أبو زعبل المصري، وأبو سليم الليبي

بقلم: فايز أبو شمالة


اقتل في الميدان، واقتل عند المواجهة، واقتل بالقنص، واقتل بالقصد، واقتل بالخطأ، وحز بالسكين لحم عدوك أثناء القتال، ولكن لا تقتل أسيراً، لا تقطع وريداً صرت أنت تحسب نبضاته، وتحبس خفقاته، ولا تجز رقبة من استسلم لك، ولا تقتص ممن سلم لك أمره، فصار سجيناً، يأكل ما تقرر له، ويشرب ما تقدم له أنت، وينام ويقوم ويتنفس وفق هواك.
مقتل عشرات السجناء المصريين في سجن أبي زعبل جريمة بشعة يجب أن لا تمر بلا عقاب، وبغض النظر عن أسماء السجناء، وأعمارهم، ومستواهم العلمي، والعمل الذي قاموا فيه، وبغض النظر عن الطريقة التي قتلوا فيها، فسلامة السجين تقع على عاتق السجان، وهو المسئول عن تأمين رحيله وتنقله ومسكنه وعلاجه وسلامته العامة.
مقتل عشرات سجناء سجن أبي زعبل في مصر يذكرننا بمقتل سجناء سجن أبي سليم في ليبيا، مع فارق جوهري في بشاعة القتل، ففي الوقت الذي تمت فيه تصفية سجناء سجن أبي سليم دفعة واحدة، فإن احتمالية تصفية سجناء سجن أبي زعبل بشكل فردي، هو أمر وارد، لأنهم سجناء تحت التحقيق، وانتزاع المعلومة منهم قد تدفع المحقق إلى تعذيبهم بشكل فردي حتى الموت، ومن ثم صار الإعلان عن مقتلهم بالجملة.
إن أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية هي تلك الجريمة التي يقترفها السجان بحق السجين، لذلك أوجعتني جريمة قتل السجناء في سجن أبي زعبل أكثر بكثير من جريمة قتل الأبرياء في ميدان رابعة العدوية، فالثاكل تبكي للثاكل، ومن هرست عظامه سنوات السجن الطويلة، يعرف معنى الضعف البشري رغم إدعاء القوة، ويعرف معنى الحرمان رغم التأفف، ويعرف معنى الحنين رغم احتباس الدموع، ويعرف معنى الشفقة رغم التجلد، ويعرف ظلمة الجدران حين تطبق على أنفاس السجين، ومع ذلك، فلم أشعر بالقلق من السجان اليهودي طوال سنوات سجني، فقد كنت واثقاً أنني صرت رقماً لدى إدارة السجون، يتسلمني السجان اليهودي من زميله، وهو ملزم أن يعيدني سالماً وفق القانون الذي سيحاسبه على كل قصور.
وحين اعترضت في سجن الرملة على السجان اليهودي الذي وضع القيود في قدمي الشيخ المقعد أحمد ياسين، رد السجان قائلاً: أعرف أنه مقعد، ولكن؛ أنا ملزم بتقييده وفق تعليمات إدارة السجون، وأنا ملزم بسلامته في نفس الوقت.
أولئك كانوا يهود، نقول: إنهم قتله ومجرمون وفاشيون ونازيون وغاصبون، فماذا نقول عن العربي الذي يقبض على أخيه العربي حياً، فيلقيه بعد يومين جثة ممزقة ؟.
ملاحظة: ستقدم أي حكومة إسرائيلية استقالتها فوراً لو قتل عشرات السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بالطريقة نفسها التي قتل فيها عشرات السجناء المصريون في سجن أبي زعبل. فما هو موقف الحكومة المصرية الراهنة؟
سيقول البعض: أنت ترفع بكلامك هذا من شأن إسرائيل الغاصبة، وتقلل من شأن الأنظمة العربية لغرض في نفس يعقوب.
وأنا أقول: جميعكم تهمسون فيما بينكم، وترددون: رغم وحشية اليهود وقسوتهم وغلظة قلوبهم، إلا أنهم أرحم من أنظمة الحكم العربي، وإن عدواً عاقلاً بالحقوق الإنسانية ولو قليلاً لهو أشرف ألف مرة من ملك أو رئيس عربي لما يزل يجهل وجود إنسان له حقوق.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت