في الوقت الصعب والدقيق التي تعيشه أمتنا العربية ، وبعد ساعات من سقوط الشهداء من أبناء شعبنا المصري الشقيق ، وحالة الارتباك التي يعيشها الوطن من جراء تطور الأحداث السياسية التي كان ثمرتها العودة للمفاوضات التي لن تُعطينا أي شيئ من حقوقنا ، وهذا لم يكن مجرد تخمين ، بل هو حقيقة واقعية لكوننا نعلم أن إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة تحاول كسب الوقت لفرض حلول سياسية على المنطقة العربية بأكملها ومن ضمنها الشعب الفلسطيني ، وتكون إسرائيل قد أنهت مخططها الرامي لفرض جغرافيا جديدة ستحول الحق الفلسطيني في الأرض لمجرد مقاطعات متفرقة جغرافياً يستحيل معها إقامة دولة فلسطينية متصلة وقابلة للحياة .
وفي ظل حالة القهر الذي يعيشه المواطن الفلسطيني في محافظات غزة ، نتيجة استمرار حالة الانقسام الداخلي ، الذي قتل فيه الأمل بالمستقبل ، ودمر أحلام جيل كامل من الشباب الخريجين والعاطلين عن العمل ، وفكك النسيج الاجتماعي الفلسطيني ، وساهم في تدمير الاقتصاد ، ناهيك عن الكثير من أشكال المعاناة اليومية من حصار وقطع كهرباء ، وعدم وجود مستلزمات الحياة اليومية من محروقات وغاز طهي والكثير من الاحتياجات بفعل استمرار إسرائيل بالتحكم بالواردات للقطاع .
مع كُل هذا وما نعانيه أيضاً من أصحاب الشعارات الرنانة وفرسان الفضائيات ، وتجار السياسة ، الذين يتغنون بالوطنية ليل نهار ، ويتاجرون بمعاناة شعب بأكمله ، ومع فقدان الشعور الأخلاقي والوطني عند البعض ، نرى كيف يمارس تلفزيوننا الوطني ، تلفزيون فلسطين سياسة الإستغباء والاستهبال ، وسياسة عدم احترام عقول ومشاعر المواطن العربي وكذلك الفلسطيني ، من خلال سياسة برامجية لا ترتقي لمستوى تضحيات شعبنا ، وتتماشى مع ما يحدث من تطورات على الأرض تجعلنا أكثر التزام بما يتم عرضه على شاشة التلفزيون المفترض أن يكون مرآه لشعب يعيش المعاناة ويموت يومياً .
نشاهد القنوات الفضائية لنرى القتل والدماء في كُل مكان ، ونشاهد تلفزيون فلسطين فكان مساء أمس الثلاثاء يعرض حفلة غنائية في إحدى مسارح مدينة رام الله ، يحضرها عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية وأمناء عامون لبعض الفصائل ، حالة من الانسجام والتصفيق لأحد المطربين يغني وكأن ما يحدث في وطننا ومحيطنا العربي لا يتطلب منا شيئ من الالتزام احتراماً لما تعيشه دولة عربية شقيقة قدمت من أجلنا ولازالت تقدم الكثير .
نحن لسنا ضد الفن والإبداع ، ولا ضد تقييد حريات الناس بما يحلو لها أن تشاهد أو تستمع ، لكن نحن ضد أن يكون هناك أحداث في محيطنا القومي ونحن نعرض حفلات وأغاني والمسئولين الفلسطينيين يجلسون ويصفقون ، وكان الأولى أن لا يعرض تلفزيون فلسطين هذه الحفلات ، أو أن يؤجل عرضها لحين استقرار الأمور ، وذلك تجنباً للانتقاد من المواطن الفلسطيني قبل المواطن العربي ، وهذا حق علينا أن نختار ما يتلاءم مع الذوق العام للمواطن الفلسطيني حتى لو كان ذلك يتعارض مع إرادة المسئول عن التلفزيون .
لقد كان تلفزيون فلسطين ومنذ سنوات محط أنظار ، وتعرض للانتقاد من صحفيين وإعلاميين ومواطنين ، وهذا حق طبيعي في التعبير عن الرأي ، لأن المواطن الفلسطيني يُريد أن يرى تلفزيونه الوطني شريك في كُل الأحداث ، لكونه يحمل اسم فلسطين ، ويُعبر عن عادات وتقاليد شعب لديه من التضحيات ما لم تقدمه أمه على وجه الأرض ، ومن هنا يأتي الالتزام الوطني والأخلاقي بما يجب أن يُعرض على شاشة تلفزيون فلسطين الذي نحب أن يكون في أفضل مكانه ، ونقدر ونحترم العاملين فيه ، هؤلاء الجنود المعطاءين في كافة المواقع وفي ظل كُل الظروف وخاصة الطاقم العامل بمحافظات غزة .
كلماتي هذه ليست تشويه أو تجريح ، لكنها نابعة من مواطن فلسطيني يُحب مؤسساته الوطنية ، ويأمل أن يراها في أفضل مكانه ، ويشعر بالضيق عندما تتعرض للانتقاد ويسمع أن كثير من المواطنين لا يُشاهد التلفزيون الوطني لأنه يعرض برامج لا ترقى لمستوى احترام عقله وتضحياته ، وأحياناً برامج أقل ما نقول عنها أنها تافهة تحت مسميات حرية التعبير والنقد كبرنامج وطن على وتر وغيره ، فمن حقنا أن يكون لنا تلفزيون يشاركنا كُل لحظاتنا ويومنا بفرحه وحزنه ، ويساهم في نقل صورة للعالم بأن الشعب الفلسطيني لديه على الأقل تلفزيون وطني يحترمه المواطن الفلسطيني لكونه يحمل مرجعية وطنية ويشعر بألم وجراح الآخرين .
&&&&&&&&&
إعلامي وكاتب صحفي – غــزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت