لا يغرنك الدين الرسمي للدولة، ولا تهتم باللغة التي ينطق فيها النظام، ولا تنتبه لأحاديثه وادعاءاته ومظاهر سلطانه الشكلية، واسأل عن المبدأ، وعن القيم الإنسانية التي يحتكم إليها أي نظام سياسي، وراقب مواقفه من الأحداث التي تمر فيها بلاد المسلمين.
لعدة ايام متواصلة والشعب المصري يتعرض للمجازر والذبح والقتل على يد الانقلابيين، جرائم حرب ضد المدنيين العزل اهتز لها الضمير الإنساني، وحركت مشاعر الشفقة والحقد في الوقت نفسه، وفرضت على كل إنسان على وجه الأرض أن يحدد موقفاً، إما مع الشرعية والإنسانية والديمقراطية، وإما مع القتل والسفك واغتصاب الحكم بالقوة.
انقسم البشر في بقاع الأرض من أحداث مصر الجسام وفقاً لقناعتهم الفكرية، ومواقفهم السياسية، وتكوينهم النفسي، وتراثهم الثقافي، ومصالحهم، فصار التأييد للانقلاب والاعتراض عليه لا يخضع لدين أو لغة، لذا قد تجد عربياً مع الانقلاب، وقد تجد فرنسياً مع الشرعية، وقد تجد مسيحياً ضد الانقلاب وقد تجد مسلماً يموت دونه.
إن ما يجري على أرض مصر يندرج تحت مسمي الفاضحة، أو الكاشفة للنفس البشرية والأنظمة الحاكمة، فقد فضحت الأحداث معادن البشر والأنظمة، وحددت الولاءات والانتماءات، ولم تسمح لأحد بأن يقف بين بين، فإما مع الشرعية والديمقراطية، وإما مع الانقلاب، إما مع السلمية ومصالح الناس، وإما مع العنف ومصالح ذوي النفوذ، إما مع نظام مبارك وإما مع ثورة مصر، إما مع مصر العربية الناهضة، وإما مع مصر الانكفاء والنكوص.
أحداث مصر الفاضحة فرضت على النظام السعودي أن يؤكد كراهيته للديمقراطية بشكل عام، وأن يعلن عن عشقه لحكم الفرد المطلق ـ ولا أتطرق هنا إلى كراهية النظام السعودي لحركة الإخوان المسلمين، ولا أتناول الخلاف المذهبي، ولا التوافق أو الخلاف على القضايا السياسية والأمنية ـ وقوف النظام السعودي ضد الشرعية يستند إلى طبيعة النظام نفسه، والطريقة الدكتاتورية التي يحكم فيها، لذلك كانت الديمقراطية التي يستند إليها نظام الحكم في فنزويلا سبباً لوقوفه ضد الانقلاب، واصطفافه إلى جانب الشرعية.
لاحظوا أن نظام الحكم السعودي ينطق العربية، ويرفع راية الإسلام، ويحض على الصلاة خمس مرات في اليوم، بينما نظام الحكم في فنزويلا لا يعرف العربية، ولا يحدد مكان القبلة جغرافياً، وغير مقتنع بالإسلام دين لدولة فنزويلا.
.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت