يملك سوى حنجرة للصوت ضيقة جدا تتعثر بالكلمات.
أمام زنزانة القائد النائب مروان البرغوثي وقفت فشاهدت عملاقا مكبل اليدين والقدمين مبتسما يستقبل أسرى ويودع آخرين واقفا متكبرا مشغولا بصناعة الأمل وكتابة رسائل إلى الأحياء والشهداء والمفاوضين وطلبة المدارس وأشجار رام الله وأطفالها ، يمارس الإغواء للوجع والحنين ، لا يتطلع إلى ارتباك السجان عندما رأى طلوع الشمس من عينين حادتين مفتوحتين على الغد القريب.
أمام زنزانة مروان البرغوثي رأيت معتصم رداد المريض بالسرطان وهزاع السعدي وعثمان بني حسن ومحمد الطوس وكريم يونس وماهر يونس ، يرتبون أبراش المؤبد، الشراشف، الوسائد ، صور الأصدقاء الكثيرين، كراستهم المزدحمة بالملاحظات، كأنهم خارج زمن المؤبد، لهم نهارهم وعاداتهم، ولهم ليلهم ومطرهم وحوارهم الذي لا تسمعه دبابات الاحتلال.
أمام زنزانة مروان البرغوثي وقفت، صافحت من بين القضبان احمد سعدات وفؤاد الشوبكي ومشيت نحو عجلات الاسير المعاق مبتور القدمين ناهض الأقرع، وحاولت أن أضم الجسد المدمر المشلول للأسير منصور موقدة، قرأت الوجع الإنساني ، لا يابسة هنا ، لا ماء ولا دواء ولا سماء، وتساءلت أي سلام يترك قادته ومرضاه في ظلمة السجون، وأي سلام يستقر دون ارض يزرعها الأسرى بالشجر والأمل وأسراب الطيور..
هنا في هذه العتمة حيث يرقد مروان تسكن القدس وحيفا ويجري البحر بموجاته العاليات الصاخبات ، وهنا تكاد تلمع كل الآيات المنزلات، لا شيخوخة ولا قبول للاهانة ، لا بكاء للأسرى ، كأنهم تأخروا عن الموت، لإطلاق شيء آخر من الحياة، وهنا يتسللون من التوابيت إلى جنون الجلاد، يحاصرونه بالأسئلة حتى يفتح الباب.
أمام زنزانة مروان البرغوثي وقفت وراقبت قدامى الأسرى يخرجون دفعة دفعة، يتركون وراءهم الملح والسعال والجوع، يسيرون على إيقاع مروان البرغوثي يرشدهم إلى الباب، ينادي عليهم واحدا واحدا بان لا ينسوا موعدهم معه في رام الله، ذاكرة من وداع ولقاء، يدعوهم أن يدخلوا المدينة من أبوابها، أن يتأملوا ويحضنوا الريح والأولاد.
أمام زنزانة مروان البرغوثي وقفت، أخبرته أنه أصبح جدا، وأن أولاده وبناته قد كبروا، وأن أبو السكر قد توفي ودفن تحت شجرة كينياء عالية، وأن خطواته لازالت طرية ودافئة من البيت إلى مكتبه، وأن أوراقه وقلمه لا زالت كما هي، وعلى الحائط تجلس صور أبو عمار والقدس وصورة للمسيح مصلوبا أمام التاريخ ينزف الدماء والبشرى.
بقلم عيسى قراقع
وزير شؤون الأسرى والمحررين
17-8-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت